غوردن براون
عادل درويش من لندن: لم تكن مفاجأة ان يكتب وزير المالية العمالي غوردون براون، والمتوقع ان يخلف توني بلير في زعامة حزب العمال الحاكم؛ فبلير نفسه وزعماء العمال عادة مايكتبون مقالات رأي في صحف تمثل المعارضة المحافظة كالديلي تلغراف والديلي ميل، او في صحف ليبرالية تعارض سياستهم الخارجية وفي مجالات الصحة والتعليم، كالتايمز والغارديان. لكن المفجأة ان الرجل المتوقع ان يصبح رئيس وزراء الحكومة العمالية في يونيو من هذا العام، يلبس جلد السيدة الحديدة مارغريت ثاتشر، أكثر رؤساء وزراء بريطانيا محافظة منذ السير ونستون تشرشيل.

صحيفة الديلي تلغراف العريقة، والتي تمثل التيار التقليدي المحافظ في بريطانيا، وتعتبر العقل المفكر ndash; ضمن مجموعة صحف الشركة كمجلة ألأسبكتاتور والصانداي تلغراف،- وضعت صورة خصمها، وزير المالية العمالي لتشغل تقريبا نصف الصفحة ألاولى اليوم وعنوان quot; مانيفستو براون للقيم البريطانية والوحدةquot; . وببنط اصغر ndash; لكنه لايزال اكبر حجما من عناوين الموضوع الرئيس في الأيام العادية نقلت عنه رغبته وحملته التي تحذر من الأنزلاق الى تفكيك اواصر الوحدة القومبة الكونفيدرالية التي تتكون منه المملكة المتحدة منذ أكثر من ثلاثمئة عام ( انجلترا، وامارة ويلز واسكتلندا وايرلندا الشمالية، والتوابع والمحميات).
ودعا برازون الى تقوية الوحدة بين اقوى قوميتيين في المملكة، انجلترا التي يقارب عدد سكانها ال 50 مليونا، واسكتلندا، بسكانها الذين يقاربون الستة ملايين.

ففي آخر استطلاع للرأي اجرته مؤسسة اي سي ام ICM رحب 52% من ألاسكتلنديين بفكرة الأستقلال عن المملكة المتحدة والأنفصال عن ألانجليز الذين يكرهونهم كرها تاريخيا ا، وكانت بينهم وبين ألانجليز معارك دموية كثيرة على مر العصور ( فيلم قلوب شجاعة بطولة ميل غيبسون Brave Hearts صور، بدقة العداء والحروب بين القوميتيين واخضاع ألأنجليز للأسكتلنديين)؛ حيث يعد الحزب القومي الأسكتلندي بزعامة اليك سامون باجراء استفتاء في اسكتلندا حول الأستقلال التام من المملكة المتحدة في حالة فوزهم باغلبية مقاعد البرلمان الأسكتلندي في مايو هذه العام ، وازاحة ألاغلبية العمالية، التي تتمشى مع سياسة الحكومة العامة في لندن بتقوية ألأتحاد بدلا من تفكيكيه.
لكن الأمر ألأخر الذي يزعج براون واصحابه، ان نتائج ألاستطلاع نفسه اشارت الى ان 59% من ألأنجليز يفضلون استقلال اسكتلندا عن بريطانيا. ورغم ان اثنتين من اهم الثروات الطبيعية البريطانية ( بترول وغاز بحر الشمال، الى جانب وفرة المياه الهائلة في اسكتلندا) يقعان في الأراضي والمياه الأقليمية الأسكتلندية، الا ان الأنجليز ضاقوا ذرعا بماعرف بقصية غرب لوثيان، وهي دائرة انتخابية اسكتلندية اثيرت فيها قضية قبل سنوات حول السياسة القومية للتعليم، والخصوصية ألاسكتلندية.
واختصار القضية ان النواب الأسكتلنديين، بما فيهم النواب الستة من الحزب القومي الأسكتلندي الجالسين ضمن مقاعد المعارضة في مجلس العموم البريطاني ( برلمان وستمنستر)، والنواب ألاسكتلنديين سواء في حزب الحكومة، او الأحزاب ألاخرى، المحافظين، والأحرار الديموقراطيين ( وزعيمه الحالي السير منزيس كامبل، اسكتلندي شأنه في ذلك شان سابقيه، تشارلز كينيدي، واللورد دافيد ستيل)، هؤلاء النواب يصوتون على قرارات وسياسات تؤثر على حياة ال 50 مليون من دافعي الضرائب الأنجليز، بينما لايصوت نوابهم ألأنجليز على اية قرارات او سياسات تؤثر على اسكتلندا وحياة الأسكتلنديين فيها؛ الى جانب مايراه ألأنجليز من دعم دخل الضرائب الانجليزية للخدمات في اسكتلندا ا، بشكل لايتناسب مع الاعداد السكانية.
اضف الى ذلك ان نسبة الوزراء الأسكتلنديين في مجلس الوزراء كبيرة( أكثر من 30% )، ولا تعكس النسبة السكانية حيث يمكثل الأسكتلنديين 10 ونصف في المائة فقط من سكان المملكة المتحدة، وبالتالي فأن القوميين الأنجليز، يرون انهم محكمون بقومية اخرى هي الأقلية في الأتحاد. فبلير نفسه اسكتلندي كذلك وبراون، ووزير الداخلية جون ريد، ووزير الدفاع ديز براون، اسكتلندين، يتحدثون بلكنة اسكتلندية واضحة، لايريدون التخلص منها حتى لايغربون الناخب في دوائرهم الأسكتلندية، باستثناء بلير لأنه منتخب في دائرة سيدجفيلد في شمال شرق انجلترا، والا كان تحدث هو الآخر بلكنة اسكتلندية.
وقد اضافت الحساسية من تواجد المهاجرين، خاصة المسلمين في مدن انجلترا الصناعية، وقودا لنيران الحركة ألانفصالية مع ظاهرة التصحيح السياسي حيث منع المسؤولون في المجالس المحلية الكثير من الأندية والتجمعات ndash; خاصة اثناء مباريات كأس العالم في العام الماضي - من رفع العلم الأنجليزي وهو علم ابيض، علم سانت جورج، في وسطه الصليب الأحمر، حرصا على مشاعر المسلمين.
وقد اثار ذلك حنق الأنجليز لأن سانت جورج هو القديس القومي لأنجلترا، مثلما سانت اندرو قديس لاسكتلندا، وسانت دافيد قديس لأمارة ويلز وسانت باتريك قديس لأيرلندا .
والعلم القومي الفيدرالي للمملكة المتحدة Union Jack مكون من مزج اعلام القديسيين للبلدان المختلفة ( فعلم اسكتلندا ازرق بتقاطع الصليب بحرف X بلون ابيض، وعلم امارة ويلز بشريطيين ابيض واخضر يقطعهما رسم التنين الأحمر، وعدة اعلام شمال ايرلندا ( تسعة مقاطعات )، اهمها علم سانت جورج، مع تاج ونجمة مسدسة بيضاء في وسطه، واخر يشبهه لكن الصليب احمر في وسطه درع ابيض بكف احمر على ارضية صفراء،) . فعلم الأتحاد مكون من علم اسكتلندا فوقه صليب سانت جورج واضافة اربعة خطوط حمراء لصليب سانت جورج من اعلام ويلز وشمال ايرلندا.
والحديث في العام الماضي عن العلم، واصرار الأنجليز على العودة لعلم سانت جورج، امتزج مع اعتراضهم على مايمثله التصحيح السياسي والرقابة على حرية التعبير لأرضاء المسلمين من هدم لقيم انجليزية عريقة كحرية التعبير.
ولذا فاستطلاع للرأي يشير الى رغبة قرابة 60 % من ألأنجليز في التخلص من اسكتلندا، اصبح مصدر ازعاج وتهديد لبراون الأسكتلندي الذي يراه ألانجليز استمرارا لتسلط الأقلية الأسكتلندية على الحكم.
والى جانب الحملة الدعائية التي يقودها براون منذ اسابيع داعيا المواطنيين لتأكيد بريطانيتهم Britishness فأنه اختار سفينة القيادة في اسطول المحافظين في شارع الصحافة للتأكيد على تمسكه ببريطانيته، والتحذير من الخسائر المترتبة على انفراط غقد الأتحاد.
وبالطبع لم يجد وسيلة أكثر اقناعا بالتمسك بالقومية البريطانية بفخر، سوي بالتلويح بعلم البارونة ثاتشر، رئيسة الوزراء الوحيدة، منذ الحرب الثانية التي خاضت حربا لدرء عدوان على اراضي بريطانيا وارسلت ألأسطول لتحرير جزر الفوكلاند البريطانية التي احتلتها الأرجنتين عام 1982، مؤكة حرصها الشديد على عدم انفراط، ولا حبة واحدة من عقد المملكة المتحدة، حتى ولو كانت جزيرة على بعد الاف الأميال. واستخدم براون اسمها لتحذير عدد من كتاب اليمين الذين يروجون لفكرة برلمان انجليزي مستقل، كبرلماني اسكتلندا وامارة ويلز، قائلا ان ذلك سيدخل حصان طروادة الى القلعة الحصينة التي دافعت عنها البارونة ثاتشر.
لكن اختيار براون لمنبر محافظ لعرض بضاعته الساسية، وارتدائه ثوب ثاتشر قد تتركه عرضة اليوم لسهام غاضبة من العمال التقليدييين، الذي يكرهون ثاتشر في لقائه مع الجمعية الفابية ndash; وهي الأصل التي تكون عنه حزب العمال في مطلع القرن الماضي - . وكان ساندر كاتوالا، السكرتير العام للجمعية الفابية، حذر براون بضرورة تقديم افكار جديدة وسياسات جديدة اذا اراد ان يخلف بلير كرئيس للوزراء.
وبينما اتهم القوميون الأسكتلنديون براون بالنفاق وتملق الأنجليز لأنقاذ مستقبله السياسي، رحب السير منزيس كامبل، زعيم الأحرار باية جهود لتقوية الأتحاد بدلا من تفكيكيه، لكنه طالب بتحديث العلاقة الدستورية بين الأطراف، وايد براون في انتقاده لما اسماه بتحالف فاوستي ( كتحالف الدكتور فاوست مع الشيطان) بين القوميين الأنجليز وبين يمين حزب المحافظين، قائلا quot; قد تكون دوافعهم مختلفة، لكن النتيجة ستكون واحدة : وهي كارثة تفكيك المملكة المتحدة.quot;