لقطع الطريق على استراتيجية الضغوط الأميركية:
نجاد يعرض مبادرة على الإمارات في موضوع الجزر
بوظبي ndash; خاص: لقي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد استقبالاً حارًا في أبوظبي حيث كان في استقباله إلى جانب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان نائبه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إضافة إلى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ونائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان . رئيس دولة الامارات خلال اجتماعه الى الرئيس الايراني
وعكست مشاركة النخبة السياسية الإماراتية مجتمعة في استقبال الضيف الإيراني الذي يعد أول زعيم إيراني يزور الإمارات منذ تأسيس دولة الإمارات عام 1971 أهمية الزيارة والتي تعد زيارة تاريخية بكل المقاييس. فعلى الرغم من تعدد المرات التي زارت بها قيادات إماراتية طهران وعلى الرغم من الموقع الذي تحتله الإمارات كأكبر شريك تجاري خليجي لإيران، فضلاً عن طول الحدود البحرية التي تربط البلدين والتي أدت إلى تداخل في الحقول النفطية البحرية للبلدين، بل وإلى اقتسام أحدها وهو حقل ابو البكوش الذي تقوم باستغلاله للجانب الإماراتي شركة النفط الفرنسية توتال، فإن ايًا من الزعماء الإيرانيين لا قبل الثورة ولا بعدها قام بزيارة للإمارات، التي ظلت بخلاف دول خليجية أخرى مستثناة من جدول زيارات الرؤساء الإيرانيين لدول المنطقة والتي طالت باستثناء الإمارات، كل دول مجلس التعاون الخليجي .
وتقول مصادر دبلوماسية خليجية إن قضية الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وابو موسى التي تحتلها إيران منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، هي التي حالت دون قيام الرؤساء الإيرانيين بزيارة لأبوظبي، خاصة وأن الإماراتيين يعتبرون هذه القضية مفصلاً سياسيًا وامنيًا في العلاقات بين البلدين، بشكل خاص والعلاقات الإيرانية الخليجية بشكل عام .
وبحذر واضح، لم تستبعد المصادرالدبلوماسية الخليجية أن يكون لدى الرئيس نجاد مبادرة سياسية يطرحها على الإماراتيين في موضوع الجزر الثلاث. وقالت هذه المصادر إن مثل هذه المبادرة لن تكون بنت الزيارة الرئاسية، بل هي نتيجة لحركة سياسية هادئة بين البلدين، بدأت قبل عدة أشهر بزيارة قام بها الشيخ عبد الله بن زايد ال نهيان وزير الخارجية الاماراتي لطهران، والتي كانت مسبوقة بزيارة قام بها علي لاريجاني مسؤول الأمن القومي الإيراني، ومتبوعة بزيارة لوزير الخارجية الإيراني مونشهر متكي .
وحسب هذه المصادر فإن المبادرة الإيرانية ، قد لا تكون ملبية لمطالب الإمارات باستعادة حقوقها في الجزر الثلاث، أو أنها قد تشمل قبول إيران بالصيغة التي اقترحتها الإمارات للحل، وهي عرض النزاع على محمكة العدل الدولية أو التحكيم الدولي وفق معايير الشرعية الدولية وأحكامها، إلا أن المبادرة قد تتضمن بعض الجوانب التي تشكل بداية جدية في التعاطي مع قضية الجزر. وقالت المصادر إن أضعف حلقات الازمة هي ما يتصل بوضع جزيرة ابوموسى وهيأكبر الجزر الإماراتية المتنازع عليها، والتي تنظم السيادة عليها اتفاقية موقعة مع حاكم امارة الشارقة قبل قيام الاتحاد والتي يتم بموجبها تنظيم ادارة الجزيرة دون حسم مسألة السيادة . وكانت ايران قد نقضت هذه الاتفاقية من جانب واحد في مطلع التسعينات، حين منعت مواطني دولة الامارات وبعض العرب والأجانب العاملين في الجزيرة بدوائر حكومية تابعة للإمارات بدخول الجزيرة، مشترطة حصولهم على تأشيرات سفر ايرانية مسبقة، الأمر الذي فسر على انه محاولة ايرانية لفرض اعتراف اماراتي واقعي بسيادة إيران على الجزيرة .
وتقول المصادر إن نجاد قد يحمل معه اقتراحًا بإعادة تفعيل اتفاقية اقتسام ادارة الجزيرة بين البلدين وفق النصوص الواردة بين البلدين وتأجيل مسألة بحث السيادة على هذه الجزيرة، وكذلك البحث في النزاع حول الجزيرتين الأخريين.
وترى المصادر الدبلوماسية أن الإقتراح الإيراني في حال تقديمه للجانب الإماراتي لا يعني أن البلدين سيعلنان اتفاقًا نهائيًا حول نزاعهما لوجود تعقيدات وتداعيات لهذا النزاع، بحيث تحتاج الى مناقشات تفصيلية. وأضافت أن أبرز هذه التعقيدات، مما اقدمت عليه ايران من خطوات لتغيير معالم جزيرة ابوموسى ومحاولتها إحداث تغيير في التركيبة الديمغرافية لصالح إيران لفرض سيادة ايرانية واقعية على الجزيرة . وتقول هذه المصادر إن قبول إيران بهذا الامر يعني تراجعًا ايرانيًا ضمني عن ادعاءاتها بالسيادة على الجزيرة، الأمر الذي يفتح المجال امام الامارات لمناقشة المسألة في اطارها السياسي ايضًا.
وتقول المصادر الدبلوماسية إن أي مبادرة ايرانية تجاه الإمارات تحكمها ثلاث إعتبارات يمكن إجمالها في ما يلي :
bull;الضغوط التي تتعرض لها إيران بسبب ملفها النووي، وهي ضغوط تحاول الولايات المتحدة حشد تأييد خليجي لها. وكانت آخر مظاهر هذه المحاولات الزيارة التي قام بها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني للإمارات والسعودية، والتي أعلن خلالها صراحة بأن بلادة تسعى الى حشد تأييد خليجي لاستراتيجيتها الخاصة بمنع إيران امتلاك سلاح نووي . وتقول المصادر الدبلوماسية الخليجية إن اي مبادرة يحملها نجاد في موضوع الجزر ستوظف لضرب المحاولة الأميركية من خلال جعل هذه المبادرة دليلاً على حسن نوايا إيران تجاه دول المنطقة، وهو أمر كانت تطالب به دول الخليج منذ زمن طويل وقبل أن يطفو الملف النووي الإيراني على السطح.
bull;استباق أي تشديد للعقوبات التي قد تفرض على إيران بمحاولة تحسين العلاقات مع أكبر شريك تجاري لإيران في المنطقة، وهو دولة الإمارات التي يبلغ حجم التجارة بينها وبين إيران حوالى 10 مليارات دولار سنويًا، فضلاً عن أن القطاع المصرفي الإماراتي نشط في تمويل التجارة الخارجية الإيرانية في ضوء القيود التي تواجه ايران في التعامل مع النظام المصرفي العالمي، بسبب ما تفرضه الإدارة الأميركية على الأرصدة المالية والتحويلات الخارجية. وتقول المصادر الخليجية إنه على الرغم من أن الإمارات ترفض باستمرار الربط بين العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية، إلا أن العلاقات الاقتصادية المتميزة للإمارات مع إيران كانت تثير لبسًا، وربما حفيظة بعض الدول الخليجية والعربية التي تطالب بتبني مواقف وسياسات تجاه ايران تساعد الإمارات في استعادة حقوقها بالجزر. وتقول إن قيام إيران بمبادرة سياسية تجاه الإمارات في قضية الجزر قد يرفع بعض الحرج الأدبي الذي تتعرض له وهي تطالب جاراتها بدول الخليج او الدول العربية والصديقة بمواقف اكثر حزمًا مع إيران في موضوع الجزر .
bull;إن إيران تسعى إلى ما يمكن اعتباره ترتيبًا للأوضاع الأمنية في المنطقة من خلال التعاون بين الدول المطلة على الخليج العربي، وصولاً إلى تقليص اعتماد دول المنطقة على المظلة الأمنية الدولية. وتقول المصادر الخليجية إن إيران تدرك أن هذا المسعى سيفشل بالتأكيد إذا ظلت أزمة الجزر ( دملا ) في العلاقات الخليجية الايرانية. وتشير هذه المصادر إلى ما طرحته ايران منذ بعض الوقت، وهو ابرام اتفاقية امنية خليجية، وهو أمر اعتبرته دول الخليج مناقضًا لأفعال ايران التي تصر على الاحتفاظ بالجزر الاماراتية الثلاث وتجاهل مبادراتها السلمية تجاه حل النزاع .
وأيًا كانت الحدود التي يمكن أن تنتهي لها زيارة نجاد للإمارات، فمن المؤكد انها تفتح باب العلاقات بين الامارات وايران على مختلف الصعد. وفي هذا المجال، أكد مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي يشكل ( ثنك تانك ) للقيادة الاماراتية أن مسيرة العلاقات الإماراتية - الإيرانية واضحة للعيان، وما يشوبها من مد وجزر معروفة أسبابهما فهناك ملفات مفتوحة تعرض مسيرة العلاقات المشتركة لعثرات وتضعها في بعض الأحيان في اختبارات صعبة، على الرغم من صعوبة هذه الاختبارات فإن من الممكن تجاوزها من خلال إرادة سياسية تعلي من شأن قواعد حسن الجوار وبناء الثقة واعتماد نهج الحوار الجاد حول هذه الملفات التي ظلت مفتوحة تاركة علامات غائرة في مسيرة العلاقات سواء تلك التي تجمع إيران بالإمارات أم بدول مجلس التعاون جميعها.
وأكدت أن حسن النوايا إحدى ركائز بناء العلاقات المتينة بين الدول والدبلوماسية الإماراتية تقدم المثل والنموذج على قناعتها بهذا النهج العقلاني في مختلف المواقف والمناسبات، ولذا فقد أعلنت الأربعاء الماضي عن إطلاق سراح اثني عشر بحارًا إيرانيًا، كان قد تم اعتقالهم في المياه الإقليمية لدولة الإمارات وارتأت القيادة السياسية إطلاق سراحهم قبيل زيارة الرئيس الإيراني للبلاد إدراكا من دولة الإمارات لأهمية توفير المناخ والظروف الملائمة لإنجاح الزيارة وتأكيد الرغبة والحرص على إرساء مبدأ حسن النية والحوار المتبادل وتوفير متطلبات تعزيز التعاون مع الجانب الإيراني.
التعليقات