الغزو العراقي ترك quot;عدم اليقينquot; في المجتمع الكويتي
الرميحي: في الكويت خطاب يدعو لصراع أهلي تنبذه الأغلبية

حوار: عدنان ابو زيد: قال الصحافي والكاتب الكويتي رئيس صحيفة اوانمحمد الرميحي إن كيل الأغلبية الصامتة في الكويت قد فاضمن هذا التنازع بين laquo;أقليتين فكريتينraquo;، كل منهما يريد أن يضع أجندة للوطن ويُسيّر المجتمع على هواه، فتراه يغلظ في خطابه في تسفيه الآخر واتهامه بأفظع التهم المنكرة أخلاقيا. جماعة تشتم وتكفّر من يستخدم حقه الدستوري في اقتراح قانون، وجماعة تريد أن تفرض على الكويتيين laquo;بطولةraquo; وlaquo;شهادةraquo; من استقر في ذهنهم ومن خلال شواهد لا يرقى إليها الشك بأنه (عماد مغنية) عذّب وقتل إخوة لهم، لا لذنب اقترفوه، اللّهم إلاّ لوجودهم بالمصادفة على تلك الطائرة المنكوبة، التي كانت تغادر الشرق الأقصى آمنة قبل عشرين عاما من اليوم، يسبر اعماق الصحافة من جديد عبر جريدة جديدة هي أوان، يأمل انها لن تكون تقليدية، تجمع بين صفتي المهنية والتقنية، وتتماهى مع الحداثة وتسهم في رفد المطبوع العربي بمادة نوعية. وقال الرميحي انه يطالع يوميا إيلاف اكثر من مرة لكونها تقدم للقارئ الكثير بشكل ملخص وجميل. هنا حوار يستقصي هموم الصحافة والفكر اضافة الى المشهد السياسي الكويتي حيث يمتلك الرميحي عبر تجربته الطويلة في الصحافة، قراءة تحليلية لاستخلاص النتائج المستقبلية.

- كانت لكم معرفة وصلة عن قرب بامير الكويت الراحل الشيخ جابر، ولكم في هذا الصدد رأي في ما أنجزته الكويت في عهده. ترى كيف هي مسيرة الكويت لاسيما في مجال الحريات وحقوق الانسان والبرلمان بعد مرحلة الشيخ جابر؟

- كان رحمه الله رجل سياسة من الطراز الأول محبا لبلده عروبيا مسلما صادقا في إيمانه، كان متقشفا، أذكر بعد الاعتداء على حياته، ذهبنا إليه وهو مصاب بجرح في رأسه في وسط الثمانينات، وكان وقتها القصف على مخيمات اللاجئين في لبنان على أشده، فقال لنا ونحن نفر قليل: إن ما أصابه قدر. وهو رجل مؤمن ولكنه يتألم لما يصيب هؤلاء العزل في مخيماتهم، ونفرت دمعة كبيرة من عينه. كان شديد الحرص على الممارسة الديمقراطية رؤوفا بمن ظلمه، حتى إنه لم يصادق على حكم الإعدام في من حاول قتله، فقد قال: إنهم فقط منفذون لا مقررون!! كان متواضعا في مأكله وملبسه وسكناه، في أول زيارة له في بيته فوجئت بذلك الأثاث المتواضع الذي يوجد أفضل منه لدى متوسطي المجتمع الكويتي، رحمه الله.

- في مقال لك مؤخرا تناول عقدة بدأت تكبر في التعامل الكويتي مع قضية اغتيال مغنية، والتعليم المختلط، ترى هل سنشهد بداية صراع اهلي في الكويت حول القضايا الخلافية؟


هناك خطابان يريدان خطف الكويت والتأسيس لصراع أهلي تنبذه الأغلبية الساحقة من الكويتيين الذين جبلوا على التسامح والحوار، وارتضوا أن تكون مؤسساتهم التشريعية والتنفيذية هي فصل الخطاب. وهما خطابان يدويان في الوقت الذي تلتئم فيه ندوة فكرية كبرى يشرّفها خطاب أميري يدعو بحكمة إلى لحمة كويتية واحدة مقابل الأخطار المحدقة بهذا البلد.
لقد فاض كيل الأغلبية الصامتة من هذا التنازع بين laquo;أقليتين فكريتينraquo;، كل منهما يريد أن يضع أجندة للوطن ويُسيّر المجتمع على هواه، فتراه يغلظ في خطابه في تسفيه الآخر واتهامه بأفظع التهم المنكرة أخلاقيا. جماعة تشتم وتكفّر من يستخدم حقه الدستوري في اقتراح قانون، وجماعة تريد أن تفرض على الكويتيين laquo;بطولةraquo; وlaquo;شهادةraquo; من استقر في ذهنهم ومن خلال شواهد لا يرقى إليها الشك بأنه (عماد مغنية) عذّب وقتل إخوة لهم، لا لذنب اقترفوه، اللّهم إلاّ لوجودهم بالمصادفة على تلك الطائرة المنكوبة، التي كانت تغادر الشرق الأقصى آمنة قبل عشرين عاما من اليوم. وقد حطت رحال تلك الطائرة laquo;الجابريةraquo; في عدد من المحطات، من بينها قبرص عندما قتل الخاطفون رجلين من مواطني هذا البلد، وألقوا بجثتيهما خارج الطائرة قبل أيام فقط من حلول شهر رمضان الكريم، ثم حطت الطائرة مرة أخرى في الجزائر، وبعد مفاوضات قاسية وطويلة استمرت سبعة أيام بلياليها ونهاراتها هرب الخاطفون من خلال السلطات الجزائرية وأطلق سراح أسرى الجو.

- ماذا ستضيف او اضافت لك اوان وما تطلعكم من خلالها؟

- كنت ومازلت أحلم بأن تصدر صحيفة لها مواصفات quot;المهنيةquot; ولدي شعور بأن كثيرا من الصحف العربية بعيدة بمسافات مختلفة عن quot;المهنيةquot;. والمهنية عندي لها مواصفات محددة، فهي من جانب تعتمد على التقنية، ومن جانب آخر تعتمد على الثقافة الحية والمتفاعلة مع العالم، ومسايرةٌ للزمن. لذلك فإننا في quot;أوانquot; ومنذ انطلاقها حرصنا على أن تكون مهنية بهذا المعنى، ومن شاهد النسخة الورقية يرى أنها في الخط وفي الرواية وفي التناول تعتمد هذا المنحى. لقد طورنا في موقعنا حتى الآن ثلاث مرات متتالية، على الرغم من أننا لم نمض بعد ثلاثة أشهر على الصدور. المهنية أن تخلق جواً رفاقياً عالي المستوى بين العاملين في الصحيفة، وحتى صالة التحرير المفتوحة والتي هي قبلة للكثيرين من الزوار مختلفة وفيها ألفة وزمالة، كما أن المهنية هي أن ننقد أنفسنا كل يوم، لذلك فإن quot;أوانquot; الصحيفة المحلية الكويتية التي تقول لقرائها كل يوم quot;سامحوناquot; إن أخطأنا فسوف نقوم بتصحيح الخطأ فورا.

- هل تعتقد ان اوان صدرت في الوقت المناسب في عصر الصحافة الالكترونية؟

- لدي وجهة نظر في علاقة الصحافة الورقية بالصحافة الإلكترونية، الثانية تتغذى من الأولى وليس العكس، كما أننا جميعا نعرف أنه في عصر التلفزيون قيل إنه سوف يقضي على الإذاعة، أو إن العصر الإلكتروني سوف يقضي على استخدام الورق، كلها تعميمات لم تتبين صحتها، على العكس.. فمثلا زاد استهلاك الورق في عصر الصحافة الإكترونية، وهكذا فإني لا أرى تنافسا بين الاثنين بل تعاضدا وتكاملا، هناك أشياء تقدمها الصحافة الورقية لا تقدمها الصحافة الإلكترونية والعكس صحيح.

- متابعتكم لايلاف.. ما للصحيفة وما عليها؟

- إيلاف أنا أحبها، أولا فكرتها جميلة، وأيضا فيها الكثير من المهنية، فهي على عكس غيرها لا تتوخى (أحب أكره)، ففي النشر تنشر كل ما يحتاجه القارئ، حتى ربما لو لم تتوفر حوله قناعات بأهميته أو بتأثيره. شخصيا أكاد أقول إن الموقع هو الوحيد أو الأكثر الذي أزوره يوميا، لأنه يلخص الكثير لي ويقدمه بشكل جميل، إيلاف تتجدد وتتطور.

-انت تدعوالى مواجهة الاختراق الثقافي باجندة العالم والتكنولوجيا، هل ترى انكم في الكويت حققتم شيئا مما تصبون اليه؟

- أرى أن الطريق طويل، لا أستطيع أنا منفردا ولا quot;أوانquot; منفردة أن نحقق الاختراق، لكني ورفاقي في الصحيفة نجتهد لنقوم بأعمال تصنع أجندة المجتمع، دعني أضرب مثالا: هناك quot;معركةquot; اسمها التعليم المشترك في الكويت، كانت إلى فترة طويلة تسمى quot;الاختلاطquot;، نحن في quot;أوانquot; قدمنا مفهوم quot;التعليم المشتركquot; وقد تبناه الآن كثيرون في المنظمات الأهلية الكويتية، آخر تجمع شعبي كان شعاره quot;نعم للتعليم المشتركquot; بمعنى آخر؛ إن الصحيفة الواعية تستطيع أن تقدم مفاهيم جديدة ومختلفة ولها معنى، وأستطيع أن أضرب الكثير من الأمثلة على الرغم من أن quot;أوانquot; لم يمض على ظهورها أشهر ثلاثة.

- الصحافة الكويتية غزيرة ومتنوعة لكن البعض يتلمس سمة المحلية على صفحاتها، اضافة الى كلاسيكيتها، هل انتم مع هذا الراي؟

- نحن في quot;أوانquot; نريد أن ننحو منحى آخر، الخبر العربي مهم وقد أوجدنا له مكانا بارزا، ونريد أن نصل إلى معادلة متوازنة بين quot;المحليquot; والعربيquot; والدولي أيضا.

-الديمقراطية في الكويت بدت معلما مهما في هذا البلد، كيف ترى افاق مستقبل حرية الصحافة فيها؟

- الديمقراطية مفهوم واسع، في نظري إن لها جناحين؛ أولا التمثيل الشعبي وثانيا الحريات، فالحفاظ على الحريات من صلب مفهوم الديمقراطية وممارستها، في الكويت مازال مفهوم الحفاظ على الحريات غامضا وغير متداول لدى قطاع كبير من الممارسين، وأرى في quot;أوانquot; منفذا لتأكيد هذا الأمر، يقال إن الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي قد اكتشفت نوعين من الغازات، كلٌّ على حدة غير ضار. أما إذا اجتمعا فيسميان quot;المزدوجquot; وهو غاز قاتل للديمقراطية، وعلى العكس إن استخدم جناح واحد منها quot;التمثيل الشعبيquot; وحده أو quot;الحرياتquot; وحدها فهو قاتل، أما إذا اجتمعا فهي الديمقراطية الصحيحة.


- الاثار المادية للغزو العراقي للكويت انحسرت، لكن ثمة من يقول إنها ظلت جاثمة في النفوس، هل يمكننا الاقتراب من حقيقة ذلك باعتباركم اعلاميا كويتيا بارزا؟

- ما زلت أؤمن بأن الغزو قد ترك ما اسميه quot;عدم اليقينquot; في المجتمع الكويتي، وهو عدم يقين استمر ولم ينقطع حتى سقوط صدام حسين في عام 2003، يعني أننا خرجنا من عباءة تأثير الغزو من ثلاث إلى أربع سنوات، هذا العام عادت الكويت للاحتفال بالأعياد الوطنية، وعادت إليها الفرحة من جديد، ويحتاج الأمر إلى بضع سنوات لنتخلص من حالة عدم اليقين تلك.

- الاعلام الخليجي ظل أسير المعالجات المنفردة وليس ثمة في الافق على سبيل المثال مؤسسة اعلامية خليجية واضحة المعالم تدير أجندة اعلامية مشتركة، ما أسباب عدم الخوض في مثل هكذا تجارب؟

- أعتقد أن هذا الأمر سوف يأتي قريبا، اليوم لدينا مؤسسات إعلامية كويتية كبيرة، وفي وقت قريب سيكون لدينا مؤسسات إعلامية مختلطة خليجية أولاً، ومن ثم عربية، أنا متفائل بذلك.

- الصحافة ربما جرفتكم بعيدا عن اسهاماتكم المهمة في بحوث الاجتماع والتدريس، ام ان الامر عكس مااتصور؟

- ما زلت أقوم بالمساهمة في الدراسات، والصحافة تأخذ وقتاً والقراءة والبحث يأخذان وقتاً آخر، آخر ما قمت به دراسة عن المستقبل السياسي والاجتماعي والثقافي في دول الخليج في العام 2025، في ندوة التنمية لدول الخليج التي عقدت في البحرين، وفي الأسبوع المقبل سأشارك في ندوة في البحرين أيضا، حول المجتمع المدني، وقد كتبت فيها، مجلس التعاون يعقد ندوة في إسطنبول الشهر القادم ولي فيها ورقة حول الحوار الثقافي، فأنت ترى أن الاثنين متلازمان
10

- تساءلتم في مقال لكم نشرته اوان عن امكانية ان يقود اميركا رئيس اسود.. بعد النتائج الجزئية للانتخابات، يبدو ان تحليلاتكم الاستباقية صحيحة الى حد كبير، كيف ترى المستقبل الاميركي بالنسبة للعرب.

- تحليلي ربما صحيح بسبب القراءة الواعية للأحداث، في الانتخابات الثانية للسيد جورج بوش الابن كان الشعور العربي باتجاه منافسه جون كيري، وقامت التحليلات معظمها على ذلك الاتجاه، لأن كثيرين يفكرون مع الأسف بعاطفتهم.
كتبت وقتها في الحياة مقالا عنوانه (فليستعد العرب لأربع سنوات من لطم الخدود)، وبالفعل جاء بوش الابن في انتخابات الإعادة، هناك فرق بين أن تكتب بعاطفتك مدفوعا بأيديولوجيا معينة، وبين أن تكتب بعقلك مستندا إلى جملة من الحقائق.

- تتابعون عن كثب الازمة اللبنانية، عبرت سلسلة مقالات عالجت الجوانب الخفية والمواقف غير المعلنة لاطراف اللعبة، كيف ترون المستقبل اللبناني في ظل استمرار الازمة؟

- الأزمة اللبنانية أزمة ديمقراطية وأزمة فرض رأي من الأقلية على الأغلبية، وأزمة التضحية بالدولة في سبيل بقاء الحزب والسلطة. إنها مأساة عربية ما بعدها مأساة، فالقلة تعتقد أنها تستطيع أن تحارب إسرائيل متغطية بقدرة الأغلبية على استدعاء التعاطف الدولي حتى لا تخرب لبنان، في الوقت نفسه فإن الأقلية تعتمد على وجود سلاح لها، أمس 14 فبراير وجدنا في ساحة الشهداء رغم المطر مليون لبناني ونصف ضجروا من كل هذا الخنق المنظم لاقتصادهم ولبلدهم، إلا أنهم أغلبية لا تريد أن تهدم المعبد على رأس الجميع، بسبب هذه الحقيقة فإن الأقلية - وبسبب طموح شخصي كما هو في ميشيل عون أو بسبب زعامات كما هو في حزب الله - لا تريد للبنان القيام.


- ما افاق العمل السياسي الخليجي المشترك ولم لم يرتق الى الان الى مستوى الاجندة السياسية الموحدة كالاتحاد الاوروبي مثلا؟

- مع الأسف بحّ صوتنا في هذا الأمر، إن التعاون الخليجي يمشي مشي السلحفاة، في الوقت الذي تقفز كالأرنب كل أشكال التعاون في بلاد أخرى من جنوب شرق آسيا حتى الدول الأوروبية، هي مع الأسف قصور نظر ومجاملات كثيرة وتأنٍّ أكثر من اللازم، في الوقت الذي نحن جميعا نعيش على مصدر ناضب هو النفط بقي فيه من - 35 سنة للمتشائمين إلى 85 سنة للمتفائلين- وهي سنوات قصيرة في تاريخ الشعوب، عدا متغيرين رئيسين هما: اكتشاف مصادر طاقة بديلة، وتراجع الأسعار، أمام هذه الاحتمالات - وربما غيرها - سيكون من الضروري النظر إلى أهمية تكتل اقتصادي، كما هي أهمية النظر إلى تكتل سياسي في ضوء المتغيرات الإقليمية.


[email protected]