الاستجواب تحول من شأن إداري إلى شأن ديني
الكويت: الفتوى لاعب رئيسي لطرح الثقة بالصبيح

فاخر السلطان من الكويت: يوم 22 كانون الثاني / يناير( بعد غد ) هو الموعد المحدد في مجلس الأمة الكويتي للتصويت على طرح الثقة بوزيرة التربية نورية الصبيح. ويأتي التصويت بعد أن أكد مراقبون أن الصبيح أبلت حسنًا في جلسة الإستجواب في 8 كانون الثاني/يناير الماضي الذي قدمه ضدها عضو الكتلة الإسلامية المستقلة النائب سعد الشريع. ويبدو أن موضوع طرح الثقة تحول من قياس يستند إلى أداء وزيرة التربية الاداري والمالي والفني، إلى قياس يستند إلى التساؤل التالي: هل بقاء الوزيرة في منصبها هو quot;ولاية عامةquot; أم quot;ولاية خاصةquot;؟ وبالتالي تحول موضوع الاستجواب وطرح الثقة من شأن إداري إلى شأن ديني، ومن المقرر أن تؤدي الفتوى حول موضوع الولاية وطرح الثقة، دورًا رئيسًا في المستقبل السياسي للوزيرة في جلسة مجلس الأمة بعد غد. وكان النائب دعيج الشمري (من الاخوان المسلمين) قد وجه سؤالاً إلى الدكتور عجيل النشمي عميد كلية الشريعة السابق حول حكم طرح الثقة بالصبيح وما يتعلق به من أحكام شرعية. واعتبر النشمي أن السؤال يتضمن ثلاثة أمور: الاول - هل منصب الوزارة يعتبر من الولاية؟ الثاني - حكم طرح الثقة بالوزيرة؟ الثالث - هل يعني اعطاء الثقة اقرار بولاية المرأة؟

وقال النشمي في فتواه إن منصب الوزير في الوزارة نوع من الولاية الخاصة وهي ولاية تنفيذية، وليست ولاية حكم وسلطان، ولا ولاية قضاء، والوزير وسيط بين ولي الأمر صاحب الولاية والرعية في حدود اختصاص معين يحدده نوع أو مسمى الوزارة، فهو محكوم بنظم ولوائح ينفذها ولا يخرج عنها، فليست هذه ولاية عامة حتى يشترط فيها ما يشترط في الحاكم او القاضي. واما طرح الثقة وهل يعني اعطاء الثقة اقرارًا بولاية المرأة، فإن طرح الثقة لا صلة له البتة بالولاية، وعلى فرض ان تقلد الوزارة ولاية، فلا رابط بين طرح الثقة والولاية، فالولاية من باب الحكم والسلطة والاستجواب، ثم طرح الثقة من باب الشهادة واقامة العدل، وهذا لا ينظر فيه الى من تطرح فيه الثقة سواء أكان صاحب ولاية عامة ام خاصة، وسواء اكان رجلاً ام امرأة، عدوا ام صديقًا، مسلمًا ام كافرًا، فإذا تم الاستجواب فإن طرح الثقة يعني اتهامًا في جوانب ادارية او مالية او اخلاقية او كلها معًا، فإذا دافعت الوزيرة عن نفسها ووزارتها وقد فعلت واقتنع النائب بصدقها وكفاءتها فقد تمت براءتها ووجب شرعًا اعطاؤها الثقة، واذا اقتنع النائب بعدم صدقها وعدم كفاءتها وجب شرعًا حجب الثقة.

لكن النشمي تراجع عن فتواه تلك بعد يوم واحد من إصدارها وقال في تعديل جديد أن منصب الوزير في الوزارة هو ولاية عامة. وقال المراقبون إن تعديل الفتوى ستقلب الأوضاع وستضع بعض الكتل البرلمانية على المحك وستختبر مصداقيتها الشرعية في الأخذ بالفتوى خصوصًا أنها هي (أي الكتلة التابعة للاخوان المسلمين) من لجأت إليها.

من جانبه، قال الشيخ محمد الشيباني (سلفي) إن مسألة ولاية المرأة من الناحية الشرعية واضحة ولا جدال فيها، وطالما أن المرأة تقود امة او مجموعة من البشر رجالاً ونساء، فهذه ولاية عامة وليست خاصة ومهما تغير الواقع فالواجب الالتزام بالثابت من الشرع ولا يجوز تجاوز الخطوط الحمراء مهما كانت الصراعات والتجاذبات السياسية بين مجلس الأمة والحكومة. وأضاف: quot;لو سئل اي مفت السؤال الشرعي مثل السؤال المطروح فالجواب هو ان تولي المرأة الوزارة هو من الولاية العامة وفقط، ونحن كمواطنين نأتمر بما يقوله ولي الامر ونسير على الدستور الذي وضعه ولي الامرquot;.

وكان تجمع ثوابت الامة (سلفي) قد حذر النواب من التواطؤ مع الوزيرة الصبيح الذي قال إنها quot;مسؤولة عن التستر على طالبة أهانت القرآنquot;، واصفًا من يساند وزيرة التربية ولا يطرح بها الثقة بأنه قد ظلم نفسه وفرط في أمانته quot;فإن من واجب النائب الزود عن حدود الله والغيرة على محارمه والدفاع عن ثوابت الدين، فهي من اعظم الامانات الواقعة على عاتق النواب دائمًاquot;.

وحذرت صحيفة الجريدة، لسان حال التحالف الوطني الديمقراطي (ليبرالي)، في افتتاحيتها اليوم من أن quot;النهج الذي بدأت بعض الكتل النيابية الدينية اللجوء إليه في تحديد مواقفها البرلمانية أو في اختيار قراراتها للتصويت بحجب الثقة أو منحها لوزيرة التربية وغيرها من الموضوعات الأخرى، هو نهج غريبquot;. ورأت أنه يجب ربط التصويت quot;بموقف دستوري وقانوني يستمد أصوله من قناعة النائب، ومن التزامه بالدستور وقسمه على الالتزام به واحترامهquot;. واعتبرت كذلك أن quot;هذه الظاهرة التي يلجأ إليها بعض نواب الكتل الدينية هي هروب من المسؤولية في الدرجة الأولى، ومناورة انتخابية في الدرجة الثانية، وهي سير نحو المجهول في ربط مصير قوانين الدولة ومواقف نوابها بدور الإفتاء التي لا تنحصر في جهة محكمة ومعتمدةquot;. وقالت أيضًا: quot;نحن أمام جدل في الإفتاء حول ولاية المرأة، وغدًا حول الحكومة، وبعد غد ربما حول ولاية الحكم نفسه. ومثلما يوجد من سيفتي (مع) يوجد أيضاً من سيكون (ضد)quot;.

ويقول المراقبون هنا إن دخول الفتوى في موضوع طرح الثقة بالصبيح يعتبر اهانة لهيبة الدولة والدستور، وإن دخول مفتيين إلى العملية السياسية في الكويت هو تطور غريب للمشهد السياسي العام بالدولة. ويضيف هؤلاء أن سبب ذلك يعود بشكل مباشر الى ضعف هيبة الدولة وقانونها مما سحب البساط من تحتها وسلمه الى رجال دين اصبحوا يستفتون من قبل الناس حتى في أمورهم السياسية. ويضيف هؤلاء أن الخطأ يقع على الحكومة بالدرجة الاولى التي لا تعلم الى الآن كيف تستعيد هيبتها وقوتها وسط هذه التطورات الغريبة في مراكز القوى داخل الدولة، متمنين ألا يتطور هذا المشهد الى عرف سياسي جديد قد يحول الصراع داخل الكويت الى صراع جديد يغلب خطابه لغة انت كافر وانت مسلم.

ويبحث مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الاسبوعي، غدًا الاثنين، الاستعدادات الحكومية النهائية لجلسة طرح الثقة. وتحدثت أنباء عن ان اللجنة الرباعية ستستعرض مواقف الكتل النهائية من خلال تحديد حسبة المؤيدين والمعارضين من طرح الثقة، وان الحكومة مرتاحة من وضعها في الجلسة حتى الآن ولديها العدد الكافي وستكثف اتصالاتها قبل الجلسة مع الكتل النيابية للتأكيد على إلتزامها بدعم الوزيرة.