اليسار البريطاني يهيمن على الـ quot;بي بي سيquot; والحكومة تمولها
عدنان ابو زيد من امستردام : إنطلقت فضائية بي بي سي العربية أمس، في بث يومي لمدة 12 ساعة، لتضيف مساهمة جديدة في ساحة الفضائيات العربية، يأمل كثيرون ألا تكون إضافة كمية فحسب، بل نوعية تتخطى مأزق فضائيات عربية كبيرة بدأت مجددة للخطاب الإعلامي، لينتهي بها المطاف إلى اجترار ذاتها واستهلاك أدواتها وإنحسار جمهورها. وعلى الرغممن أن قنوات فضائية عربية كالعربية والجزيرة أعربتا على لسان مسؤوليها أن القناة quot;العربيةquot; الجديدة التي أطلقتها هيئة الإذاعة البريطانية تعزز التعددية الإعلامية في العالم العربي، ولا تمثل خطرًا عليهما، فإن مراقبين وأخصائيين إعلاميين يرونأن هذه القنوات حزمت أمرها على ان تكون قادرة على مجابهة المنافسة أو التفوق الذي يمثله إطلاق القناة الجديدة. على أن كثرًا من إعلاميي العرب ممن إلتقتهم quot;إيلافquot; أبدوا قلقًا يصل إلى حد التشاؤم أحيانًا في ان توظف الكوادر العربية في الفضائية الجديدة خلافات العرب وانانيتهم الاعلامية والسياسية في القناة، ممثلين لبلدانهم او اقلياتهم وطوائفهم في القناة الجديدة مبتعدين عن الحيادية والحرفية، ليصبح الخطاب الجديد جزءًا من الاشكالية الخلافية العربية التي انعكست على الخطاب الإعلامي في الوقت الحاضر.
وكان المدير العام لقناة العربية عبدالرحمن الراشد، قال في تصريح لوكالة فرانس برس إن إطلاق بي بي سي العربية ذو إيجابيات كثيرة بالتأكيد، فهو يعزز المجتمع التلفزيوني ويوفر خيارًا آخر للمشاهد العربي. وكرد فعل على الحدث الجديد، قال رئيس التحرير في الجزيرة الفضائية احمد الشيخ نحن نرحب بوصول أي قناة تقترح اعلامًا حرًا ومتعددًا. وأضاف في حديث مع وكالة فرانس برس أن التعددية مفيدة ولا تخيفنا كما أننا لا نخشى المنافسة.
الحادي عشر من سبتمبر
إن تركيز الخطاب الاعلامي الخارجي الموجه إلى المنطقة العربية بدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو افغانستان والاجتياح الاميركي للعراق، فقنوات مثل روسيا اليوم الروسية والحرة الأميركية والعالم الإيرانية وفرانس 24 الفرنسية، ماهي إلا نوافذ لخطاب إعلامي يسعى عبر اجندته إلى ايجاد دور توجيهي له في منطقة تشهد اضطرابات وحروبا، وتشابك مصالح وإرادات.
وعلى الرغم من أن laquo;بي بي سيraquo; اطلقت خدمة الاخبارية الاولى عام 1938 وهي اقدم خدمة لها بلغة اجنبية، إلا أنها دخلت ساحة المنافسة الفضائية العربية متأخرة، معتمدة على كوادر ووجوه عملت معها في السابق أو عملت في فضائيات عربية مثل العربية والجزيرة، وهي بذلك ربما ستعيد أمام عين المشاهد العربي مشاهد وافكارا اعتاد سماعها من فضائيات عربية، وبالتالي سيصبح من الصعب إعادة اجترارها وهضمها. وتأمل القناة التي بدأت بثها بـ 12 ساعة يوميًا، أن تزيد ساعات بثها إلى 24 ساعة الصيف المقبل.
وكانت قناة بي بي سي العربية التي هي أول تلفزيون دولي يبث بلغة اجنبية يحظى بتمويل عام من الحكومة البريطانية، قد فشلت في إطلاق فضائيتها بين 1994 و1996.
وعلى الرغم من أن بي بي سي العربية تمولها الحكومة البريطانية، إلا أن اجندتها الاعلامية هي اجندة اليسار البريطاني حيث تتبنى طروحاته في اغلب مواقفها السياسية من الاحداث. وكان صلاح نجم رئيس تحرير القناة الجديدة قال لوكالة فرانس برس إن القناة ومقرها في لندن تضم 160 موظفًا بينهم تسعون صحافيًا، وتملك ثلاثين مكتبًا عبر العالم، وستستفيد من خبرة بي بي سي الطويلة الممتدة على 70 سنة ومهنيتها وتقاليدها الاخبارية للتوجه الى الجمهور العربي على حد قوله، لكن هذا الامل في انجاز نوعي ربما سيصطدم بالخلفية الثقافية و ( السياسية ) للكادر الجديد ( القديم ) الذي لم يستطع في احايين كثيرة بلورة موقف استقلالي واحترافي تجاه الكثير من القضايا دون ان تؤدي العاطفة السياسية والاتجاهات الايديولوجية دورًا في تفسير الاحداث، ممّا افقد الخبر في احايين مصداقيته وحياديته. ويذكران نجمًا شهد انطلاق الجزيرة الفضائية عام 1996 كما عمل ايضًا في العراقية التي بدأت عملها عام 2003. ويرى اعلاميون ان معادلة المتلقي والفضائية ما زالت تميل لصالح 300 مليون عربي لا يكفيهم هذا العدد الضئيل من الفضائيات، لكن المشكلة تكمن في ان الكادر ذاته تقريبًا يدور في الحلقة ذاتهاالتي تمر عبرها الفضائيات الموجودة، حتى صبغها بصبغته واضفى عليها سمة مشتركة بين كل الفضائيات فالذي يعمل في فضائية بي بي سي الجديدة سوف لن يكون وجهًا جديدًا بالتأكيد لأنه استهلك نفسه امام جمهور حين عمل في فضائيات سابقة، وبالتالي فإن القناة الجديدة ستفتقد كثيرًا الى التجديد، والاطلالة البعيدة عن تأثير الفضائيات السابقة.
طغيان الكوادر (المخضرمة )
وعلى الرغم من أن فضائيات عربية تحاولأن تكون رصينة في سلوكها المرئي امام الجمهور، إلا أن ذلك لا يمنع تسرب أخبار الصراعات والمنافسات التي تتخذ في احايين كثيرة اساليب غير اخلاقية، بغية إذلال الجهة المقابلة وتحريض الجمهور، وكل ذلك يجري وفق أجندة سياسية وثقافية تحملها تلك الكوادر العاملة لاحقة الضرر بالمؤسسات الإعلامية التي تعمل فيها، والتي قامت في الاساس على قاعدة الاستقلالية والمهنية.
ان انتقال الكوادر ذاتها للعمل في قناة بي بي سي، سينقل إليها حتمًا آثار تلك الخلافات والاختلافات، التي طفت على السطح في الفترة الاخيرة واثارت استياء الشارع، وكان الاجدر بالفضائيات الجديدة ان تفسح المجال لكفاءات جديدة ذات قدرة على ابتكار اسلوب جديد في الطرح الاعلامي والابتعاد عن ديناصورات الاعلام العربي الذين يتنقلون بين الفضائيات، متبعين الاسلوب ذاته، وطارحين الافكار ذاتها.
ان المتابعين لاذاعة بي بي سي، يرون في طغيان الكوادر (المخضرمة ) وابتعاد الانكليز عن التدخل في شؤونها بغية منحها الاستقلالية قد اعطى نتائج عكسية، فالعرب ما لبثوا ان استغلوا ذلك لتمرير اجندتهم السياسية وحتى الدينية عبر هذه القناة، واوصلوا القناة في بعض فقرات برامجها الى مستوى غير الذي عهدناه تحت شعار شهير تروج له كوادر إعلامية (الجمهور عايز كدة..) محاولين التأثيرفي قناعات الجمهور، عبر توظيف شبكة علاقاتهم التي هي نتاج عملهم في فضائيات سابقة، ليصبح البرنامج في هذه القناة والأشخاص التي تشترك فيه هم ذاته في قناة اخرى، فالمقدم والمشاركون ثوابت عدا متغيرين هما الزمن والموضوع.
ان ارتباك المشهد الاعلامي وتكرار نسخته في كل القنوات الفضائية يعود الى عاملين رئيسين هما الاعتماد على الكوادر ذاتهاالتي اصبحت تنتقل عبر انابيب عكسية بين هذه القنوات وتلك، اضافة الى غلبة جنسية معينة في كل قناة ليصبح احتكار القناة من قبل جهة معينة توظيفًا لإيديولوجيتها، ومن امثلة ذلك ان شخصية اعلامية تنقلت عبر اكثر من قناة خلال اقل من عقد، لتصبح رؤية بصماته على هذا البرنامج او ذاك امرًا ميسورًا حتى من دون ان يذكر اسمه، وحتى المذيعين، فإن رفد الفضائيات بالوجوه الجديدة بدأ متعذرًا في احايين كثيرة لينتقل مذيع ما خلال اربع سنوات بين ثلاث محطات فضائية. إن إعادة النظر في طرق الاختيار وفسح المجال امام رؤى جديدة وتنويع صناعة الخبر، والمشرفين على تسويقه، هي السبل الكفيلة بانجاز خطاب اعلامي مهني يبتعد عن الانحياز وتأثيرات الاقليات السياسية والطائفية العاملة في الفضائيات.
[email protected]
التعليقات