تباين الموقفين الجزائري والمغربي من قمة دمشق
إختلاف رهانات أم حرب أجندات؟
يرى quot;إسماعيل معرافquot; الدكتور الجزائري البارز في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أنّ التباين الحاصل في تعاطي الجزائر والرباط، يجد مؤداه في كون الموقف الجزائري منسجمًا مع القضايا العربية، وطالما عبّر عن ذلك من خلال محور الجزائر/دمشق الذي تشكّل منذ زمن الرئيسين الراحلين هواري بومدين وحافظ الأسد، حيث كان ذاك المحور التاريخي من وجهة نظر معراف بمثابة quot;الجدار الحامي للجبهة الشرقية من العالم العربيquot;.
ويربط معراف القضية الراهنة في أساسياتها، بأنّ الجزائر تصر على لعب دورها كاملاً في المنظومة العربية، وعبّرت قبل أيام على لسان رئيسها، عن رفضها quot;أي تغيير أو تمديد للمبادرة العربيةquot;، خلافًا لمحاولة الطرف الآخر ممارسة ما نعتها quot;رقصة الذئابquot;، بجانب استغلال الطرف المغربي أي فرصة للتقرب إلى واشنطن وتل أبيبquot; على حد تعبيره.
بالنسبة إلى الدكتور إسماعيل معراف فإنّ (البرودة) المغربية تجاه القمة العربية، تجد تفسيرًا لها بحسبه في quot;ارتباط الرباط بأجندة غربيةquot;، ويشير إسماعيل معراف المختص بالشؤون المغاربية، إلى الدور الذي يقوم به اليهودي quot;أندريه أزولايquot; على مستوى العرش العلوي، منذ كان مستشارًا للملك الحسن الثاني، ويقول د/معراف إنّ أندريه أزولاي بصفته سفير زائر للمملكة، يعمل على إدامة التوافق بين المغرب والدولة العبرية واللوبي الصهيوني المتجذر في دوائر القرار بالولايات المتحدة.
كما يصرّ الدكتور معراف على أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي تحدى الأميركيين ورغبتهم في إقامة مقر القيادة العسكرية الأميركية الموحدة (الأفريكوم) بإفريقيا، يعكس ببلاغة تصدي السلطة الجزائرية لكافة المخططات الأميركية في المنطقة، ويشدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، على أنّ بلاده على عكس سياسات دول الطوق الشرق أوسطية، ليست سائرة في الفلك الأميركي، ويستدل بكون السلطة الفعلية في الجزائر سلطة وطنية صميمة، ويضيف معراف: quot;هناك صراع نفوذ في الجزائر، لكن الأخيرة لا تريد الانصياع، والجزائر ليست بلدًا تابع بغض النظر عن كل سلبيات النظام هناك، ولعلّ السياسات المتبّعة من طرف الجزائر في مجال المحروقات وحرصها على تنويع تجارتها الخارجية، والنضج الذي أبانت عنه في ملف الشراكة الغازية مع إسبانيا وروسيا، يبيّن أنّ المفاوض الجزائري متميز ويجيد تفادي المطبات والفخاخ المنصوبة على أكثر من صعيد.
ولا يفصل الأكاديمي الجزائري التباين الواقع بين الجزائر والمغرب، عن حكاية التطبيع، ففي وقت لا تزال الدولة الجزائرية مصرّة على رفضها مدّ أي جسر مع دولة الكيان ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتتوقف إسرائيل عن ممارسة انتهاكاتها في حق الفلسطينيين، فإنّ المغرب تربطه علاقات رسمية وثيقة بالدولة العبرية.
من جهته، يؤيد المحلل السياسي الجزائري هيثم رباني، رؤى إسماعيل معراف، ويرى أنّ اختلاف موقف كل من الجزائر والرباط من القمة العربية الحالية، له سبب بسيط يكمن بمنظاره، في أنّ الجزائر لا تربطها تلك العلاقات المتشابكة مع اللوبي الصهيوني والإدارة الأمريكية، كما أنّه ليس للجزائر أي علاقات مع تل أبيب، لذا لا تتعرض الجزائر للضغوط، ومن ثمّ فإنّ الجزائر تملك هامشا أكبر للمناورة في تجاوبها مع مختلف الرهانات الإقليمية والدولية، وكذا عملية تسييرها لثرواتها، ويقحم هيثم رباني أيضا العامل المرتبط بالكيفية التي حصلت بها الجزائر على استقلالها بعد كفاح مرير وفاتورة باهظة دفعتها، عكس طريقة حصول المغرب على استقلاله.
ويعزو رباني المتتبع للعلاقات بين الجزائر والمغرب، برودة الأخير حيال قمة دمشق، بما سماها quot;سطوة الجالية اليهودية في المجتمع المغربيquot;، وهو ما حوّل المملكة المغربية برأيه إلى quot;بلد شرق أوسطي مجاور لإسرائيلquot; تبعًا لمعطى امتلاك عشرات الألوف من المغاربة للجنسية الإسرائيلية.
ولا يوافق د/إسماعيل معراف كما أ/هيثم رباني، الرأي القائل بأنّ تخلف العاهل المغربي عن الحضور إلى دمشق، فوّت الفرصة على quot;مصالحة تاريخية بين البلدينquot;، ويتفق معراف ورباني على أنّ الجانب الجزائري ليس له استعداد للتناغم بهذه الأذن مع مسألة حساسة بهذا الحجم، ويرى كلاهما أنّ الجانب المغربي الذي كان السبّاق إلى غلق حدوده البرية مع الجزائر قبل أربعة عشر سنة بسبب اتهامه للأخيرة بضلوعها في اعتداءات مراكش وهو ما ثبت بطلانه بعد ذلك، يحصد الفاتورة مضاعفة بتكبده خسارة باهظة بملياري دولار جراء استمرار المتاريس المنصوبة على الحدود، لذا تسعى الرباط جاهدة لتسريع وتيرة التطبيع مع جارتها، بينما الجزائر تتصور أنّ التصالح يكون مع (الغزال) وليس مع (الأفعى)!، واستعادة الودّ بين الطرفين يتطلب إزالة العقبات على غرار التنسيق ضدّ مجموعات الإرهاب وشبكات التهريب، وتسوية مشكلات ما بعد أحداث مراكش، على غرار استعادة الممتلكات الجزائرية المسلوبة، وتحرير مساجين جزائريين يقضون عقوبات جائرة في مؤسسات عقابية مغربية.
على طرف نقيض، يفند المحلل والكاتب الصحفي المغربي quot;عبد الله أقديمquot; كل ما راج عن quot;برودة مغربيةquot; حيال القمة، ويؤكد أنّ اعتذار الملك المغربي عن الحضور لا يشكل موقفا سلبيا من المملكة، ويقول أقديم أنّ موقفه الشخصي مقتنع بكون بلاده مع القمة العربية قلبًا وقالبًا، وتدعم أي خطوة يتخذها لقاء دمشق باتجاه الوحدة، والمساندة القوية لكل عمل عربي مشترك يخدم تطلعات الأمة.
كما يحرص أقديم على أنّ ليست هناك أي مشاكل بين دول المغرب العربي، بل المشكل حاصل بين السعودية ومصر من جهة وسورية من جهة أخرى.
التعليقات