يفيجيني بريماكوف إستعاد ذكرياته الإقليم خلال السبعينات
روسيا تدخل الصراع على كردستان العراق
فالح الحمراني من موسكو: لا بد أن يكون رئيس الوزراء الروسي السابق ورئيس غرفة التجارة والصناعة حاليا، السياسي المخضرم يفيجيني بريماكوف خلال زيارته مؤخرًا لمنطقة كردستان العراق قد إستعاد بحنين ذكرياته عن زياراته للإقليم في سبعينات القرن الماضي. وكان حينها يدير مباحثات لتقريب وجهات النظر بين الزعيم الكردي الراحل مصطفى البرزاني وبغداد، أو يتقصى خلفياتها لينقلها لموسكو. وزار بريماكوف العراق مرات عديدة في مهمات خاصة بتكيلف من الكرملين، ولم يحالفه الحظ بالتفاهم مع ساسة العراق. فهل يكون صاحب المهام الخاصة هذه المرة قد اقترب من تحقيق الهدف من زيارته لكردستان العراق ولقاءاته بقياداته، وهل تنم كلمات الاطراء والمديح العسلية التي شمل بها زعماء الإقليم عن أنه حقق الهدف من زيارته. وما هو الهدف من تحمل الرجل عبأ رحلة شاقة لكرستان العراق في وقت بات يعتذر فيه عن حضور الكثير من المحافل بموسكو بسبب وضعه الصحي؟.
الاهمية الاستراتيجية
ولم يكن بريماكوف هو الشخصية الاولى من هذا الوزن التي تزور كردستان من دون المرور ببغداد. كردستان اصبحت مزار الكثير من الساسة الدوليين ورجال الاعمال ووكلاء الاستخبارات والمافيات والعسكر والباحثتين عن فرص استثمار طيبة. كل يسرع من اجل الحصول على quot;قطعة من الكعكة الدسمةquot; قبل ان يتقاسمها الآخرون. والرهانات باهظة على خلفية تمتع كردستان بصلاحيات واسعة بعضها نص عليها القانون الاساسي، واخرى قوانين محلية مركزية واخرى اجتهادات لتفسير هذا وذاك.وفي الافق القريب والبعيد، تفوح رائحة الانفصال الذي تدرك القيادة الكردية استحالته موضوعيًا في الوقت الراهن، ولكن لا يعرف احد ما يخبئه المستقبل وكيف ستدور الدوائر. فالمنطقة ذات اهمية استراتيجية مهمة، وبالنسبة إلى روسيا اكثر نظرًا لعلاقاتها بالقوقاز الاكبر وقربها من حدودها الجنوبية، والمنطقة غنية بموارد الطاقة التي جعلت من يسيطر على مسالكها يتحكم بالقرار الدولي، وكردستان ايضًا غنية بالثروات الطبيعية. ويحتم الوصول لكل هذا التقرب من الزعماء التقليديين للاكراد، وهذا ما سعى له بريماكوف خلال زيارته مؤخرًا لاربيل ولقاءاته مع رئيس الاقليم مسعود البرزاني والقيادات الاخرى، مستثمرًا بذلك علاقاته السابقة مع الجيل السابق من قيادات الحركة الكردية.
لقد ظلت روسيا منذ انهيار النظام الديكتاتوري بالعراق تراقب عن كثب تطورات الوضع فيه، وراحت تبذل المحاولات وتجس النبض للعثور على وسائل لاستعادة شئ من نفوذها المفقود هناك. وسعت الدبلوماسية الروسية إلى مد الجسور مع مختلف القوى العراقية وخاصة المعارضة للعملية السياسية بهدف استعمالها في لحظة المقايضات السياسية، كورقة للعب فيها مع اصحاب القرار في البلد. حتى انها دعت رئيس هيئة علماء المسلمين حارث الضاري ورئيس مجلس وزراء العشائر وغيرهم إلى زيارة موسكو. ولكنها ادركت ضعف نفوذ هذه القوى. ولم تفلح ايضًا في اقناع الحكومة العراقية حتى بعد التنازل عن الديون السوفياتية المترتبة على بغداد، بأن يظل مشروع تطوير حقل نفط القرنة 2 الواعد لشركة quot; لوكويلquot;، على الرغم من أن النظام السابق كان قد فسخ العقد المذكور قبل سقوطه بأشهر.
على خلفية ذلك يلوح ان موسكو إلتجأت الى استخدام ما تعتقد به quot;ثقلquot; بريماكوف لاستعادة بضع ما فقدته، وليس من بغداد وانما من كردستان. فالزعماء الاكراد لهم نفوذ بالدولة العراقية سواء من خلال تمثيلهم بمؤسسات السلطات المركزية او في الاقليم، ويمكن الاستفادة من كل ذلك مقابل دعم موسكو الذي بحاجة اليوم اكثر من وقت مضى. ولذلك فإن بريماكوف قدم quot;العربونquot; بتصريحاته عقب مباحثات لاسيما ما نسب إليه من ان الحل الافضل للخلافات حول مدينة كركوك هو عودتها إلى إقليم كردستان.
بوابة كردستان
لقد كان إقليم كردستان دائمًا ساحة للصراع الدولي الذي اشتد في نهاية القرن الماضي. فتركيا تنظر للاقليم بعيون المفترس وتعمل على ان تتلائم التطورات هناك مع اسراتيجيتها العامة وان تحتفظ بنفوذها، وتسارع لتوجيه جيشها ومقاتلاتها للمنطقة متعكزة على مختلف الذرائع، في حال الشعور بخطر على مصالحها، وايران كثفت في السنوات الاخيرة من مواقعها هناك وحولت ممثليتها الدبلوماسية الى مقر استخباراتي للكشف عما يدور وراء الكواليس. ويتردد عن وجود اسرائيلي بصورة غير مباشرة من خلال شركاتها التي تعمل تحت لافتات صورية او عناصر استخباراتها الذين يؤدون مختلف المهام بما في ذلك التي لها علاقة بالدول المجاورة، ناهيك عن الدول الكبرى التي تريد ان تسير كردستان العراق وفق مشيئتها وما يخدم مصالحها في العالم.
ان روسيا التي استعادت شيئًا من حيوتها وشرعت بمد نفوذها من جديد في مختلف انحاء العالم، لايمكن ان تنظر من دون مبالاة لما يجري في كردستان العراق الذي كانت لها به علاقات تقليدية. واذا ما فشلت من دخول العراق من خلال بغداد فانها تدخل للعراق من بوابة كردستان ودخول الصراع الدولي لنشر النفوذ هناك وافتتحت لذلك قنصلية لها في اربيل ، وليس من المعروف بعد فيما اذا ستدخل تفاهمات بريماكوف مع القيادة الكردية الى حيز الوجود واذا ما كانت بوابة كردستان ستتسع quot; للدب الروسيquot; القادم. لكن المعروف ان دخول روسيا حلبة الصراع على الساحة الكردي سيزيد حتمًا من احتدامه.
التعليقات