في الذكرى الثامنة عشرة لغزو العراق للكويت:
آثار الغزو مازالت تلاحق الشباب الأردني

ملف إيلاف في ذكرى غزو الكويت

رانيا تادرس من عمان: رغم مرور ثمانية عشر عاماً على الغزو العراقي للكويت، لكن تداعيات الازمة وآثارها ما تزال تلاحق الشباب الاردني خصوصا تضاؤل فرص العمل لهم وغلاء فاحش يحطم أحلامهم، إلى جانب ذاكرة مثقلة بالخوف ومعنى الحرب، ولعبة سياسية اعتقدوا أنها مضت لكنها فرضت عليهم بحكم عزلة عربية أحاطت بوطنهم لأنه رفض الغزو لكن بطريق العقل الذي وقف أمامه قوى عربية جلبت الاستعمار وعدم الاستقرار فكانت النتيجة احتلال العراق. الشاب الاردني طارق الحميدي يحمل في ذاكرته مشاعر مختلطة منها الخوف، وعدم استيعاب ما حدث خصوصا في المدرسة والبيت بحسب قوله لإيلاف.

ويعود بالذاكرة ويقول quot; كانت المدارس الأردنية تجري تمارين الإخلاء تحسبا لحدوث اعتداء ، وكذلك تخصيص ملاجئ لتكون ملاذا في حال وقوع حربquot; وتابع quot;عندما ادركت ما معنى الحرب حيث اكتشفت انه quot;الخوف والشجاعة في الوقت ذاتهquot; وكذلك تغيير نمط الحياة حيث بدأت الحكومة في ذاك الزمن قطع المياه مثلا وهذا طبعا يعود لعودة الكثير من الأردنيين إلى وطنهم بعد الغزو، ومن الإجراءات وفق الحميدي quot;استعمال السيارات بات محكوما ومقيدا بنظام الأرقام الفردي والزوجي لمنع حدوث ازدحام وأزمات مرورية، وكما أن quot; الغلاء وارتفاع الأسعار وبروز البطالة مشاكل حملها الشباب الاردني من الغزو quot;. ولكن كشاب أردني حاليا يعتبر أن quot;الغزو كان غلطة وتداعياته ما تزال مستمرة عبر احتلال العراق من القوات الأميركية وهجرة نصف مليون عراقي إلى الأردن quot;.

شاب أردني عاش الظروف نفسها quot;يعرب حباشنةquot; يرفض فكرة الغزو على دولة عربية ذات سيادة ومستقلة لأنها كانت الذريعة لدخول الولايات المتحدة الى البلاد العربية ،والسيطرة على ثروة الخليج من البترول ، وكسر نظام عربي كان الأقوى quot; ولكن الأردن كان نصيبه الأوفر في جني ثمار الغزو من عودة أبنائها العاملين في الكويت إلى الأردن ما سبب موجة غلاء اجتاحت البلد ،وانفتاحا على حياة لم يكن الشاب الاردني مستعدا او قادرا على مواجهتها quot;. لكن الازمة أثرّتفي شباب الأردن بحسب حباشنة quot; ان السياسة أخذت مكانة في عقولهم منذ صغرهم حيث كبروا وهم مدركون صعوبة ظروفهم من حيث تأمين فرص عمل، ورفاهية العيش quot;.

أما الشابة ليلى عثمان فنظرتها إلى الغزو انه حلم مرعب قلب ظروف حياتها رأسا على عقب حيث انه اغتصب منها ذكريات طفولتها حيث انتقلت للعيش إلى عمان من الكويت بحكم أن عائلتها أردنية وأصبحت هناك هجرة قسرية للاردنيين القاطنين في الكويت، وبات مطلوب منا التكيّف بظروف حياة مختلفة عن السابق quot;. وتعتبر أن quot; ثمن الغزو كان احتلالا أميركيا للعراق، ووضع يد أميركا على البترول هذا على المستوى العربي وتشريد العراقيين، وتقول عثمان quot;بعد عودتنا من الكويت باتت تلازمنا كلمة جماعة الكويت، حيث التصقت بعودتنا غلاء الأسعار، والضغط على الخدمات الصحية والتعليميةquot;. وتتابع quot; ورغم انتهاء عهد صدام فما زلنا كشباب أردنيين ندفع ثمن خطأ لا علاقة لنا به سواء أننا أردنيون quot;.

إلى ذلك ، يقول وليد كريشان انه quot;رغم أن الماضي يمضي لكن الغزو العراقي للكويت ما تزال آثاره ظاهرة وخلقت حالة تراكمية من أعباء وأزمات معيشية واقتصادية واجتماعية للأردن تمثلت بمسلسل ارتفاع أسعار لا ينتهي ، وكذلك باتت هناك سلوكيات ومظاهر اجتماعية جديدة ولم تكن في السابق حيث الانفتاح في وقت لم يكن مستعدا له quot;.

غير أن ، جمال القماز يقول quot;الأردن كان الأكثر تضررا من الغزو رغم جهودها الدبلوماسية التي كانت ضد الغزو وفسرت هذه الجهود في ذاك الوقت أن الاردن تقف بجانب العراق، ولكن الأردن قيادة وحكومة وشعبا كانت ضد الغزو واعتداء دولة عربية شقيقة على أخرىquot; ويضيف أن quot;الأردن تحمل العبء الأكبر من مسألة الغزو حيث عاد أبناؤها من الكويت وخلق أزمات وضغط على البنى التحتية إلى جانب تكبد خسائر اقتصادية جراء الحصار وضرب العراق وكما أن سياسيا فهمت جهود المصالحة الأردنية لمنع الغزو وتداركه بعد وقوعه انه quot;تأييد لموقف صدام ما خلق توتر علاقات بين الأردن ومعظم الدول الخليجية quot;.

فيما يؤيد سامر العورتاني أن quot;الشباب في الأردن أقحموا بالسياسة مبكرا وما يزال يحتفظ بذكريات عن تلك الحقبة quot; منها الخوف في الشارع والمنزل والمدرسة ، حيث المنازل تنشر على نوافذها وأبوابها ملصقات كدفاع وحماية للقاطنين فيها دليل على وضع نفسي غير مستقر، ولم تكن أجواء المدارس أفضل بل خوف أيضا والاستعداد لمواجهة هجوم حيث كانت هناك تدريبات وتمارين وهمية على الخلاء وما إلى ذلك من احتياطات تزرع في النفس حالة عدم استقرار quot;. وبمرور الأيام أدركنا أن quot;عواقب الغزو خلقت بطالة في صفوف الشباب الاردني ، زادت حالات الفقر والجوع ، موجة غلاء تتضاعف يوميا حتى وصلت إلى حد لا يحتمل.

وسياسيا ،اعتبر موقف الأردن انه مؤيد للعراق لذا أحاط بعزلة من دول الجوار العربي خصوصا الخليج ولكن حقيقة الموقف يوضحه المحلل السياسي سامي الزبيدي ان الموقف الاردني لم يكن مؤيدا للغزو كما سرت الإشاعات في الصحافة العربية ،وإنما كان ضد تدخل قوى عظمى وعسكري في شؤون المنطقة العربية لان الموقف الاردني كان يحتكم إلى العقل والحكمة ولكن ما حدث انتصرت غريزة الحرب وقرعت طبول الحرب في المنطقة وكانت المحصلة احتلال العراق quot;.

ويضيف الزبيدي quot; ان الراحل الملك الحسين بن طلال حاول إقناع الرئيس الراحل صدام حسين بسحب قواته من الكويت بعد الغزو لكن تدخل أطراف عربية كانت تسعىإلى إجهاض مساعي المصالحة وتواطؤ مع أميركا لإدانة العراق وإفشال جهود المصالحة الذي يقودها الراحل الحسينquot;. ويرفض الزبيدي فكرة ان quot;الأردن كان يدعم العراق وفكرة الغزو وإنما كان مدركا ولديه رؤية وبعد نظر ما سيحدث في المنطقة quot;. مدللا على ذلك بصدور الكتاب الأبيض الذي كشف quot; الموقف الرسمي الاردني الذي يدين استخدام القوة بين الأشقاء والاستقواء على بعضهم البعض ويدرك ما ستكون العواقب ونتيجة الحرب quot;.

وحول الأضرار الاقتصادية فقد كانت الصناعات الأردنية الأكثر تضررا جراء الغزو، وبهذا الجانب يقول الخبير الاقتصادي هاني الخليلي لquot;إيلافquot; بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 وبسبب الحصار المفروض على العراق، كان الأردن quot; المتضرر الثاني من هذا الحصار بعد العراق، ما خلق لديه ضائقة وركودا وبطالة quot;. مبينا أن quot;عودة حوالى 500 ألف من الرعايا الأردنيين الذين كانوا يقيمون في الكويت ودول الخليج، تسببت بضغط كبير على البنى التحتية والمرافق الرئيسة والخدمات العامة والأساسية في البلد.

والضربة القاسية كانت بحسب الخليلي أن quot; تضررت الصناعات الأردنية خصوصا مصانع الزيوت والمواد الغذائية لان الأردن كان الرئة الذي يتنفس منها العراق ، حيث كان إنتاجها مختصرا على السوق العراقية وهذه الازمة شلت حركة ميناء العقبة لأنه الميناء الرئيس للواردات العراقية على البحر الأحمرquot;. واستمرت آثار الازمة بهجرة أكثر من500 ألف عراقي بعد سقوط نظام صدام ما خلق أزمات حياتية واقتصادية في الأردن من ارتفاع جنوني لأسعار الشقق والأراضيquot;.

واجتماعيا ، اللافت أن مختلف فئات المجتمع الاردني لديهم إجماع أن الغزو كان خطأ فادحا لأنه خلق حالة اجتماعية جديدة في المجتمع الاردني بظهور سلوكيات جديدة، وبروز أنواع جديدة من الجرائم، وانفتاح في مظاهر الحياة من حيث الملابس والمقاهي بصورة لم يكن الأردن مستعدا لها quot;.