quot;إيلافquot; في مدينة القدس وتنقل معاناة السكان
المدينة تسير نحو التهويد والمساكن تتحول إلى خيام متنقلة
مراسلة إيلاف في المسجد الأقصى
تقرير وتصوير إيناس مريح من حيفا:
في الوقت الذي يصعب فيه على أهالي مدينة القدس الشرقية، منذ عشرات السنوات، استصدار رخص بناء جديدة، تتسع رقعة الأراضي التي تصادرها السلطات الإسرائيلية والتي تستخدم لاحقا لبناء الأحياء اليهوديّة، بينما يعانوا الفلسطينيون في المدينة من الحصول على أبسط حقوقهم المتمثلة في البناء فوق أرضهم.

وتشير نتائج بحث أجرته جمعية حقوق المواطن في حيفا، إلى أنه تم وضع خرائط هيكلية حديثة في أماكن قليلة، تبلغ نِسَب البناء 25%-75% مقابل 75%-125% في القدس الغربيّة. بالإضافة إلى ذلك، تفرض السلطات على الراغبين في الحصول على رخصة بناء في القدس الشرقيّة سلسلة طويلة ومضنية من الإجراءات الباهظة الكلفة. بعض هذه المدفوعات حصريّة للمواطن الفلسطينيّ، وبعضها مماثل لتلك التي تُفرض في المدينة الغربيّة، لكن الحالة الاقتصاديّة المتردّية للسكّان الفلسطينيّين تجعل من هذه الرسوم عبئًا لا يمكنهم تحمُّله.

في المقابل، يحظى سكّان الأحياء اليهوديّة في القدس باستثمارات ضخمة، وثورة إعماريّة واسعة. من الواضح أنّ الحديث يدور هنا عن تمييز صارخ يرمي إلى الحدّ من البناء القانونيّ لدى السكّان الفلسطينيّين، وإلى تقليص حيّز نموّ الأحياء العربيّة.
عائلة علي جمعة تسكن الخيمة
الخيام.. المأوى الأخير لعائلة علي جمعة
أحد البيوت الذي هُدم مؤخرا وللمرة الثالثة يعود لعائلة علي جمعة في جبل المكبر، وعدد أنفار العائلة هو 13 نفر، وعن معاناة العائلة قال علي جمعة لـquot;إيلافquot;:quot; سكنت مع أسرتي سنوات عديدة في بيت ضيق، وقد دفعتني الحاجة لبناء بيت أوسع على أرضي، وقد تقدمت للسلطات المسؤولة في بلدية القدس بطلب ترخيص، وبعد أن حصلت على الموافقة بالبدء في البناء من قبل اللجنتين المحليتيّن باشرت ببناء البيت، إلا أن اللجنة اللوائية رفضت مشروع التنظيم والبناء في أرضي، بذريعة أن هناك مشروع ضخم عبارة عن بناء شارع يربط بين المستوطنات، ولا يجوز لي البناء في أرضيquot;.
وزاد قائلاً: بالرغم من عدم حصولي على التراخيص إلا إنني واصلت البناء وسكنت ببيتي مدة ثلاث سنوات، ولكن السلطات والتي علمت بالبناء غير المرخص قامت بهدم المنزل قبل عامين، وتم تقديمي للمحكمة وألزمتني بدفع غرامة مالية بقيمة 32 ألف شاقل، وبعد أن تم تنفيذ الهدم تبرع لنا الصليب الأحمر بخيمة، من ثم شيدت لنا جمعية التصدي لهدم البيوت غرفتين، إلا أن السلطات أصدرت أمرا آخرا بهدم الغرفتين، ولم تقبل محكمة العدل العليا الاستئناف الذي قدمته ضد قرار الهدم، فهدمت السلطات الإسرائيلية الغرفتين للمرة الثالثة على التوالي ولا نزال نعيش أنا وعائلتي حتى الآن في خيمةquot;.
وعن غاية السلطات من هدم البيوت وإهمال المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية ذكر:quot; يريدون أن نرحل ونهاجر، هذه سياستهم، لكن أبدا لن نرحل عن أرضنا ولو كلف الأمر العودة للعيش في الخيمة التي شيدها الصليب الأحمر، نحن في القدس الشرقية ندفع كل الضرائب من أثمان المياه والكهرباء وضريبة الأملاك، لكننا لا نحصل على حقوقنا ولا نتلقى الخدمات المحقوقة لناquot;. وأكد بأن quot;حاله ليس بأفضل من حال غيره في جبل المكبر، فبيت أخي كذلك هدم مؤخرا، وهناك أمر هدم آخر ويوجد العديد من البيوت المهددة بالهدمquot;.
مستوطنة على أنقاض كرم زيتون
المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية
تسير بك الطرقات البالية، الخالية من الإضاءة ومن الأرصفة غير المعبدة في شوارع القدس الشرقية، فتوصلك لمستوطنة حديثة العهد تضم 180 وحدة سكنية، أقيمت على أنقاض كرم زيتون تابع لأحمد عيد من جبل المكبر حرم من البناء على أرضه، إلا أن إسرائيل أجازت بناء مستوطنة، فتجد الروعة في بناء وإيصال المستوطنة بشبكات مياه ومجاري وبناء حدائق عامة للمستوطنين، وترى بأن السلطات قد سخرت كل الأمور لقدوم المستوطنين للسكن في القدس الشرقيةquot;.
وفي حديث مع راسم عبيدات الذي تحدث عن جبل المكبر ذكر لـquot;إيلاف:quot; لقد ادعى مستوطن يهودي بأنه اشترى 14 دونما من أراضي أحمد عيد، إلا أن عيد عجز في إثبات أنه لم يبيع أرضه، وبعدها قامت البلدية بمصادرة 41 دونم، وباشرت في إقامة المستوطنة، نحن في جبل المكبر لا نملك إمكانية البناء، أما في المستوطنة فقد حصلوا على إمكانية بناء بنايات في ارتفاعات وعرض واسع، نحن منذ أربعين عام ننتظر أبسط الحقوق من مرافق عامة ومدارس، ومن شبكة صرف صحي وإنارة الشوارع مقابل ما ندفعه إلا أن الخدمات لا تمر سوى من فوق أرضنا لتخدم غيرناquot;.
يفوق واقع الوضع القائم في القدس الشرقية الخيال، فالجدار الفاصل فرق العائلات ومزقها، وقسم حارتي السواحرة وشيخ سعد في جبل المكبر، وشرد حتى الأموات من قبورهم، فمن الأموات من تحرق جثته، ومنهم من يتم دفنه في مكان غير معلوم، وما يلفت النظر بأن البنى التحتية في القدس الشرقية هي منذ الانتداب البريطاني، ولم يتم تطوير أية مشروع يتعلق في البنى التحتية منذ احتلال القدس الشرقية، رغم أن إسرائيل تعتبر القدس الشرقية جزء من دولة إسرائيل، وعاصمتها الأبدية، على الرغم من أن القرار يتناقض جوهرياً مع المواثيق والمعاهدات الدولية، باعتبار القدس الشرقية منطقة محتلة.
كما أشارت جمعية حقوق المواطن في حيفا بأن إسرائيل صادرت منذ ضَمِّت المدينة إليها 24,500 دونم، أي ما يعادل ثلث مساحة القدس الشرقيّة، والتي كانت بملكيّة عربيّة خاصّة، وبما يتعلق بالبناء: حتّى نهاية العام 2007، بُنيت على الأراضي التي صودرت 50,197 وحدة سكنيّة مُعَدّة للسكّان اليهود، ولم تُبنَ حتّى وحدة سكنيّة واحدة للسكّان الفلسطينيّين، وهدمت بلدية القدس الإسرائيلية منذ مطلع العام 2009، 17 منـزلاً في القدس الشرقيّة، ومن جانب آخر ينقص أكثر من 1,500 غرفة تدريسيّة في القدس الشرقية، ونسبة التسرّب من المدارس: 50%، ويخدم المنطقة فقط فرعان بريد وخمس وكالات.
أما المحامي نصرات دكور من جمعية حقوق المواطن فقد ذكر بأن quot; السلطات الإسرائيلية تطلب من المقدسيين إثبات إقامتهم في القدس حتى لا يتم سحب جنسيتهم، والطريقة الوحيدة التي يستطيع المقدسيين إثبات إقامتهم هي دفع الضرائب، كما وأشار إلى أن جمعية حقوق المواطن قدمت ألتماس ضد التمييز في التخطيط والبناء في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية، كما أشار إلى أن السلطات فرضت على كل أصحاب البيوت تشييد بيوتهم بالحجر بهدف التمويه عن الأوضاع الاقتصادية المزرية في القدس الشرقيةquot;.
عامل نظافة واحد ل 12 ألف نسمة
أزمة النظافة في القدس توثقها الصورة
أكثر ما يبرز للعيان في القدس الشرقيّة أكوامُ القمامة المنتشرة في شوارع المدينة، وفي مواقع غير قانونيّة لتجميع النفايات. تلك الأكوام تولّدت بفعل النقص الخطير في خدمات الصحّة العامّة. أما عن وضع الشوارع والأرصفة وممرّات المشاة فهي شديدة البؤس، ممّا يتسبّب بإلحاق الضرر بالناس والممتلكات. أمّا الحدائق العامّة، فهي مشهد نادر الوجود.
توجّهت جمعيّة حقوق المواطن إلى بلديّة القدس في هذا الخصوص، على امتداد عام ونصف العام، كي تقوم بتصحيح الوضع. أعلنت البلديّة مؤخّرًا موافقتها على ترجمة الوثائق إلى العربيّة، إلاّ أنّها لم تنفّذ الأمر بعد. وتعتبر خدمات البريد في القدس الشرقيّة شبه معدومة، إذ تقوم سبع وحدات بريد بخدمة ما يزيد عن 250,000 نسمة، مقابل أكثر من خمسين وحدة تخدم 500,000 نسمة في القدس الغربيّة. لا غرابة، إذًا، في أنّ معظم الرسائل لا تصل إلى أصحابها في التاريخ المحدَّد، أو في أنّها لا تصل بتاتًا. توجّهت جمعيّة حقوق الإنسان في العامين الأخيرَيْن، بِاسم ممثّلي أحياء القدس الشرقيّة، إلى سلطة البريد ووزارة الاتّصالات، مطالِبةً إيّاهما بتحسين خدمات البريد؛ لكن الوعود كثيرة والتنفيذ شبه معدوم.
مكان لتربية الماعز يصبح مدرسة
ثمّة العديد من المشاكل المستعصية في مجال التعليم في القدس الشرقيّة، وفي مقدّمتها النقص الحادّ في الغرف التدريسيّة. تَضاعَفَ عدد السكّان في المنطقة خلال العقود الأربعة الأخيرة أربع مرّات، لكنّ جهاز التعليم لم يتطوّر على نحو يلائم الاحتياجات المتغيّرة، ولم تُبْنَ تقريبًا غرف دراسيّة جديدة.

تشير التقديرات الحاليّة وفقا لجمعية حقوق المواطن إلى وجود نقص بنحو 1,500 غرفة تدريسيّة، ومن المتوقّع أن يصل هذا النقص في العام 2010 إلى 1,900 غرفة، وبسبب النقص الحادّ في الغرف الدراسية، لا يتوجّه إلى مقاعد الدراسة في المدارس التابعة لبلديّة القدس سوى نحو نصف الأولاد الذين في سنّ الدراسة، ويعاني هؤلاء -في بعض الأحيان- من اكتظاظ شديد ومن ظروف فيزيائيّة بالغة الصعوبة.
تعتبر الطريق لمدرسة شعفاط الإعدادية للبنات( فرع سويلم)، بمثابة زقاق مليء بالحجارة والغبار، والدخول إلى البناية يشبه السجن فمن الخارج ساحة ضيقة، تدل على أن الطالبات لا يتعلمن موضوع اللياقة البندية، وعن وضع ويدرس في الصف الواحد الذي تشكل مساحته 16 م 36 طالبة، وكل ثلاثة طالبات يجلسن على مقعد واحد، كما وتم تحويل الحمام إلى غرفة تدريسية، وتمنع السلطات من بناء سلم الدرج بشكل واسع، مما يشكل خطر على الطالبات في حالة التهديد بأية خطر من كارثة طبيعية أو حريق، كما وتضم المدرسة 285، وذكر رئيس لجنة أولياء أمور الطلبة في شعفاط عبد الكريم لافي بأن هناك تخطيط لتحويل مكان كانت تربى به الماعز والأغنام، لمدرسة للبنات في شعفاط في القدس الشرقية، هذا المكان يقع بجانب حاجز عناتا العسكري، بالإضافة إلى وجود مصنع للحديد بالقرب من المكان، يشكل تهديد على أمن وصحة الطالباتquot;.
حواجز عسكرية لجمع الضرائب
يعتبر حاجز عطاروت (قلنديا) الواقع شماليّ القدس المعْبرَ الوحيدَ الذي يربط بين شماليّ القدس ومركزها، ويستخدم سكّان الأحياء الشماليّة هذا الحاجزَ يوميًّا، في طريقهم إلى أماكن العمل والمدرسة والمؤسّسات الطبّـيّة وغيرها، بالإضافة إلى الفلسطينيّين الذين يحملون تصاريح الدخول إلى إسرائيل.

على هذا الحاجز، تُقدَّم كذلك الخدماتُ البلديّة للسكّان الذين تبقَّوْا خلف جدار الفصل -كخدمات البريد والتأمين الوطنيّ، واستقبال طالبي العمل من قبل مصلحة الاستخدام، الأمر الذي ولّد ضغوطًا هائلة على الحاجز وظروفًا لا تُطاق. على الرغم من الالتزامات التي قطعتها الدولة على نفسها، يعاني الناس على حاجز قلنديا من تأخير متواصل، ويُضطرّون إلى الانتظار ساعتين من الزمن عند دخولهم الحاجز وعودتهم عن طريقه.

تشير جمعية حقوق المواطن إلى أنه بالإضافة إلى التقييدات القاسية على حرّيّة التنقل والإهانات التي ترافق عبور الحاجز، والانتظار ساعات طويلة، يشتكي السكّان من العنف الجسديّ والكلاميّ الذي يمارسه ضدّهم الجنود المرابطون على الحاجز. يتعلّق كثير من هذه الشكاوى بتصرّفات أفراد شركة الحراسة الخاصّة الذين يديرون الحاجز، ويقومون بالتدخّل بعمل الجنود، ويتّخذون قرارات غير منطقيّة حول نوع التفتيش وطبيعته، ويعاملون المسافرين معاملة مُذِلّة. تقوم جمعيّة حقوق المواطن بتمثيل السكّان الذين يشتكون من الانتهاكات المختلفة، وتعمل على إيقافها ومحاكمة مرتكبيها