كتب رفيق خوري في "الأنوار" اللبنانية فقال: "هل تجاوزت الوقائع في مجلس الأمن شروط الدول العربية والاسلامية للمشاركة في التحالف الدولي، وابرزها تحديد مفهوم الارهاب ووضع الحرب ضده تحت راية الأمم المتحدة? هل المشكلة هي في تباين وجهات النظر حول التحالف الدولي والادوار فيه ام ان هناك نوعا من سوء التفاهم وربما سوء الفهم? ما الذي يمكن، بعدما عز اللقاء في الجامعة العربية، ان يفعله الاجتماع المتأخر لوزراء الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي? والى اي حد تستطيع الجمعية العمومية التي بدأت مناقشة الارهاب ان تصل الى صيغة تضيء ما اعترفت لندن بأنه (النقطة المظلمة) في قرار مجلس الأمن?
اميركا تتصرف كأنها ربحت نصف الحرب على الارهاب بالقرار الجماعي في مجلس الأمن. فهي لا تستطيع الذهاب الى الحرب منفردة، ولا تريد ان تتخلى عن القيادة للأمم المتحدة. وهي تمارس في التخطيط للحرب ما تسميه (الصبر الاستراتيجي)، وفي تنفيذها ما يراه كثيرون نوعا من المزاج الحاد في التكتيك الى حد قطع الطريق على مطالب الراغبين في المشاركة. ومن هنا اللجوء الى ضربة ديبلوماسية سريعة على مسرح النقاش الدولي حول الحرب الطويلة البطيئة. اذ بدل التسليم بالتدويل الشرعي للحرب كان القرار (أمركة) التدويل. وبدل التفاهم على صيغة موحدة لاقامة التحالف كان الخيار التباحث مع كل دولة بمفردها لدخول التحالف بالعصا او الجزرة.
ذلك ان مجلس الأمن أعطى واشنطن الحد الذي تريده من الشرعية الدولية، والهامش الذي تحرص عليه من حرية الحركة. فالقرار غطى الحرب على نظام الطالبان ومنظمة (القاعدة) وسواهما حين اعتبر ان التفجيرات (تهديد للسلام والأمن الدوليين)، وهو ما يسمح بالدفاع عن النفس (الفردي والجماعي). كما جعل الحرب المالية والامنية والاستخباراتية على الارهابيين واجبا لا مهرب منه بالنسبة الى اية دولة في اطار القرارات المستندة الى الفصل السابع من الميثاق.
وليس سرا ان الحرب بفصولها المتعددة هي عمليا (حربان): واحدة عسكرية بشكل اساسي تخوضها اميركا كأنها حرب الشرعية الدولية من دون دور للامم المتحدة. وثانية متعددة الوجوه تقوم فيها كل دولة بحربها الخاصة على ارضها، وتتحكم بها، في غياب التفاهم على مفهوم الارهاب، ارادة اميركا الفعلية في ظل الادارة الشكلية للمنظمة الدولية. واذا كان هناك من يرفض المشاركة في الحرب ضد افغانستان ومنظمة (القاعدة)، فان من الصعب التعبير عن الرفض بأبعد من الحياد وتجاوزه الى اقامة محور مضاد لأن الثمن كبير.
اكثر من ذلك، فان اميركا ليست في حاجة الى شركاء كثر في الحرب ضد افغانستان والقاعدة. وهي توحي، من دون ان تقول، بأن دور الدول العربية والكثير من الدول الاسلامية رمزي. فما فوق خريطة الحرب ضد الارهاب شيء من تجديد (اللعبة الكبيرة) في افغانستان خلال القرن التاسع عشر. وما يتخوف منه كثيرون ليس الحرب وسقوط نظام الطالبان بل الهيمنة الاميركية على النفط والغاز والمواقع الاستراتيجية في آسيا الوسطى.
فضلاً عن ان الانخراط كان اختيارياً في سياسة (الاحتواء) التي مارستها اميركا في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، في حين ان قرار مجلس الامن جعل الانخراط اجبارياً في سياسة (الاحتواء) ضد المنظمات الارهابية والدول التي تدعمها.
والان وقت العمل لتغيير المسار قبل، ان تنتهي المهلة القصيرة.
&