حضرموت - وادي دوعن (اليمن) - من حمود منصر: رباط باعشن قرية صغيرة منسية في أقاصي وادي دوعن في الوسط الغربي لمحافظة حضرموت، تبعد عن العاصمة اليمنية صنعاء مسافة 775 كيلو متراً, لم يسأل عنها أحد قبل الحادي عشر من سبتمبر الماضي، ولم يبرز أسمها إلاّ نتيجة ارتباط أسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" بالهجمات الإرهابية التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن.
ورغم أن أسامة بن لادن ولد في السعودية ولم يزر اليمن في حياته، حسب تأكيد معظم اليمنيين الرسميين وغير الرسميين، إلاّ إن وجود منزل طيني في قرية باعشن تعود ملكيته إلى أحد أقاربه شد الأنظار إلى القرية المنسية التي يقطنها نحو أربعة آلاف نسمة تقريباً محاصرين بين جبال كلسية تحيط بالقرية من ثلاث جهات، وتتراوح ارتفاعاتها ما بين 250 و300 متر.
الطريق إلى رباط باعشن شاق ووعر, بدأت الرحلة بسيارة "تويوتا لاند كروزر" من مدينة سيئون وسط وادي حضرموت في الساعة الثالثة صباحاً، كان الطريق معبداً بطول 90 كيلــو متــراً تقريباً و70 كيلو متراً ممهداً بطريقة أولية,,, وعرا وكثير المنحنيات تبعاً لانحناءات الوادي - وادي دوعن الشهير بإنتاج أجود أنواع العسل اليمني,,, العسل الدوعني".
استغرقت الرحلة سبع ساعات عبر قرى الوادي بمنازلها الطينية العالية والفارهة، وضفافه المغطاة باشجار النخيل والسدر الكثيفة وخلايا النحل المنتشرة بطول الوادي.
عند منتهى الطريق وقبل الوصول إلى مدخل القرية، ترآت لنا كتلة من البيوت الطينية العالية والمحشورة عند أعالي الوادي، وعبر أشجار النخيل التي تنتصب بكثافة على حافتي الطريق، صادفنا شاب في نهاية العشرينيات، وعندمارأى كاميرات التصوير، أدرك أننا صحافيون، فقال "بن لادن، بن لادن ما فيش عندنا أسامة بن لادن، روحوا فتشوا عليه في أفغانستان أما رباط باعشن فلايوجد فيها أحد من آل بن لادن" وظل يقود سيارته من دون ان يمنحنا فرصة التعرف عليه !!
بن لاذن وليس بن لادن
قبل الوصول إلى القرية تزاحمت في الذهن عشرات الأسئلة حول بن لادن,,, العائلة، وأسامة وحول القرية وأهلها، وكنا نتوقع أن يرفض الناس الحديث إلينا أو أن يثيروا حولنا تساؤلات مريبة خصوصا أنهم منسيون وقريتهم منسية كما سمعنا من هشام السقاف الكاتب الصحافي الذي التقيناه في مدينة سيئون، وعرف بمهمتنا وحاول مساعدتنا فاتخذناه دليلاً لنا إلى القرية، قال هشام (43 عاما): "أسرة بن لادن، إحدى الأسر التجارية المشهورة التي غادر أفرادها قبل أكثر من نصف قرن وكانوا عبارة عن حرفيين وعمال بناء لا ينحدرون من الطبقة القبلية التي تنتسب إلى قبيلة كنده أقدم القبائل اليمنية التي حكمت حضرموت وليسوا من طبقة السادة - الهاشميين - والواقع لا يوجد في تاريخ الأسر والعائلات اليمنية الحضرمية اسم بن لادن (أي بالدال)، وإنما الاسم المتعارف عليه والمنطوق لدى الحضارم هو بن لاذن بحرف (الذال) وهناك اسم بن لازن وهو اسم عائلة أخرى أما "بن لادن" فهو كما يبدو اسم محرف في النطق لعائلة بن لاذن وأصلهم أو موطنهم الأصلي - ليس رباط باعشن - وإنما منطقة أخرى أسمها مرخة في أقاصي شمال حضرموت عند مشارف صحراء رملة السبعتين المطلة على الربع الخالي، وحسب الكتب التاريخية أنتقل أجداد والد أسامة بن لادن قبل نحو 200 سنة إلى رباط باعشن وقطنوا فيها، ثم ما لبث الأحفاد أن هاجروا من رباط باعشن إلى السعودية وأول المهاجرين من "آل بن لادن كان محمد عوض بن لادن والد أسامة، ويعتقد أنه هاجر مطلع الثلاثينيات مع تأسيس المملكة العربية السعودية، وكان عامل بناء، وتبعه باقي أفراد العائلة، وكان أخرهم شقيقة عبد الله عوض بن لادن الذي هاجر عام 1969 بعد استقلال جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني".
جبل يراقب القرية
بدت قرية رباط باعشن محشورة في أسفل منحدر شاهق يميل عليها برأسه وكأنه يرقبها ويرصد تحركات كل من في القرية، الأطفال يعبرون من الجهة الغربية للقرية ممراً صغيراً لا يتسع إلاّ لسيارة واحدة في اتجاه الشرق, كانت نظراتهم مليئة بالاستغراب والتساؤل، "من هؤلاء الذين يحملون آلات التصوير ولا ينتمون لأهل القرية, هؤلاء ليسوا سياحا، لكن من هم، في هذه الأثناء وبمجرد أن توقفت سيارتنا وترجلنا منها في وسط القرية وجدنا أن سيارة شرطة مكشوفة زرقاء اللون تتوقف خلفنا مباشرة، وقال سائقها صاحب الزي المدني أنتم صحافيون أين حمود منصر؟ نعم نحن صحافيون وأنا حمود منصر، فقال "أهلاً بكم أبلغنا أنكم قادمون", وترجل من السيارة وإذا به مسؤول الأمن في القرية، ثم قال وهو يصحبنا في اتجاه المنزل المنسوب لآل بن لادن: "جئتم من أجل منزل بن لادن نحن نعلم ذلك، سبقكم بعض الصحافيين الأميركيين وجاءوا إلى هنا وزاروا المنزل وتحدثوا مع الناس، ونحن لا نستطيع أن نغطي الحقيقة اينما وجدت، ولكم كامل الحرية في التحرك والتصوير والتخاطب مع الناس حتى وصلنا إلى أمام المنزل"، وأضاف: "هذا هو المنزل" ثم تركنا واختفى,
لا نعرف بن لادن
ولا أسامة
حينما لاحظنا التلاميذ على الطريق المجاور، ونحن نقوم بأخذ الصور للمنزل تجمعوا حولنا وانضم إليهم بعض المدرسين الذين اقتربوا منا، وسألنا أحدهم "أهذا منزل بن لادن؟" أجاب ثلاثة من المدرسين تقريباً بصوت واحد "لا هذه مدرسة، ونحن نعلم التلاميذ فيها" ولكن كان هذا المبنى منزلاً لبن لادن, فسألنا عوض باحكيم أحد أهالي القرية بطريقة تعكس شعورهم بالريبة من تواجدنا واندهاشهم لاهتمامنا بالمنزل فقال "أنتم الصحافيون جئتم تبحثون عن بن لادن عندنا، تفتشون عن أسامة بن لادن ؟ لا يوجد لا أسامة ولا بن لادن، وهذه مدرسة، وبن لادن غادر رباط باعشن عام 1925 أما أسامة بن لادن فلا يوجد أي علاقة له بقريتنا ولا نعرفه، ولم يزر هذه القرية، ولا يوجد أي شخص في القرية يعرفه أو يعلم به".
كان الوقت منتصف النهار تلاميذ الفترة الصباحية يغادرون المدرسة ويأتي تلاميذ الفترة المسائية لتلقي دروسهم، في هذه الأثناء وعند مدخل المدرسة أو الجزء المخصص من المنزل للمدرسة وقف عمر عبد الله باحكيم وبيده كتاب العلوم للصف الرابع "تعليم أساسي" وقال "هذا المبنى مدرسة، وكنت تلميذاً تعلمت فيه عام 1972 والآن أنا أدرس فيه، وكان مملوكاً للمعلم عبد الله عوض بن لادن، ونحن نسميه المعلم لأنه أعطى هذا المبنى من منزله للمدرسة، عندما زاد عدد التلاميذ واكتظ بهم المبنى الأساسي للمدرسة والموجود في الجهة الأخرى الشرقية من القرية، وبعد ذلك بفترة وهاجر إلى السعودية ولم يعد، وأنا لا أعلم على الإطلاق بأي ارتباط أو صلة لأسامة بن لادن بهذا المنزل ولا برباط باعشن، ولم يولد هنا، حتى والده محمد عوض بن لادن نحن لا نعرفه، هاجر قبل أن نولد ولم يزر المنطقة في حياته إطلاقاً، ويقال أنه توفي في حادث تحطم طائرته الخاصة، ولا نعلم عنه أو عن أولاده شيئاً".
أطلال
يقع المنزل المكون من بنايتين متجاورتين في أعلى القرية من الجهة الغربية ويجمع الأهالي على القول: "إن المبنى الثاني - وهو الأكبر من حيث المساحة والارتفاع إذ يتكون من أربعة طوابق، ويصل طوله إلى نحو 30 متراً وعرضه 20 متراً, مبنى طيني بني قبل نحو 80 سنة ومطلي "بالنورة" وهي طلاء جبسي أبيض".
أما عوض باحكيم فيقول: "ان هذا المبنى مصان صيانة جيدة، وهو مؤجر سكناً لعائلات وأسر" والمبنى الثاني _ وهو الأصغر _ فيضم 22 حجرة يتكون من ثلاثة طوابق زجاج نوافذه مهشماً، حيث كان التلاميذ والتلميذات يطلون برؤوسهم من بين أخشاب النوافذ لمشاهدتنا, ويقول الشيخ أحمد عبد الله وهوفي السبعين من عمره تقريباً: "هذا البيت هو بيت عبد الله عوض بن لادن، تركه للمدرسة عندما هاجر مع ظهور الحزب الاشتراكي أي عند الاستقلال"، وأضاف: "أنا لم أذكر التاريخ، لكنه تم إلحاق هذا البيت بمدرسة رباط باعشن التي أصبح أسمها مدرسة جيل الثورة وهو الوحيد الذي نعرفه وجزاه الله خيراً حيث قام بإصلاح المبنى عندما تعرض للسيل وجرف جزءا منه كما ساهم في إنشاء الطريق إلى القرية وأنشأ بستان النخيل الموجود قبالة القرية في أعالي الوادي وعمل أيضاً مشروع مياه للقرية، أما غيره من آل بن لادن فأنا لا أعرف أحدا منهم, محمد عوض بن لادن هاجر ولم يعد، ولم يسأل عن أحد، ولم يزر رباط باعشن، على الإطلاق، أما أسامة بن لادن فلا أعرفه تماماً لا هو ولا إخوانه، ولو أريتموني صورة لواحد منهم لن أعرفه ولو وجدت أحدهم ماراً في الطريق فإنني لن أعرفه، أما عمهم عبد الله عوض بن لادن فجزاه الله خيراً، هو الذي نعرفه وآخر مرة زار القرية اثنان من أبنائه كانت قبل سنتين".
مدرسة "جيل الثورة"
كان الشيخ عبد الله أحمد يتحدث وعدد من أبناء القرية يحيطونه عند باب المدرسة ويهزون رؤوسهم للتعبير عن موافقتهم وتأييدهم لما يقول.
عمر محمد عمر (54 عاما) نائب مدير المدرسة "التقيناه في أحد الممرات في الطابق الثاني للمدرسة حيث كان التلاميذ يمرون من جانبه إلى فصول الدراسة البالغ عددها 12 فصلاً مخصصاً للتدريس، كان غاضباً، وعلامات الارتياب على وجهه لتوافد الصحافيين على المبنى واقتحامهم له من دون استئذان منه وذلك ربما ما حدث معنا حيث صعدنا مع بعض المدرسين في الوقت الذي كان التلاميذ يصعدون إلى فصول الدراسة, سألناه: "لماذا أنت غاضب؟"، فرد قائلاً "هذا أمر غير معقول، لا يقبل أنكم تدخلون إلى المدرسة بهذه الطريقة، هناك مدرسات لا يجوز الدخول عليهن بهذه الطريقة",,, تمت تهدئته والاعتذار له عن الدخول من دون إذن مسبق منه، وبعد أخذ ورد حول استعداده للتحدث والرد على أسئلتنا وافق وخرجنا معاً إلى باب المبنى، وهنا بدأ عمر يرد على الأسئلة، ويوضح ما يتصل بالمبنى فقال: "هذا المبنى هو جزء من منزل عبد الله عوض بن لادن، أعطاه عام 1972 كتوسعة لمدرسة رباط باعشن التي تأسست عام 1945 وكان لها مبنى رئيسي قديم في الجهة الشرقية من القرية، وعندما هاجر عبد الله عوض بن لادن عام 1969 تزايد أعداد التلاميذ ولم يستوعبهم المبنى الرئيسي للمدرسة فقدم عبد الله عوض بن لادن هذا المبنى كتوسعة للمدرسة التي يؤمها الآن أكثر من ألف طالب وطالبة من أبناء المنطقة التي يزيد عدد سكانها على 12 ألف نسمة وهي مدرسة عمومية للتعليم الأساسي تابعة لوزارة التربية والتعليم في حكومة الجمهورية اليمنية، وقد أصبح أسمها منذ عام 1970 أي بعد الاستقلال، مدرسة جيل الثورة".
وحول ما إذا كان لأسامة بن لادن أي صلات بالمنطقة أو أهلها، أضاف عمر بصوت مرتفع وحاد: "نحن لا نعرف أسامة بن لادن ولا نعرف حتى والده، أبوه محمد عوض بن لادن هاجر ونحن صغار، ولم نعرفه، وكان عامل بناء أما أسامة بن لادن فلا يعرفه أحد فهو ولد في السعودية ونشأ فيها وترعرع هناك، وبعد ذلك حصل له ما حصل، وليس له أي علاقة بالمنطقة ولا بأهلها لا من خلال مشاريع ولا من خلال زيارات ولا أحد يعرف أسامة بن لادن ولا إخوانه ولا أبوه في هذه المنطقة على الإطلاق".
لماذا اليوم؟
اعتبر عمر محمد عمر نائب مدير المدرسة مساءلته عن أسامة بن لادن نوعاً من الاستفزاز وقال "لماذا لم تأتوا إلى رباط باعشن إلاّ اليوم لتسألوا عن أسامة بن لادن وجذوره ولم يأت أحد من قبل ليسألنا؟أسامة بن لادن ليس هنا ولم يعد لكل آل بن لادن أي وجود هنا ونحن في هذه المدرسة منذ 30 سنة تقريباً وهي مدرسة حكومية تدرس فيها المناهج والكتب التي تدرس في أي مدرسة حكومية تابعة للجمهورية اليمنية".
ويضيف عبد اللطيف بايعشون (28 عاما)، وهو يعمل في السلطة المحلية في مديرية دوعن التي تضم عشرات القرى المنتشرة على ضفتي الوادي ومنها قرية رباط باعشن حيث قال: "الناس في هذا الوادي بسطاء في المأكل والملبس وهم مسالمون لا يعرفون التطرف وليس لديهم أي نوع من الحدة في التفكير أو السلوك، يعيشون في بيئة معتدلة ومتسامحة ثقافياً ودينياً، وأما أسامة بن لادن فلا أحد يعرفه وهو قد نشأ في بيئة تختلف عن هذه البيئة",
وقال: "هذه المدرسة تلقن دروسا عادية للتلاميذ من أبناء القرية مثلها مثل غيرها من المدارس الحكومية المنتشرة في البلاد، وليست مدرسة دينية ولا مذهبية، والمبنى كما سمعتم كان لعبد الله عوض بن لادن عم أسامة بن لادن وهو مغترب في السعودية ويتلقى أجورا شهرية من الحكومة اليمنية مقابل هذه المبنى مقدارها خمسة آلاف ريال تدفع لوكيله هنا في قرية مجاورة، ويقال أنه خال عبد الله عوض بن لادن".
لمن تقرع الأجراس؟
دق جرس المدرسة ليعلن موعد بدء الحصة الأولى من الدروس خلال الفترة المسائية، وهرع المدرسون ومن تبقى من التلاميذ من حولنا إلى حجرات الدرس، وبقي عدد بسيط من أبناء القرية بجوارنا وكأن لحظة الرحيل قد حانت والخلاصة التي خرجنا بها "هي أن الكبار، الشيوخ والشباب، والصغار من أبناء قرية رباط باعشن لا يتذكرون ولا يذكرون متى هاجر محمد عوض بن لادن ولا يعرفون نجله أسامة بن لادن، ويؤكدون أنهما لم يمدا لهم يد العون والمساعدة، ولم يساهما في أي عمل خيري أو مشروع إنمائي لخدمة القرية وأهلها، وأن ما تبقى من آل بن لادن في قريتهم مجرد أطلال وذكرى تتمثل بمبنى المدرسة والمبنى المجاور له، ولا شيء غير ذلك باستثناء بعض المساهمات الخيرية البسيطة التي قام بها عبد الله عوض بن لادن عم أسامة بن لادن وهم يذكرونه من خلالها ويسدون له الثني والشكر".
ويقول الشاب عبد اللطيف بايعشون "ليتهم - إي محمد وأسامة بن لادن - بثرائهم نظروا إلينا ولو من خلال ثقب صغير وقدموا ما أمكن تقديمه من مساهمة لهذه القرية، لكنهم لم يفعلوا بل هاجروا وانقطعوا عنها، ولم يرجع منهم أحد".(الرأي العام الكويتية)
ورغم أن أسامة بن لادن ولد في السعودية ولم يزر اليمن في حياته، حسب تأكيد معظم اليمنيين الرسميين وغير الرسميين، إلاّ إن وجود منزل طيني في قرية باعشن تعود ملكيته إلى أحد أقاربه شد الأنظار إلى القرية المنسية التي يقطنها نحو أربعة آلاف نسمة تقريباً محاصرين بين جبال كلسية تحيط بالقرية من ثلاث جهات، وتتراوح ارتفاعاتها ما بين 250 و300 متر.
الطريق إلى رباط باعشن شاق ووعر, بدأت الرحلة بسيارة "تويوتا لاند كروزر" من مدينة سيئون وسط وادي حضرموت في الساعة الثالثة صباحاً، كان الطريق معبداً بطول 90 كيلــو متــراً تقريباً و70 كيلو متراً ممهداً بطريقة أولية,,, وعرا وكثير المنحنيات تبعاً لانحناءات الوادي - وادي دوعن الشهير بإنتاج أجود أنواع العسل اليمني,,, العسل الدوعني".
استغرقت الرحلة سبع ساعات عبر قرى الوادي بمنازلها الطينية العالية والفارهة، وضفافه المغطاة باشجار النخيل والسدر الكثيفة وخلايا النحل المنتشرة بطول الوادي.
عند منتهى الطريق وقبل الوصول إلى مدخل القرية، ترآت لنا كتلة من البيوت الطينية العالية والمحشورة عند أعالي الوادي، وعبر أشجار النخيل التي تنتصب بكثافة على حافتي الطريق، صادفنا شاب في نهاية العشرينيات، وعندمارأى كاميرات التصوير، أدرك أننا صحافيون، فقال "بن لادن، بن لادن ما فيش عندنا أسامة بن لادن، روحوا فتشوا عليه في أفغانستان أما رباط باعشن فلايوجد فيها أحد من آل بن لادن" وظل يقود سيارته من دون ان يمنحنا فرصة التعرف عليه !!
بن لاذن وليس بن لادن
قبل الوصول إلى القرية تزاحمت في الذهن عشرات الأسئلة حول بن لادن,,, العائلة، وأسامة وحول القرية وأهلها، وكنا نتوقع أن يرفض الناس الحديث إلينا أو أن يثيروا حولنا تساؤلات مريبة خصوصا أنهم منسيون وقريتهم منسية كما سمعنا من هشام السقاف الكاتب الصحافي الذي التقيناه في مدينة سيئون، وعرف بمهمتنا وحاول مساعدتنا فاتخذناه دليلاً لنا إلى القرية، قال هشام (43 عاما): "أسرة بن لادن، إحدى الأسر التجارية المشهورة التي غادر أفرادها قبل أكثر من نصف قرن وكانوا عبارة عن حرفيين وعمال بناء لا ينحدرون من الطبقة القبلية التي تنتسب إلى قبيلة كنده أقدم القبائل اليمنية التي حكمت حضرموت وليسوا من طبقة السادة - الهاشميين - والواقع لا يوجد في تاريخ الأسر والعائلات اليمنية الحضرمية اسم بن لادن (أي بالدال)، وإنما الاسم المتعارف عليه والمنطوق لدى الحضارم هو بن لاذن بحرف (الذال) وهناك اسم بن لازن وهو اسم عائلة أخرى أما "بن لادن" فهو كما يبدو اسم محرف في النطق لعائلة بن لاذن وأصلهم أو موطنهم الأصلي - ليس رباط باعشن - وإنما منطقة أخرى أسمها مرخة في أقاصي شمال حضرموت عند مشارف صحراء رملة السبعتين المطلة على الربع الخالي، وحسب الكتب التاريخية أنتقل أجداد والد أسامة بن لادن قبل نحو 200 سنة إلى رباط باعشن وقطنوا فيها، ثم ما لبث الأحفاد أن هاجروا من رباط باعشن إلى السعودية وأول المهاجرين من "آل بن لادن كان محمد عوض بن لادن والد أسامة، ويعتقد أنه هاجر مطلع الثلاثينيات مع تأسيس المملكة العربية السعودية، وكان عامل بناء، وتبعه باقي أفراد العائلة، وكان أخرهم شقيقة عبد الله عوض بن لادن الذي هاجر عام 1969 بعد استقلال جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني".
جبل يراقب القرية
بدت قرية رباط باعشن محشورة في أسفل منحدر شاهق يميل عليها برأسه وكأنه يرقبها ويرصد تحركات كل من في القرية، الأطفال يعبرون من الجهة الغربية للقرية ممراً صغيراً لا يتسع إلاّ لسيارة واحدة في اتجاه الشرق, كانت نظراتهم مليئة بالاستغراب والتساؤل، "من هؤلاء الذين يحملون آلات التصوير ولا ينتمون لأهل القرية, هؤلاء ليسوا سياحا، لكن من هم، في هذه الأثناء وبمجرد أن توقفت سيارتنا وترجلنا منها في وسط القرية وجدنا أن سيارة شرطة مكشوفة زرقاء اللون تتوقف خلفنا مباشرة، وقال سائقها صاحب الزي المدني أنتم صحافيون أين حمود منصر؟ نعم نحن صحافيون وأنا حمود منصر، فقال "أهلاً بكم أبلغنا أنكم قادمون", وترجل من السيارة وإذا به مسؤول الأمن في القرية، ثم قال وهو يصحبنا في اتجاه المنزل المنسوب لآل بن لادن: "جئتم من أجل منزل بن لادن نحن نعلم ذلك، سبقكم بعض الصحافيين الأميركيين وجاءوا إلى هنا وزاروا المنزل وتحدثوا مع الناس، ونحن لا نستطيع أن نغطي الحقيقة اينما وجدت، ولكم كامل الحرية في التحرك والتصوير والتخاطب مع الناس حتى وصلنا إلى أمام المنزل"، وأضاف: "هذا هو المنزل" ثم تركنا واختفى,
لا نعرف بن لادن
ولا أسامة
حينما لاحظنا التلاميذ على الطريق المجاور، ونحن نقوم بأخذ الصور للمنزل تجمعوا حولنا وانضم إليهم بعض المدرسين الذين اقتربوا منا، وسألنا أحدهم "أهذا منزل بن لادن؟" أجاب ثلاثة من المدرسين تقريباً بصوت واحد "لا هذه مدرسة، ونحن نعلم التلاميذ فيها" ولكن كان هذا المبنى منزلاً لبن لادن, فسألنا عوض باحكيم أحد أهالي القرية بطريقة تعكس شعورهم بالريبة من تواجدنا واندهاشهم لاهتمامنا بالمنزل فقال "أنتم الصحافيون جئتم تبحثون عن بن لادن عندنا، تفتشون عن أسامة بن لادن ؟ لا يوجد لا أسامة ولا بن لادن، وهذه مدرسة، وبن لادن غادر رباط باعشن عام 1925 أما أسامة بن لادن فلا يوجد أي علاقة له بقريتنا ولا نعرفه، ولم يزر هذه القرية، ولا يوجد أي شخص في القرية يعرفه أو يعلم به".
كان الوقت منتصف النهار تلاميذ الفترة الصباحية يغادرون المدرسة ويأتي تلاميذ الفترة المسائية لتلقي دروسهم، في هذه الأثناء وعند مدخل المدرسة أو الجزء المخصص من المنزل للمدرسة وقف عمر عبد الله باحكيم وبيده كتاب العلوم للصف الرابع "تعليم أساسي" وقال "هذا المبنى مدرسة، وكنت تلميذاً تعلمت فيه عام 1972 والآن أنا أدرس فيه، وكان مملوكاً للمعلم عبد الله عوض بن لادن، ونحن نسميه المعلم لأنه أعطى هذا المبنى من منزله للمدرسة، عندما زاد عدد التلاميذ واكتظ بهم المبنى الأساسي للمدرسة والموجود في الجهة الأخرى الشرقية من القرية، وبعد ذلك بفترة وهاجر إلى السعودية ولم يعد، وأنا لا أعلم على الإطلاق بأي ارتباط أو صلة لأسامة بن لادن بهذا المنزل ولا برباط باعشن، ولم يولد هنا، حتى والده محمد عوض بن لادن نحن لا نعرفه، هاجر قبل أن نولد ولم يزر المنطقة في حياته إطلاقاً، ويقال أنه توفي في حادث تحطم طائرته الخاصة، ولا نعلم عنه أو عن أولاده شيئاً".
أطلال
يقع المنزل المكون من بنايتين متجاورتين في أعلى القرية من الجهة الغربية ويجمع الأهالي على القول: "إن المبنى الثاني - وهو الأكبر من حيث المساحة والارتفاع إذ يتكون من أربعة طوابق، ويصل طوله إلى نحو 30 متراً وعرضه 20 متراً, مبنى طيني بني قبل نحو 80 سنة ومطلي "بالنورة" وهي طلاء جبسي أبيض".
أما عوض باحكيم فيقول: "ان هذا المبنى مصان صيانة جيدة، وهو مؤجر سكناً لعائلات وأسر" والمبنى الثاني _ وهو الأصغر _ فيضم 22 حجرة يتكون من ثلاثة طوابق زجاج نوافذه مهشماً، حيث كان التلاميذ والتلميذات يطلون برؤوسهم من بين أخشاب النوافذ لمشاهدتنا, ويقول الشيخ أحمد عبد الله وهوفي السبعين من عمره تقريباً: "هذا البيت هو بيت عبد الله عوض بن لادن، تركه للمدرسة عندما هاجر مع ظهور الحزب الاشتراكي أي عند الاستقلال"، وأضاف: "أنا لم أذكر التاريخ، لكنه تم إلحاق هذا البيت بمدرسة رباط باعشن التي أصبح أسمها مدرسة جيل الثورة وهو الوحيد الذي نعرفه وجزاه الله خيراً حيث قام بإصلاح المبنى عندما تعرض للسيل وجرف جزءا منه كما ساهم في إنشاء الطريق إلى القرية وأنشأ بستان النخيل الموجود قبالة القرية في أعالي الوادي وعمل أيضاً مشروع مياه للقرية، أما غيره من آل بن لادن فأنا لا أعرف أحدا منهم, محمد عوض بن لادن هاجر ولم يعد، ولم يسأل عن أحد، ولم يزر رباط باعشن، على الإطلاق، أما أسامة بن لادن فلا أعرفه تماماً لا هو ولا إخوانه، ولو أريتموني صورة لواحد منهم لن أعرفه ولو وجدت أحدهم ماراً في الطريق فإنني لن أعرفه، أما عمهم عبد الله عوض بن لادن فجزاه الله خيراً، هو الذي نعرفه وآخر مرة زار القرية اثنان من أبنائه كانت قبل سنتين".
مدرسة "جيل الثورة"
كان الشيخ عبد الله أحمد يتحدث وعدد من أبناء القرية يحيطونه عند باب المدرسة ويهزون رؤوسهم للتعبير عن موافقتهم وتأييدهم لما يقول.
عمر محمد عمر (54 عاما) نائب مدير المدرسة "التقيناه في أحد الممرات في الطابق الثاني للمدرسة حيث كان التلاميذ يمرون من جانبه إلى فصول الدراسة البالغ عددها 12 فصلاً مخصصاً للتدريس، كان غاضباً، وعلامات الارتياب على وجهه لتوافد الصحافيين على المبنى واقتحامهم له من دون استئذان منه وذلك ربما ما حدث معنا حيث صعدنا مع بعض المدرسين في الوقت الذي كان التلاميذ يصعدون إلى فصول الدراسة, سألناه: "لماذا أنت غاضب؟"، فرد قائلاً "هذا أمر غير معقول، لا يقبل أنكم تدخلون إلى المدرسة بهذه الطريقة، هناك مدرسات لا يجوز الدخول عليهن بهذه الطريقة",,, تمت تهدئته والاعتذار له عن الدخول من دون إذن مسبق منه، وبعد أخذ ورد حول استعداده للتحدث والرد على أسئلتنا وافق وخرجنا معاً إلى باب المبنى، وهنا بدأ عمر يرد على الأسئلة، ويوضح ما يتصل بالمبنى فقال: "هذا المبنى هو جزء من منزل عبد الله عوض بن لادن، أعطاه عام 1972 كتوسعة لمدرسة رباط باعشن التي تأسست عام 1945 وكان لها مبنى رئيسي قديم في الجهة الشرقية من القرية، وعندما هاجر عبد الله عوض بن لادن عام 1969 تزايد أعداد التلاميذ ولم يستوعبهم المبنى الرئيسي للمدرسة فقدم عبد الله عوض بن لادن هذا المبنى كتوسعة للمدرسة التي يؤمها الآن أكثر من ألف طالب وطالبة من أبناء المنطقة التي يزيد عدد سكانها على 12 ألف نسمة وهي مدرسة عمومية للتعليم الأساسي تابعة لوزارة التربية والتعليم في حكومة الجمهورية اليمنية، وقد أصبح أسمها منذ عام 1970 أي بعد الاستقلال، مدرسة جيل الثورة".
وحول ما إذا كان لأسامة بن لادن أي صلات بالمنطقة أو أهلها، أضاف عمر بصوت مرتفع وحاد: "نحن لا نعرف أسامة بن لادن ولا نعرف حتى والده، أبوه محمد عوض بن لادن هاجر ونحن صغار، ولم نعرفه، وكان عامل بناء أما أسامة بن لادن فلا يعرفه أحد فهو ولد في السعودية ونشأ فيها وترعرع هناك، وبعد ذلك حصل له ما حصل، وليس له أي علاقة بالمنطقة ولا بأهلها لا من خلال مشاريع ولا من خلال زيارات ولا أحد يعرف أسامة بن لادن ولا إخوانه ولا أبوه في هذه المنطقة على الإطلاق".
لماذا اليوم؟
اعتبر عمر محمد عمر نائب مدير المدرسة مساءلته عن أسامة بن لادن نوعاً من الاستفزاز وقال "لماذا لم تأتوا إلى رباط باعشن إلاّ اليوم لتسألوا عن أسامة بن لادن وجذوره ولم يأت أحد من قبل ليسألنا؟أسامة بن لادن ليس هنا ولم يعد لكل آل بن لادن أي وجود هنا ونحن في هذه المدرسة منذ 30 سنة تقريباً وهي مدرسة حكومية تدرس فيها المناهج والكتب التي تدرس في أي مدرسة حكومية تابعة للجمهورية اليمنية".
ويضيف عبد اللطيف بايعشون (28 عاما)، وهو يعمل في السلطة المحلية في مديرية دوعن التي تضم عشرات القرى المنتشرة على ضفتي الوادي ومنها قرية رباط باعشن حيث قال: "الناس في هذا الوادي بسطاء في المأكل والملبس وهم مسالمون لا يعرفون التطرف وليس لديهم أي نوع من الحدة في التفكير أو السلوك، يعيشون في بيئة معتدلة ومتسامحة ثقافياً ودينياً، وأما أسامة بن لادن فلا أحد يعرفه وهو قد نشأ في بيئة تختلف عن هذه البيئة",
وقال: "هذه المدرسة تلقن دروسا عادية للتلاميذ من أبناء القرية مثلها مثل غيرها من المدارس الحكومية المنتشرة في البلاد، وليست مدرسة دينية ولا مذهبية، والمبنى كما سمعتم كان لعبد الله عوض بن لادن عم أسامة بن لادن وهو مغترب في السعودية ويتلقى أجورا شهرية من الحكومة اليمنية مقابل هذه المبنى مقدارها خمسة آلاف ريال تدفع لوكيله هنا في قرية مجاورة، ويقال أنه خال عبد الله عوض بن لادن".
لمن تقرع الأجراس؟
دق جرس المدرسة ليعلن موعد بدء الحصة الأولى من الدروس خلال الفترة المسائية، وهرع المدرسون ومن تبقى من التلاميذ من حولنا إلى حجرات الدرس، وبقي عدد بسيط من أبناء القرية بجوارنا وكأن لحظة الرحيل قد حانت والخلاصة التي خرجنا بها "هي أن الكبار، الشيوخ والشباب، والصغار من أبناء قرية رباط باعشن لا يتذكرون ولا يذكرون متى هاجر محمد عوض بن لادن ولا يعرفون نجله أسامة بن لادن، ويؤكدون أنهما لم يمدا لهم يد العون والمساعدة، ولم يساهما في أي عمل خيري أو مشروع إنمائي لخدمة القرية وأهلها، وأن ما تبقى من آل بن لادن في قريتهم مجرد أطلال وذكرى تتمثل بمبنى المدرسة والمبنى المجاور له، ولا شيء غير ذلك باستثناء بعض المساهمات الخيرية البسيطة التي قام بها عبد الله عوض بن لادن عم أسامة بن لادن وهم يذكرونه من خلالها ويسدون له الثني والشكر".
ويقول الشاب عبد اللطيف بايعشون "ليتهم - إي محمد وأسامة بن لادن - بثرائهم نظروا إلينا ولو من خلال ثقب صغير وقدموا ما أمكن تقديمه من مساهمة لهذه القرية، لكنهم لم يفعلوا بل هاجروا وانقطعوا عنها، ولم يرجع منهم أحد".(الرأي العام الكويتية)














التعليقات