بعد يومين من زيارة السفير الأميركي لدى أنقرة توم برّاك إسرائيل ولقائه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في ظل أجواء مشحونة بين واشنطن وتل أبيب بسبب ملفي سوريا وغزة، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليذكّر بقراره إبان ولايته الأولى الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967. لم تكن تلك إشارة عرضية، وإنما وردت في سياق الجدل الأميركي-الإسرائيلي حيال النظام الجديد في سوريا، واعتراض ترامب وفريقه على النهج الذي يتبعه نتنياهو منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. نهج استغل الفوضى التي تلت سقوط النظام لاحتلال المنطقة العازلة بموجب اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، والتوغل في أرياف القنيطرة ودرعا ودمشق، والتمركز في قمة جبل الشيخ، فضلاً عن تقديم تل أبيب نفسها حامية للأقليات السورية، ولا سيما الدروز في محافظة السويداء. وبينما سعى ترامب إلى الاستفادة من التغيير في سوريا، كي يدفع النظام الجديد نحو إبرام اتفاق أمني مع إسرائيل، تقدّم نتنياهو بسلسلة من الشروط التي يصعب على دمشق قبولها، مثل جعل الجنوب السوري بكامله منطقة منزوعة السلاح، وعدم الانسحاب من جبل الشيخ، وفتح ممر إلى السويداء. أدّى ذلك إلى جمود المفاوضات التي كانت ترعاها أميركا بين سوريا وإسرائيل. واعتبرت دمشق أن الحد الأدنى للمضي في المفاوضات هو الانسحاب الإسرائيلي إلى خط 1974، مع إرجاء مسألة النقاش في ملف الجولان في الوقت الحاضر. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، عندما صرّح في وقت سابق من الشهر الجاري بأن دمشق لا يمكن أن تمضي في اتفاق أمني مع إسرائيل بينما تحتل أجزاء جديدة من البلاد. وطالب بضرورة عودة الأوضاع على الخريطة إلى "ما كانت عليه قبل 8 كانون الأول 2024". إلغاء قانون قيصر يفتح المجال واسعاً أمام عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا. (أ ف ب) ولكسر الجمود، أتت زيارة برّاك لإسرائيل. وبحسب "القناة 12" الإسرائيلية، فإن نتنياهو أبلغ المبعوث الأميركي أنه يعتزم قريباً تسمية رئيس لوفد التفاوض مع سوريا خلفاً لرون ديرمر، الذي استقال من منصبه. وبعدها جاء تذكير ترامب بقراره الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. وبذلك، أراد الرئيس الأميركي التأكيد على أن الهضبة ستكون خارج التفاوض، على عكس الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد 8 كانون الأول، والتي من شأن الانسحاب منها تمهيد الأرضية للاتفاق الأمني، وفي مرحلة لاحقة توفير الظروف المناسبة لانضمام سوريا إلى الاتفاقات الإبراهيمية. موقف ترامب يتضمن رسالة تطمين لإسرائيل، لعلها تساعد في إعادة الزخم إلى مسار التفاوض مع سوريا. هنا أيضاً، يتعين إمعان النظر في قرار مجلس الشيوخ الأميركي، بعد قرار مجلس النواب، بإلحاح من البيت الأبيض، إلغاء "قانون قيصر" المفروض على سوريا منذ عام 2019. إن إلغاء هذا القانون، ولو جاء مقيّداً بعدد من الشروط، يفتح المجال واسعاً أمام عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا، ويمكن النظام الجديد من المباشرة في عملية إعادة الإعمار. وهذا ما يثبت ترجمة الاحتضان الأميركي للنظام الجديد إلى إجراءات عملية. وفي الوقت نفسه، يبعث برسالة واضحة لإسرائيل بأن مصلحة أميركا في سوريا والشرق الأوسط عموماً تقتضي منها العودة إلى التفاوض مع دمشق، وتسهيل التوصل إلى الاتفاق الأمني.
- آخر تحديث :
















التعليقات