&
&
&
&
كتب سامي كليب: تبدو الأوساط الفرنسية غير متحمسة تماما لجولة طوني بلير في الشرط الاوسط، فرئيس الوزراء البريطاني الذي جاء الى المنطقة اصلا لحماية بلاده من اي ردة فعل عربية او اسلامية على انسياقها الأعمى خلف الولايات المتحدة في الحرب ضد افغانستان ولايصال رسائل اميركية ضرورية لتحييد المسلمين والعرب، لم يحمل بالمقابل معه اية مبادرة جدية بشأن سلام الشرق الاوسط، ولم ينسق بما فيه الكفاية مع حلفائه الاوروبيىن قبل هذه الزيارة، وبالتالي فإن الجولة بدت من المنظور الفرنسي مجرد محطة اعلامية ستنتهي مفاعيلها قبل ان يجف حبر الكلام عنها.
ولو سئل مسؤول فرنسي عن سبب تقدم الدورين الالماني (وساطة بين حزب الله واسرائيل) والبريطاني (جولة بلير) على الدور الفرنسي في المنطقة، وعما اذا كانت باريس لا تخشى فعلا تراجعا لتأثيرها في المنطقة، فإن الجواب يأتي مقرونا بابتسامة معبرة ومفاده ان هذه الادوار هي محض <<اختراعات اوهامكم>> ذلك ان باريس لا تزال في طليعة الدول الغربية من حيث تقديم المساعدات والتحرك غير المعلن على الارض في اكثر من قطاع.
والواقع ان سياسة بلير، أكانت بالنسبة للتبعية الدائمة للولايات المتحدة، او حاليا بشأن الشرق الأوسط، تبدو من باريس اقرب الى البهلوانية المراد منها لفت النظر، اكثر مما تستند الى واقعية، ولاسيما ان فرنسا تمر مع وزير خارجيتها اوبير فيدرين في اكثر فتراتها <<واقعية>> وربما حذرا حيال الشرق الأوسط منذ تقهقرت آمال السلام وعادت لغة الحرب والتصفيات الجسدية هي الأساس.
ولوحظ ان الدبلوماسية الفرنسية التي غالبا ما تشجع الزيارات الاوروبية وتدعم تحركات المبعوثين الاوروبيين (ميغيل انخيل موراتينوس، وخافيير سولانا...) لم تدل بشيء ملحوظ هذه المرة حيال جولة بلير.
واذا كانت فرنسا اتخذت منذ سنوات عديدة، وتحديدا منذ ضربها الارهاب في عقر دارها، اجراءات متشددة حيال تحرك الاسلاميين على ارضها، فهي كانت طلبت مرارا من جارتها البريطانية ان تحد من نشاطات هؤلاء، ولذلك فهي غير مستعدة في الوقت الراهن لان تنساق خلف <<مغامرة>> بلير في الشرق الأوسط المجبولة بالاوهام، فلا شيء حاليا، من المنظور الفرنسي، يسمح بالتفاؤل بتغيير وجهة سياسة ارييل شارون الامنية الخطيرة حتى ولو ان الدور الاميركي بدا اكثر تشجيعا من السابق.
ومن هنا بالضبط ينطلق السؤال التالي: <<فهل ان بلير جاء الى المنطقة برسالة اوروبية ام برسالة اميركية؟؟>> والارجح هو الاحتمال الثاني، فواشنطن بحاجة الى بقاء التحالف الدولي متماسكا حولها، وتريد ضبط الشارعين العربي والاسلامي الى اقصى حد خصوصا قبيل شهر رمضان، وتخاف من تلاشي اكثر من نظام على وقع غليان الرأي العام، فلا بد من دولة لها تاريخ طويل مع دول المنطقة، وقد اثبت بلير انه تلميذ مجتهد ونجيب في هذا المجال، بينما تطلق فرنسا بين الحين والآخر تحذيرات مبطنة عبر فيدرين من خطر اطالة امد الحرب وانحرافها عن اهدافها، وتطالب بحل سياسي سريع وبإنهاء الحرب <<في اقرب فرصة ممكنة>> حتى ولو انها لا تزال تعتبر هذه الحرب <<شرعية ولا مفر منها>>، وتقول ايضا ان بقاء التحالف الدولي متماسكا يتطلب النظر بجدية الى الشرق الأوسط.
لا تحبذ الدبلوماسية الفرنسية كلمة <<تنافس>> حين تعلق على تحركات بعض الدول الاوروبية في المنطقة، فهي مثلا كانت سباقة في فتح العلاقات الجديدة مع سوريا (بينما بلير اكتشف متأخرا جدا اهمية اللاعب السوري في المنطقة)، وهي التي عملت ونجحت في كسر الجليد مع ايران من منطلق <<الحوار النقدي>>، وها هي اليوم تمد خطوطا جيدة مع ليبيا والسودان، بينما الموقف الشجاع لفيدرين في الحديث عن <<دولة فلسطينية عاصمتها في القدس الشرقية>>، رفع السقف الى درجة ما عاد مسؤول غربي آخر يخاطر بأعلى منه.
واذا كانت صحف بريطانيا اعتبرت ان الرئيس السوري بشار الاسد عرف كيف يستغل فرصة زيارة بلير للتذكير بإرهاب اسرائيل والتمييز بين الارهاب والمقاومة (ما اعتبرته هذه الصحف فخا سوريا)، واذا كان الفلسطينيون شعروا بأن بلير خدعهم ولم يصحح الخطأ التاريخي (وعد بلفور)، واذا كانت دول الخليج رفضت الكثير من المطالب الملحة التي حملها رئيس الوزراء البريطاني بوكالة اميركية، فإن السؤال يبدو مبررا ومنطقيا اليوم حول نتائج هذه الزيارة، اللهم اذا ما تم استثناء الخدمة الجليلة لاسرائيل.
لقد اكتشف فيدرين بعد بضع سنوات من العمل الدبلوماسي ان سقف المبادرات مع اسرائيل معروف، وهو اذ كان سباقا في تحميل شارون مسؤولية الانتفاضة الثانية، فإنه ادرك اليوم ان للسلام شروطا كثيرة وابرزها التدخل الاميركي الفاعل وإقامة الدولة الفلسطينية وان تكون عاصمتها في القدس، ووقف الاغتيالات المتعمدة، وشمولية السلام في الشرق الاوسط، واقتناع اسرائيل بوقف المستوطنات بما فيها بدعة <<النمو الطبيعي>>، والتفكير جديا في كيفية حل مسألة اللاجئين، وطالما ان بلير لم يقل ذلك علنا فإنه يبقى في مناخ بلفور وتداعياته.(السفير اللبنانية)
&