العلماء الذين بهرونا بخروجهم فجأة على الرأي العام بوضوح في الحوار وتواضع القبول بأن يكون الإنسان مهما كان نصيبه من العلم مجتهداً يخطئ ويصيب بدلاً من ذلك الحشد للآيات الكريمة والأحاديث النبوية إجابة لأي سؤال دون أن يكون له رأي شخصي ينص على قواعد فقهية ومقارنة لظروف تختلف عن الأخرى، الأمر الذي يجعل خروج أصحاب الفضيلة عبدالله آل الشيخ وزير العدل وصالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدكتور موسى القرني والشيخ عبدالله المطلق والدكتورعبدالحميد شيخ مبارك والدكتور عبدالله العبيد أمين عام رابطة العالم الإسلامي سابقاً والدكتور محمد السالم مدير جامعة الإمام بوضوح عند التخاطب مع الرؤية الاجتماعية في ظروف معقدة ربما تحمل مخاطر تدمير للأمة.. يجعل هذا الخروج بهذه الموضوعية استجابة لم تفتعل ولكن رفعت عنها حواجز المحاذير بل وأدرك الوسط الاجتماعي العام بدءاً بقيادته وانتهاءً بأدنى مراتبه ضرورة أن تُثبت الواجهات الدينية أو على الأصح الكفاءات الدينية لأن بينهم من لا يحتل مراكز مرموقة جدارتها لأن تكون في مستوى معالجة مشاكل المجتمع وريادة الاجتهادات الدينية وتصويب ما هو خاطئ كانت تؤجل حلوله، فإذا به يمارس ضلال التكفير للآخرين.. في هذا الخروج من المألوف التقليدي العام لم نكسب فقط أننا استمعنا إلى آراء دينية متنورة أو أنه بات في مقدورنا أن نقول لأصحاب الممارسات المضللة بأن هناك مرجعيات دينية تحظى باحترام الجميع ولكننا أيضاً بتنا قادرين لأن نتخاطب مع العالم الخارجي بلغة يسهل عليه فهمها.. قبل ذلك كانت المراكز الإسلامية والمجتمعات الإسلامية خارج بلادنا تجد صعوبة في أن تهضم ذلك الانغلاق الذي كنا عليه.. الأمر الذي جعل ذلك الإنغلاق وعبر عشرات السنوات يصاغ عند الآخرين بأنه وجود مذهب سني خامس عرف ب"الوهابية" الأمر الذي جعل مؤلفاً مهتماً بتدوين التراث هو عزيز العظمة عند اصداره مؤلفه عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب في فبراير من العام الماضي يذكر في مقدمته ما معناه انه لو لم تتوافر لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب قوة شخصية استثنائية تمثلت في الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لما أمكنها أن تتواصل في القرن العشرين لغربتها عن المستحدثات العلمية والحضارية التي طرأت فيه.. هذه الرؤية سليمة على المسار الاجتماعي لكنها على المسار العقائدي خاطئة تماماً لأن المذهب الحنبلي الذي اختاره الشيخ هو من أكثر المذاهب انفتاحاً وتسهيلاً، أما أن يكون هناك انغلاق اجتماعي فأمر لا يحاسب عليه مصلح مر على وفاته ما يقارب القرنين حيث ملأ هو عصره الذي عاش فيه ويحاسب على الانغلاق من توازعوا شؤون علوم الفقه والقضاء في مختلف المدن. إن ما يطرح الآن من آراء إسلامية متنورة ويدلل به رجال متخصصون من كفاءة فهم وتيسير علوم الدين إنما هو في الواقع تبرئة غير مباشرة لما قيل أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قد ابتدعه من مذهب خامس.. لقد كان المألوف الديني والاجتماعي في السابق عاجزاً عن مجاراة القرار السياسي الذي يأتي أحياناً مخذولاً بضعف التلقي الاجتماعي لتباين المسافة بين حقائق العصر وحالات الانكفاء خوفاً من تلك الحقائق. وقد مرت بنا بعض حالات مما يشبه التصادم بين مستقبل علمي وحضاري نريد أن نتجه إليه وبين تقوقع منغلق يخاف الخروج من مغارة التخلف ويريد أن يبقينا معه ولم تكن هناك آراء مدعومة بالثقافة والوعي إن لم تنجح في إقناع ذلك الانغلاق فهي قادرة على حماية البسطاء من تحريضه..(الرياض السعودية)