دمشق ـ من محمد عبدالوهاب‏:‏حذر نائب رئيس الجمهورية السوري عبدالحليم خدام من أن العالم قد دخل إلي حرب عالمية جديدة يعرف بدايتها ولكنه لايعرف نهايتها‏,‏ وقال أن أحداث‏11‏ سبتمبر في نيويورك وواشنطن قد تركت آثارها السلبية علي المنطقة العربية وقضاياها‏.‏
وأضاف أن من آثار هذه الحرب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم‏1373‏ الذي صدر في مناخ مشحون وهو يعطي الحق لأية دولة أن ترد بالعمل العسكري ضد دولة أخري تشتبه بوجود منفذي الأعمال التي تمت ضدها علي أراضيها وقال إن هذا القرار هو بمثابة قانون طوارئ للعالم خاصة إنه ليس كغيره من قرارات مجلس الأمن فهو صادرا استنادا إلي الفصل السابع بما يجعله ملزما علي قاعدة التدابير والإجراءات بما فيها العمل العسكري‏,‏ وحذر خدام من أن هذا القرار يعطي اسرائيل غطاءا شرعيا لضرب أي بلد عربي تحت مسمي مكافحة الإرهاب‏,‏ وجدد خدام ـ في لقائه بعدد من الصحفيين والكتاب العرب الذين يزورون سوريا بمناسبة الذكري الحادية والثلاثين للحركة التصحيحية ـ ادانة سوريا للأعمال الارهابية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن في الوقت نفسه أشار إلي ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل ولايستطيع العالم أن يوقفه مؤكدا رؤية سوريا القائمة علي ضرورة احترام قرارات الشرعية الدولية‏,‏ فالمرحلة التي يعيشها العالم الآن ليست مرحلة حروب عسكرية وطالب بحشد القوي العربية لمواجهة التحديات‏,‏ مؤكدا أنه لاسبيل إلا ببناء نظام عربي جديد وأن الدول العربية عليها أن تقدم دعمها للأمي العام للجامعة العربية لمساعدته في بناء هذا النظام الذي يستطيع أن يحقق الحد الأدني واللازم لحشد القوي العربية‏.‏
وعن الدعوة إلي اقامة الدولة الفلسطينية من قبل بعض الدول الغربية قال خدام هذه وعود نرحب بها ولكنها مجرد وعود كلامية غير مبنية علي تصور واضح ومحدد وله جدول زمني‏,‏ ونحن العرب نعيش في هذه الوعود منذ مطلع القرن العشرين‏,‏ من وعد الدول الغربية للشريف حسين بإقامة دولة عربية بينما الاتفاق يتم علي اتفاقية سايكس بيكو‏,‏ إلي الوعود التي أغرقت بها المنطقة العربية بعد الاجتياح العراقي للكويت ولم تسفر عن شيء‏.‏
وعن التهديدات التي توجه إلي حزب الله قال نائب رئيس الجمهورية السوري ليس المقصود حزب الله بذاته‏,‏ ولكن المقصود هو سوريا ونحن نتعامل مع هذا الأمر في ضوء مصالحنا وفي ضوء سيادتنا وإذا تحول الكلام إلي فعل فإننا سندافع عن انفسنا بالامكانيات المتاحة وأعتقد أنه لن يكون هناك عمل عسكري ضد دولة عربية‏,‏ لأن أي عمل عسكري ضد دولة عربية أو اسلامية سيكون له انعكاسات خطيرة اقليمية ودولية‏.‏
وعن امكانية مشاركة سوريا في قوات اسلامية تحفظ الأمن في كابول بعد سقوطها قال خدام نحن لسنا معنيين بهذا الأمر ولم يعرض علينا ولن نقبله‏.‏
وشدد خدام علي أن سوريا تري أن الوعود الغربية بإقامة دولة فلسطينية هي وعود ناقصة وقال أن الحديث الآن عن إقامة دولة فلسطينية‏,‏ ولكن أي دولة وأي حدود وفي أي سيادة‏..‏ وكيف يمكن الاتفاق بين طرفين‏:‏ طرف يملك كل وسائل القوة وطرف لايملك إلا ارادة المقاومة والقتال والاستشهاد؟‏,‏ مؤكدا أن الأمة العربية لن تستطيع تحقيق أي مكسب حقيقي في الصراع مع اسرائيل إلا بعد تصحيح الأوضاع العربية‏.‏
وعن العلاقة مع السلطة الفلسطينية وزيارة رئيسها ياسر عرفات إلي سوريا قال خدام لقد تم ترتيب زيارة رئيس السلطة الفلسطينية إلي دمشق وتم تحديد موعد وبعد أن كنا في انتظاره جاءه موعد مع بيريز فاختار أن يلغي زيارة سوريا ويلتقي مع بيريز‏..‏ وأضاف‏:‏ إننا في سوريا مرتبطون بالقضية الفلسطينية وهي قضيتنا القومية بغض النظر عن أشخاص القادة‏,‏ واستنكر خدام شيوع قاعدة موافقة العواصم العربية علي ما توافق عليه منظمة التحرير الفلسطينية إيثارا للسلامة‏,‏ وقال‏:‏ إذا كنا نحن كدول عربية في حال انفرادنا عاجزين عن مواجهة إسرائيل فهل تستطيع منظمة التحرير مواجهة اسرائيل وحدها؟ وشدد خدام علي ضرورة إعادة البعد القومي للقضية الفلسطينية مذكرا بأن الفلسطينيون عندما خاضوا تجربة العمل وحدهم انتهوا الي اتفاقية أوسلو التي لم تسفر إلا عن اعتراف منظمة التحرير بشرعية اسرائيل‏.‏ وكشف خدام النقاب عن أن سوريا قامت بجهد لتقريب وجهات النظر بين مصر وإيران ونجحت سوريا في أن تحقق تقدما في هذا المجال ولكنه استبعد قيام تحالف بين سوريا ومصر وإيران وقال إن مثل هذا التحالف فضلا عن إنه يتجاهل قوي اقليمية مؤثرة في المنطقة فإنه لن يساعد علي تحقيق الأهداف العربية ولكن دعا في الوفت نفسه إلي قيام علاقات عربية ـ إيرانية مميزة لصالح الطرفين مشيدا بمبادرة الرئيس الإيراني خاتمي المبكرة للحوار بين الحضارات بديلا عن فكرة صراع الحضارات‏.‏
وعن الانتفاضة الفلسطينية دعا نائب رئيس الجمهورية السوري عبدالحليم خدام إلي ضرورة دعمها ومساندتها فهي القوة والأداة التي تملكها المنطقة العربية الآن وقال لقد كان الصراع بيننا وبين اسرائيل دائما هو صراع قوة مقابل قوة‏..‏ طائرة أمام طائرة‏..‏ ودبابة في مواجهة دبابة‏,‏ ولم نستطع أبدا أن نكون سابقين لإسرائيل في التسلح والمساندة الدولية‏,‏ وأهمية الانتفاضة أنها استخدمت سلاحا لاتملكه اسرائيل وهو سلاح إرادة المقاومة والشهادة وقد ثبت أن اسرائيل لاتستطيع مقاومة هذا السلاح وتجربة جنوب لبنان لم تزل في الذاكرة عندما أصبحت الدعوة إلي الانسحاب من جنوب لبنان قاسما مشتركا لكل القوي والأحزاب الإسرائيلية‏,‏ ولا تنس أن هناك جمعية اسرائيلية هي جمعية الأمهات الأربع بذلت كل جهدها داخل المجتمع الإسرائيلي للانسحاب من لبنان وكان هذا بمثابة تحول في الصراع العربي ـ الإسرائيلي مؤكدا أن الأمر يحتاج إلي تقديم الدعم للانتفاضة وكثير من الصبر‏.‏ وشدد خدام علي ضرورة التفرقة بين المقاومة للاحتلال والارهاب وقال في حالة كالصراع العربي ـ الإسرائيلي وإسرائيل تدعمها الولايات المتحدة ومساندة دولية وتملك تفوقا عسكريا واقتصاديا وترفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ولاتعبأ بالضغوط الدولية‏..‏ كيف يمكن مقاومتها وكيف يمكن لشعب أن يحرر أراضيه؟‏!‏
ودعا خدام إلي ضرورة رفع الحصار عن العراق وضرورة عودته إلي الصف العربي مؤكدا موقف سوريا الرافض مع الإجماع العربي لأي عمل عسكري ضد العراق في إطار ما يسمي الحملة علي الإرهاب‏.‏ ونوه خدام إلي أن بعض البلاد العربية قد قبلت المشاركة في عمليات التحالف ضد الإرهاب بأشكال مختلفة لرفع الحرج عن الأقطار العربية وتخفيف الآثار السلبية لأحداث سبتمبر علي المنطقة العربية ودعا إلي بذل جهد عربي مشترك ومكثف لوضع تعريف محدد للارهاب يقره المجتمع الدولي ويوافق عليه ويلتزم به‏.‏
وعن فاعلية دور الاتحاد الأوروبي قال انه يدرك أكثر فأكثر خطورة الوضع في المنطقة وانعكاسه علي مصالحه ولذلك يركز جهوده علي ضرورة ايجاد حل نهائي للصراع حفاظا علي مصالحه لكنهم يحاولون أن يحافظوا علي حالة من التوازن‏,‏ ونوه خدام إلي أن أوروبا تستطيع أن تمارس ضغوطا علي اسرائيل من الناحية النظرية لأن‏60%‏ من التجارة الإسرائيلية تتم مع أوروبا ولكن في الواقع العملي لاتستطيع أوروبا أن تفعل هذا لارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة الأمريكية‏.‏
وعن الأوضاع الداخلية في سوريا أشار نائب رئيس الجمهورية السورية إلي حكومة جديدة يجري دراسة تشكيلها في قيادة الحزب الحاكم منوها إلي أن هذه الحكومة ستكون مهمتها قيادة مشروع تنموي كبير ونهضة اقتصادية مأمولة‏,‏ وسيكون أمامها برنامج كبير لتطوير الاداء الحكومي والقضاء والبنية التعليمية‏,‏ وقال أن سوريا تواجه تحديات كبيرة وهي تعيش الآن تحت قيادة الرئيس بشار الأسد مرحلة جديدة وهي ليست جديدة في المبادئ ولا في القواعد ولكنها مستندة عليها وهي قاعدة التغيير والتطوير المستمر وهو ما أعلنه الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم أمام مجلس الشعب عند توليه المسئولية وكان بمثابة برنامج سياسي‏.‏
وأعلن أن مؤتمر الحزب الحاكم قد اتخذ عدة قرارات تتعلق بالسياسات الداخلية والبنية الأساسية للبلاد وحدد مفاهيم جديدة لسياسات ثابتة‏,‏ والهدف الأساسي هو تحقيق التوازن الاقتصادي لأن القضية الاقتصادية تحتل الأولوية الأولي‏,‏ وهو ما يستلزم وضع خطة تنمية طموح يتحقق فيها قدر كبير من المشاركة الشعبية وتشجيع الاستثمارات التي لاتمس السيادة وأشار إلي أن الحكومة السورية واعية للاستثمارات التي تهدف إلي تحقيق أهداف اقتصادية وتلك التي لها انعكاسات سلبية علي السيادة الوطنية‏.‏
وقدم عبدالحليم خدام مراجعة سريعة للثلاثين عاما الماضية منذ قيام الحركة التصحيحية وقال إن الاحتفال بها هو ليس احتفالا بمرحلة مضت ولكنه احتفال وحديث عن تجربة بأشكالها وانعكاساتها‏,‏ فجوهر حركة التصحيح هو التغيير ولكنه ليس تغيير الأشخاص والقيادات ولكنه تغيير المفاهيم والثقافة‏.‏
واستعرض انجازات وسلبيات المرحلة الماضية موضحا أن هناك رؤي تغيرت سواء في الداخل أو في الخارج‏,‏ وقال قبل حركة التصحيح كانت علاقتنا العربية مبنية علي فهم نظري‏,‏ فكل من لايشاركنا مفاهمينا كنا نعتبره خصما‏,‏ وكانت علاقتنا العربية مجمدة مما أدي بنا إلي الدخول في معارك هامشية وأضعف قدراتنا‏,‏ ولكن بعد حركة التصحيح اعتبرنا أن التضامن العربي مسألة أساسية وحتمية لمواجهة المشروع الصهيوني فتحسنت علاقتنا مع جميع الدول العربية‏,‏ وقال‏:‏ لقد شهدنا ظروفا صعبة في السبعينيات والثمانينيات خرجنا منها بكثير من الانجازات وقدر من الانتكاسات وكنا حريصين دوما علي تصحيح الوضع العربي وإزالة الخلافات وعدم الدخول في معارك هامشية‏,‏ وعانينا من الصراعات التي دارت في الاقليم العربي وفي مناطق مختلفة وكان حرصنا ألا نندفع إلي موقف خاطئ‏.‏ وعانينا في سوريا‏,‏ مثل كل الوطن العربي‏,‏ من جراء الحرب الباردة وانقسام العالم إلي معسكرين‏,‏ مثلما نعاني الآن من آثار انهيار الاتحاد السوفيتي والعولمة وسيطرة فكرة القوة العظمي‏.‏ وأوضح نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام أن سوريا‏,‏ تحاول الخروج من آثار السنوات الماضية الصعبة التي قلت فيها كمية الأمطار وأث
رت علي حجم الانتاج الزراعي مشيرا إلي أن معدل الزيادة السكانية في سوريا والذي يبلغ نصف مليون نسمة كل عام يستلزم بذل مزيد من الجهود التنموية للارتفاع بمستوي حياة المواطنين‏.(الأهرام المصرية)‏