&

اذا اخذنا القوة الجوية الاميركية الضاربة، واضفنا اليها القوات المحلية الضخمة التي تقودها قوات خاصة تابعة لدولة مصممة على التمسك بارادتها (الولايات المتحدة) ثم وضعنا كل هذه القوة العسكرية في خدمة شعب مقهور يتطلع ويتوق الى الحرية، فإن النتيجة النهائية لما يمكن ان نسميه: "دمج القوة مع العدالة"، ستكون اطاحة النظام الاستبدادي.
هذا تحديدا هو الدرس الذي اتضح من خلال مسار المعركة التي دشنت الحرب الاولى في الالفية الثالثة. لقد هيأ القادة العسكريون الشعب الاميركي لشتاء افغاني دموي وطويل ستكون القوات الاميركية جزءا اساسيا منه. اما المؤرخون الاميركيون فهم من جانبهم راحوا يذكرون الشعب الاميركي بهزيمة البريطانيين في افغانستان في القرن التاسع عشر، وبالمستنقع الذي غرق فيه السوفيات قبل فترة وجيزة، خلال حقبة الثمانينات من القرن الماضي. غير ان ضخامة هجمات 11 سبتمبر لم تترك مجالا للشك في حاجة الولايات المتحدة للاقدام على القتال.
ولو ان حجم الدمار الذي نقلته شاشات التلفزيون ادى الى احداث تغيير في الرأي العام ضد الولايات المتحدة، ولو ان حجم خسائر الولايات المتحدة في افغانستان راح يتصاعد من دون اي امل في ظهور نتيجة ايجابية في نهاية الامر، فإن هواجس الشك ربما كانت ستنتشر بسرعة.
ان الامر المثير للاهتمام هو ان هواجس الشك هذه ظهرت قبل ما يزيد على عقد تقريبا، وتحديدا في 1990 خلال ولاية الرئيس بوش الاب، اذ انها سرعان ما ظهرت فور اعلان الرئيس آنذاك ان "الغزو العراقي للكويت لن يصمد". فمثلما حدث في الآونة الاخيرة، وجد الاميركيون انفسهم يستمعون الى التحذير من ان الجيش العراقي يعتبر اقوى جيوش العالم الثالث، وانه لا بد من تحشيد تحالف دولي ضخم للتمكّن من هزيمة ذلك الجيش واخراجه من الكويت، وانه ايضا لا بد من حشد نصف مليون جندي اميركي لتحقيق هذا الهدف.
لكن الذي حدث هو ان حملات التخويف تلك من ضخامة الجيش العراقي اثبتت عدم صحتها، وشاهدنا كلنا كيف فرت قوات صدام حسين، بما فيها عناصر الحرس الجمهوري، من الكويت بعد تعرضها لأول ضغوط الحرب.
هناك مثال آخر قريب. ففي تجربة كوسوفو جرى ذلك الجمع بين القوة والعدالة، فاثبت فعاليته ايضا، اذ ان الضربات الجوية القوية والتحركات الواسعة للقوات الارضية الى جانب الاستياء المحلي ادت في مجملها الى اخراج القوات الصربية من كوسوفو.
يبدو الآن ان قادة طالبان و"ضيوفهم "من منظمة القاعدة قد انقلبوا على بعضهم البعض. وكان الرئيس بوش قد اظهر خلال حديثه عن تصميم الولايات المتحدة على تعقب منظمة القاعدة وزعيمها اسامة بن لادن، ان اولوياته تسير كما خطط لها. والحق ان وزارة الدفاع الاميركية (البنتاجون) لها ان تفخر بما تم تحقيقه حتى الآن، فالاستراتيجية التي وضعتها اثبتت نجاحها، كما ظهر الوزير دونالد رمسفيلد بصفته ابرز شخصيات ادارة الرئيس بوش واكثرها صلابة.
ان اطاحة نظام طالبان كانت بمثابة خطوة اولى مهمة لالقاء القبض على اسامة بن لادن واتباعه، وبمجرد الانتهاء التام من تحقيق ذلك، سيتحول الاهتمام الى ما تعتبره ادارة بوش "المرحلة الثانية"، أي انهاء المهمة التي لم تكتمل قبل عشر سنوات، وهي القضاء على خطر امتلاك العراق للاسلحة النووية والبيولوجية، خصوصا ان بغداد اصبحت الآن المركز العالمي لارهاب الدولة، كما ان صدام حسين هو فقط من يملك القدرة والارادة المجربة من قبل في تدمير المدن ونشر الاوبئة بين الناس.
بعض مستشاري بوش بادروا الآن الى نصحه باستغلال اجواء الشعبية التي يحظى بها عشية انتصار الولايات المتحدة في معارك افغانستان والاستفادة منه في دعم افكاره الداخلية، فيما نصحه آخرون في "معسكر التأجيل" بالانتظار حتى ظهور دليل على تورط صدام حسين في هجمات 11 سبتمبر.
لكن هناك نظرة اكثر واقعية حول مدى الخطورة التي يشكلها صدام حسين عبرت عنها مستشارة الرئيس بوش لشؤون الامن القومي، غونداليزا رايس، خلال برنامج "واجه الصحافة" التلفزيوني الذي بث يوم الاحد الماضي. فقد قالت رايس: "لسنا في حاجة الى احداث 11 سبتمبر لتذكيرنا بخطورة صدام حسين على شعبه وعلى المنطقة وعلى الولايات المتحدة".
هذه اشارة واضحة، في ما يبدو، على ان ثمة قرارا اتُخذ بالفعل لاستخدام ثنائي "القوة والعدالة" في اطاحة نظام صدام حسين. واذا كانت رايس تعكس طريقة تفكير الرئيس، فإن "المرحلة الثانية" باتت مسألة وقت فقط.
الحقيقة هي ان التوقيت امر حاسم، فهذه لحظة ينبغي اقتناصها، ولا شك ان عددا من الدول العربية يدرك حاجته الى ان يكون في الجانب المنتصر.، كما ان الدول الاوروبية، من جانبها، تعرف ان المد قد تغير، اما تركيا العلمانية في على استعداد للبحث في الامر.
لقد وصف بوش الاب الزخم السياسي بـ "الزخم الكبير"، إذ ان لا شيء يوفر الدعم والمساندة مثل الاحساس بالحتمية. كل ذلك متوفر امام بوش الابن في الوقت الراهن، فهل يستفيد من الزخم الحالي واجواء التغيير بغية تحقيق الاهداف المطلوبة؟ دعونا نأمل انه سيتذكر قول وليام شكسبير: "هناك تيار في حياة الرجال إذا أحسنوا الاستفادة منه في الفيضان فانهم يجنون افضل الحظوظ".
*كاتب اميركي ـ خدمة "نيويورك تايمز" ـ خاص بـ "الشرق الأوسط"
&