&
ما دام شيء ما قد بدأ يتغيّر أخيراً في دمشق، فتحدّث رئيسها للمرة الاولى بلغة قاربت الشفافية عن "المحرمات" في ماضيه، ولفظ كلمة "1982" بما يفيد انها كانت خطأ... ثم اعقب ذلك، وقد استراحت نفسه وانفرجت من "الاعتراف"، فأعلن اطلاق سراح عدد غير قليل من المعتقلين نتيجة حوادث حماه، ومنهم من امضى في السجن عشرين سنة ويزيد، وهم، كالفوج السابق من أسابيع، ينتمي بعضهم الى الشيوعية في حين تنتمي أكثريتهم الى الاخوان المسلمين...
* * *
ما دام هذا "الشيء ما" قد تغيَّر في عاصمة الأمويين، فـ"سائليني يا دمشق"...
المنتظر منكِ اليوم ان تتولي انتِ، بكل ما عندكِ... مما ليس عند دولتك العلية في لبنان التي اختلطت عليها المفاهيم والمقاييس التاريخية، فظنت ان الجيش اللبناني هو الذي حرر لبنان عام ،1943 فجعلت عيد الاستقلال عيداً للجيش وحيث هو، لا حيث يجب ان يكون... وتراءى لها ان "الطلاب" - وهم كيان تاريخي مستمر - ليسوا هم الذين تظاهروا وواجهوا المستعمر الفرنسي بصدورهم وتحمّلوا رصاص جيش الاحتلال، وسقط منهم شهداء، تماماً مثل الشهداء الذين يسقطون في المواجهة مع اسرائيل... فوجّهت عسكرها ضدهم لترهبهم وكأنها هكذا في عيد الاستقلال الذي هو عيدهم تريدهم ان يتدجّنوا كالنعاج (وهم لا يتدجّنون!) وينسوا انه لا يزال في وسع جيلهم الطالع ان يستعيد هو وحده الاستقلال، ومن غير جميل الجيش ولا منّته، لأن الجيش أصلاً لم يكن آنذاك موجوداً!!!
ما دام شيء ما تغيّر في دمشق الشام للخير، وانقلبت وتغيّرت مقاييس الخير شراً في بيروت، المتلطّية ظلماً بسوريا وجهلاً!!!
فنداؤنا اليوم الى دمشق ان تستكمل الطريق وتتزعم هي حركة حماية& فلسطين الشهيدة ولملمتها ولملمة اشلاء دولتها العتيدة التي كان يجب - لو عقل عرفات وادرك وتشجع وتحرّر - ان يعلنها من ثلاثة اربعة اسابيع قبل ان يصبح في متناول اجرام شارون الارهابي منعها من الحدوث.
* * *
ماذا في وسع سوريا ان تفعل؟
في وسعها نيابة عن العرب والفلسطينيين، وقبل استكمال اميركا انتصارها المجنون على الارهاب الذي اصطنعته هي اصلاً في افغانستان، لتنصرف الى بغداد وربما سواها... لتثبت ان قسمة العالم قسمين هي في نظرها بين عالمين:
عالم "شمال" هو وحده الذي ينتصر، ولو زوراً وعربدة وارهاباً... ومنه اسرائيل!
وعالم تعس مغلوب على أمره، ولو كانت الحقوق حقوقه والارض ارضه والبطولات بطولاته، صار أليف الهزيمة يهواها وكأنها الشهادة، مفطوراً على الرفض، حتى حين يكون الانتصار ممكناً...
* * *
اذاً، نكرر، ماذا في وسع بشار الاسد، رئيس التغيير، ان يفعل؟
أولاً: يعلن ان جولة المندوبين الاميركيين مرفوضة وفي غير محلها لأنها آتية للمفاوضة في وقف اطلاق نار رفضته وخرّبته اسرائيل... وهي لن تتقيّد به، فلماذا المفاوضة به اصلاً؟...
ففي احسن الحالات، يستقبل العرب المندوبَين اذا حققا وقف اطلاق النار قبل الوصول الى المنطقة، والا، فمع السلامة!
نقول ذلك لأننا نعرف ان سوريا اليوم وحدها القادرة على التوجه بهذا الكلام الى اميركا... ولا كلام سواه يمكن ان يفرض على اميركا احترام العرب والبقية الباقية من كرامتهم، فضلاً عن دمائهم واجسادهم واشلاء ارضهم بل واشلاء مجاهديهم.
* * *
ثانياً: يتوجه الرئيس الشاب الى عمان الاردن للتشاور مع الملك الشاب نظيره وليطلب منه توجيه الكلام اياه الى واشنطن، واكثر. ثم يتوليان معاً تثوير الفلسطينيين في الاردن، وهم الاكثرية، انما بمشاركة سائر الاردنيين... ثم، من بعد، تثوير الفلسطينيين في سوريا، قبل ان يبلغ بهم الغضب هنا وهناك وهنالك حد الثورة على الانظمة العربية، ثورة بديلة من الثورة على اسرائيل واميركا.
ثالثاً: يتفاهم الرئيس البشار مع الملك عبدالله الثاني على دعوة أبي عمار الى عمان للتفاهم معه على خطة تُعرض على الدول العربية الاخرى - في ضوء مشاورة القاهرة لدمشق دون سواها - فنرى أية عاصمة تنضم وأية عاصمة تتجرّأ فترفض، وتواجه ثورة شعبها عليها.
* * *
رابعاً: أول الخطة تتويج أبي عمار رئيساً للدولة الفلسطينية ولو في المنفى... وهل عمان منفى؟ واعلان شروط للمفاوضة مع اسرائيل على اساس ان توقف قبل المفاوضة، لا بعد جعلها مستحيلة، اعمالها الارهابية التي يتولى العرب التشهير بها. ويكرر ابو عمار والملك الاردني والرئيس السوري انهم لن يستقبلوا المبعوثين الاميركيين المشؤومي الذكر اذا استمرت اسرائيل تطلق ولو طلقة واحدة.
خامساً: يدعو مؤتمر عمان هذا الجنرال باول الى الحضور شخصياً الى المنطقة، لا مجرد مندوبين امنيين مجهولي الصلاحيات... هذا اذا اراد ان تكون ثمة مفاوضات تشترك فيها وتشارك في رعايتها حكومته.
سادساً: يسلّم المؤتمرون في عمان مذكرة رسمية بهذا المعنى الى حكومة موسكو،& بوصفها الدولة العظمى الاخرى صاحبة المشاركة في رعاية مؤتمر مدريد، والى اوروبا لتشارك، والى الأمم المتحدة لتتولى تنظيم مؤتمر سلام دولي هذه قواعده... وتسبق ذلك اذذاك قمة عربية في دمشق او عمان (كان يمكن ان تكون في لبنان، لو لبنان كان لا يزال حراً مستقلاً) لتنسيق المواقف.
* * *
وبعد، ماذا لو رفضت أميركا؟
الجواب: لن ترفض، في اسوأ الحالات ستفاوض على الصيغة من هنا، والشروط من هناك.
ولا بأس. في ذلك استرداد لدورنا العربي مع فلسطين وفي مساندتها، فلا تظل هكذا "متروكة" فريسة الارهاب "سائبة" لا تملك غير دفن موتاها والبكاء على الاطلال!!!
وكي لا تستمر الثورة مآتم، والحرب بيانات...
* * *
وبعد، ماذا يجدي العرب اذا هم خسروا فلسطين وكرامتهم ومركزهم في التاريخ المقبل على التاريخ، بدل ان يجازفوا؟...
يجازفون بخسارة ما هم خاسروه على كل حال، اذا لم يفعلوا شيئاً.
الكلمة لك يا سيادة الرئيس الذي اطلقت ولو فوجاً من الأحرار، فاستحققت هكذا الأمل بالاكثر والأرفع والأجدى.
والكلمة من بعدك، ومن اجل نجاحك باسم العرب، الكلمة للذين ينادون الموت والشهادة تناديهم.
الاّ ان الشهادة مع نصرٍ هي أعظم عند الانسان، كما عند الله، من شهادة و... زوال!!!(النهار اللبنانية)
&