&
في احد سكتشات الممثل المعروف ياسر العظمة يحادثه احد رجال المخابرات قائلا له: اننا نعلم كل شيء تفعله، ندري مع من حكيت وماذا قلت ونعرف ماذا قالت زوجتك لزوجة الجيران ونعرف حتى كم ملعقة سكر وضعتها في كأس الشاي. وامام هذا الانتهاك الشخصي يثور العظمة على رجل المخابرات فيصرخ فيه محتجا: اذا كنتم تعلمون كل هذا فلماذا لا تعلمون عن القضاة الذين يرتشون والسياسيين الذين يسرقون وو...
ولانها كلمات جارحة جدا سألت وزير الاعلام السوري الدكتور عدنان عمران ان كانت تلك الحلقة تحديدا قد بثت ايضا على المحطة الارضية لا الفضائية السورية فقط، فأكد انها بثت كاملة كما شاهدها العرب في كل مكان. وسألت احد السياسيين السوريين حول هذا النقد القاسي الذي يذاع فقال ان طروحات العظمة الناقدة لها شعبية كبيرة في الداخل، وقال: الا تعتقد انها اكثر صدقا من بيانات المثقفين التي لا يقرؤها الا قلة من الناس؟! قلت: في الحقيقة انها اكثر حدة من بياناتهم ايضا. فنقد الامن والقضاء والوزراء دفعة واحدة لقمة عسيرة الهضم على النظام في أي مكان في عالمنا العربي وتسن السكاكين الحادة على فاعله.
ومع احترامي للمثقفين الذين يسعون للوصول الى آذان الناس وعقولهم فان مجرد اصرارهم على الحديث من فوق وفي اطار الوصاية على المجتمع وحتى على النظام يجعلهم منبوذين ومشكوكاً في نياتهم، في حين ان "مرايا" او مثيلتها في السعودية "طاش ما طاش" وما شابهها من كوميديا سياسية اجتماعية اوضح في تعبيرها عن مشاعر الأكثرية واكثر صدقا في مقاصدها ايضا. وقد يقول قائل ان الكوميديا التلفزيونية لا تضع حلولا ولا تقدم مشروعا سياسيا، وهذا ليس صحيحا. فان كان الهدف هو التعبير عن مكنونات الناس فقد لمسنا تعبيرا صارخا في طروحات الممثلين واذا كان الهدف ايضا الاصلاح لا التنفيس فقط فان الاجهزة المعنية لا تستطيع تجاهل الرأي العام الذي يشاهد اخطاءها عارية. هذا النقد إما ان يقوي النظام باصلاحه او يضعفه عندها يتحول النظام الى مجرد متفرج فقط.
والحديث عن مرض الرشوة، او فساد الواسطة او حتى الروتين الذي هو اسوأ امراض الحكومة، ليس مزاحا تلفزيونيا بل حقيقة يعاني منها الناس، وعندما تصور في اقسى مشاهدها تهز المشاهد المسؤول وترضي المتفرج. هذا الحديث عن مخالفات الدوائر الرسمية تلك التي عادة فوق النقد يعطي الناس ثقة في نظامهم ويضع النظام ايضا في موقف حرج امام مواطنيه، فهو لم يعد يستطيع ان يدعي الجهل ولا يكفيه ان يضحك مع المشاهدين فقط.(الشرق الأوسط اللندنية)
&