بعد موعد الإفطار بوقت كاف‏,‏ وقبل أن تبدأ المدفعية الثقيلة لمسلسلات التليفزيون الرمضانية‏,‏ أي في تلك اللحظات الهادئة الفاصلة بين امتلاء البطون وفراغ العقول‏,‏ دق جرس الباب‏...‏ وهرعت سيدة البيت تفتحه لتجد أمامها فتاة صينية الملامح‏,‏ يصعب تقدير عمرها‏,‏ ولكنها بين العشرين والثلاثين‏.‏
تحمل بين يديها كيسا أسود‏...‏ مثل الأكياس التي تستخدم في جمع القمامة في البيوت‏..‏ ومن فتحة الكيس برزت أشياء ملونة تقطع بأن الكيس يحتوي علي أشياء أخري أبعد ما تكون عن القمامة‏..‏ وفي لغة عربية مكسرة عرضت الفتاة علي ربة المنزل ما تحمله من سلع صينية‏...‏
أشياء صغيرة تبدأ من البلوزات الحريمي والشيلان والجوارب وأغطية الرأس الحريرية الملونة وأدوات التجميل الزهيدة الثمن والجميلة المظهر‏,‏ ومن المساحيق والكريمات والعطور إلي آخر ما يمكن أن يخطر علي البال من خردوات وسلاسل وحلقان واكسسوارات وأسلاك كهربائية رفيعة لتزين أشجار عيد الميلاد‏....‏ كلها نوعيات من السلع الصغيرة البراقة التي تفنن الصينيون في صنعها‏,‏ وتقليدها وإغراق أسواق العالم بها‏...‏ وهي الأشياء نفسها التي تعشق الفتيات والسيدات عندنا تمضية الساعات في تقليبها وشرائها سواء كانت هناك حاجة لها أم لا‏...‏
كنت قرأت في إحدي الصحف قبل أسابيع أن أحد رؤساء اللجان في مجلس الشعب‏,‏ تعرض لتجربة من النوع نفسه‏,‏ ثم قرأت بعد ذلك أن المسئولين استيقظوا فجأة ليجدوا أن غزو السلع المهربة وصل إلي الركب علي حد التعبير المشهور‏..‏ وأن المسألة لا تتوقف عند حد الفانوس الصيني الذي يغني أغاني شعبان عبدالرحيم‏,‏ ولكنها تتجاوزه إلي الملابس والمنسوجات بكل أنواعها‏.‏
وقد تنبهت الدولة أخيرا إلي هذه الظاهرة‏...‏ وتنصرف الجهود الآن إلي آتخاذ إجراءات لمواجهة ظاهرة التهريب‏,‏ بسد المنافذ التي تسمح بتسرب هذه السلع سواء بالتهريب عن طريق الجمارك أو كما رأينا عن طريق إغراق الأسواق بعشرات من تجار الشنطة الصينيين الذين يدخلون البلاد بسهولة شديدة ويتجولون فيها بحرية كاملة‏.‏
وفي اعتقادي أن المنع وإغلاق المنافذ وحده لا يكفي‏..‏ فمن الواضح أن كثيرا من السلع الصينية لها شبيه من المنتجات المصرية‏,‏ ولكنها في واقع الأمر أقل جودة وأغلي ثمنا وتفتقر إلي التجديد والابتكار‏..‏ وينبغي أن نواجه الحقيقة‏,‏ وهي أن كثيرا من المنتجات المصرية يكون إنتاجها في البداية علي مستوي عال من الجودة‏,‏ ثم لا تلبث أن تفقد بعض مميزاتها سعرا وجودة‏,‏ وهو ما يجعلها اقل قدرة علي المنافسة أمام السلع الصينية‏,‏ وغيرها في الأسواق المحلية والخارجية‏.‏
وهذه هي المشكلة التي يجب أن تجد لها وزارة الصناعة حلا‏!!‏(الأهرام المصرية)