متابعة : نبيل شرف الدين
في ما بدأت طائرات إسرائيلية إطلاق صواريخ في قطاع غزة ، فقد قصفت طائرات أخرى مبنى تابعا للامن الفلسطيني في مدينة نابلس بالضفة الغربية وذلك بعد ساعات من مقتل عشرة اسرائيليين في هجوم على حافلة خارج مستوطنة اسرائيلية فجر فيه فلسطينيان نفسيهما في غزة ، لتتواصل بذلك أعمال العنف المتبادل بين الجانبين الفلسطينيين والإسرائيليين ، حتى في الوقت الذي مارس فيه مبعوثا أميركا والاتحاد الأوروبي ضغوطاً من أجل المضي في محادثات الهدنة بين الجانبين، وقال مسئولو الأمن الفلسطيني إن المروحيات الإسرائيلية كانت قد هاجمت مباني على أطراف مخيم اللاجئين الفلسطيني في قطاع غزة مما أسفر عن مقتل ثلاثة أفراد على الأقل. وذكرت مصادر دبلوماسية أن وزير الخارجية الأميركية يفكر فيما إذا كان سيوقف المساعي الدبلوماسية الأميركية في ضوء حوادث إراقة الدماء الأخيرة .
ضغوط زيني
وكان الوسيط الأميركي أنتوني زيني قد ترأس جولة جديدة من محادثات الهدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في أعقاب اجتماعين سابقين عاصفين لم يسفرا عن أية نتيجة ، وقد لقي 34 فرداً من المدنيين الإسرائيليين مصرعهم إثر هجمات إطلاق النيران وهجمات التفجير الفلسطينية وذلك بعد وصول زيني إلى المنطقة منذ أسبوعين ، ولقي في نفس الفترة 43 فلسطينياً مصرعهم .. من بينهم 19 فرداً ممن نفذوا هذه الهجمات الفلسطينية.
وقد دفعت أيضاً موجة العنف الأخيرة الاتحاد الأوروبي إلى إرسال خافيير سولانا، الدبلوماسي الكبير ومنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى المنطقة أمس الثلاثاء ، وقد تناول سولانا الإفطار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في القدس ثم التقى بعدها مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مدينة رام الله في الضفة الغربية.
وقد جاءت زيارته هذه في الوقت الذي شدد فيه الاتحاد الأوروبي من موقفه إزاء المناضلين الفلسطينيين، واصفاً في اليوم الأسبق حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي بأنهما "شبكتان إرهابيتان" ومطالباً الرئيس عرفات بتفكيكهما.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل كانت تتهم مراراً الاتحاد الأوروبي بأنه ينحاز إلى جانب الفلسطينيين.
واتضح من بيان يوم الاثنين، الذي اتخذ موقفاً صارماً غير مألوف، أن الخط الذي يسلكه الاتحاد الأوروبي أصبح الآن يقترب من خط الولايات المتحدة التي كانت قد صعّدت من ضغطها على عرفات لاتخاذ إجراء ضد المناضلين الفلسطينيين.
وقد طالب أيضاً وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إسرائيل بتخفيف العمل العسكري الذي تتخذه ضد السلطة الفلسطينية التي يترأسها عرفات.
وكان من المقرر أن يلتقي سولانا أيضاً مع زيني وعرفات بشكل منفصل في وقت لاحق من نفس اليوم. وقال سولانا للصحفيين في أعقاب اجتماعه مع شارون "سوف أخبر السيد عرفات الليلة أنه يتعين عليه الاستمرار في مكافحة الإرهاب. فإن هذا هو التزامه في هذا الوقت ".
وفي واشنطن، قال مسئولون إن وزير الخارجية الأمريكية كولن باول يفكر فيما إذا كان سيوقف المساعي الرامية إلى دفع الفلسطينيين وإسرائيل نحو صنع السلام.
وذكر أحد المسئولين، طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن باول سيضع قراره بناءاً على تقرير زيني بعد محادثات الهدنة التي أجريت الثلاثاء ، وكان باول قد قال إن العنف يجب السيطرة عليه قبل البدء في عملية صنع السلام.
وقال هذا المسئول المجهول إن حكومة بوش قد يكون من الأفضل لها أن تحتفظ بآمال الهدنة قائمة، غير أن القتال الدائر قد يستلزم تعليق المحادثات.
وقال فيليب رييكر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، خلال لقاء صحفي إن زيني ينتظر إسرائيل والفلسطينيين للرد على "التوصيات الصارمة" التي قدمها خلال اجتماعه مع كبار مسئولي الأمن من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الأحد الماضي.
هجمة صاروخية
وفضلاً عن القصف الصاروخي الليلة على غزة وجينين ، فقد استمرت الهجمات والهجمات المضادة بلا هوادة في الأسابيع الأخيرة ، فقد أطلقت المروحيات الإسرائيلية يوم الاثنين الصواريخ على سيارة في مدينة الخليل في الضفة الغربية مما أسفر عن استشهاد طفلين فلسطينيين، أحدهما يبلغ ثلاثة أعوام والآخر 13 عاماً، فضلاً عن إصابة سبعة أفراد من الركاب ومن المارة ، وكانت هذه الهجمة تستهدف محمد أيوب سدر أحد الناشطين في حركة الجهاد الإسلامي في مدينة الخليل ولكنه أصيب فقط ، وقالت السلطات العسكرية الإسرائيلية إن محمد سدر قد تورط في هجمتين داميتين ناريتين ضد الإسرائيليين، وإنها تأسف أسفاً شديداً لموت هذين الطفلين .
ومن ناحية أخرى، قال السيد ياسر عبد ربه، وزير الإعلام الفلسطيني، إن شارون "مسئول مسئولية شخصية ومباشرة عن أية قطرة دماء فلسطينية أو إسرائيلية قد تراق في أعقاب هذا العمل غير الأخلاقي".
وكان فلسطينيون قد أطلقوا، في وقت لاحق من يوم الاثنين الماضي ، قذائف هاون على أحد المستوطنات اليهودية في غزة مما أسفر عن إصابة فتاة إسرائيلية بجروح طفيفة.
وقامت المروحيات الإسرائيلية انتقاماً من ذلك بإطلاق أربعة صواريخ على مركز للقوة 17 في جهاز الأمن الفلسطيني (والمنوطة بحراسة الرئيس ياسر عرفات) وذلك في مدينة غزة في وقت مبكر أمس الثلاثاء. وأطلقت إسرائيل أيضاً صاروخين أرض-أرض على هذا المبنى مما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة به وذلك طبقاً لما ذكره مسئولو الأمن الفلسطيني.
وكان هذا المبنى قد تم إخلاؤه قبل الهجوم وأصيب أحد المزارعين من جراء الحطام. وقد ضرب أحد هذين الصاروخين خط الكهرباء الرئيسي المتصل بشبكة الكهرباء الإسرائيلية مما أدى انتشار الظلام الدامس في المنطقة.
وقال اللواء عبد الرازق المجايدة، رئيس جهاز الأمن العام الفلسطيني، بعد الهجوم "إن الإسرائيليين ليسوا مهتمين بإنجاح مهمة زيني أو إنجاح أية مساعي تقوم بها الأطراف الدولية".
نقاط تفتيش
وقد فتحت القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية النيران صباح أمس الثلاثاء النيران على سيارة فلسطينية وهو الأمر الذي أدى إلى قتل قائدها وأحد الركاب، وذلك طبقاً لما صرحت به السلطات العسكرية الإسرائيلية.
وقال الجيش إن السيارة كانت قد رفضت الوقوف عند أحد نقاط التفتيش العسكرية بالقرب من قرية الشويكة على مشارف مدينة طولكرم. وقال المسئولون الفلسطينيون إن هذين الاثنين كانا يعملان في إسرائيل بدون تصريح. في حين أدلت شاهدة عيان فلسطينية من إحدى القرى المجاورة لنقطة التفتيش بمعلومات مختلفة. حيث قالت راجلة خليل، وهي تقيم في بلدة جاروشيه المجاورة، أنها رأت القوات الإسرائيلية تطارد هذين الرجلين على القدمين في بستان زيتون ثم سمعت صوت طلقات نارية.
وقالت "تركنا المنزل ورأينا الرجلين يعدوان نحو بستان زيتون ويتبعهم الجنود على القدمين. وبعد فترة برهة، سمعنا صوت المزيد من الطلقات ورأينا الجنود يسحبون أحد هذين الرجلين ويحملون الرجل الآخر".
وقام الجيش بغلق المنطقة، وقال أطباء فلسطينيون أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الجثث.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تقوم بتطويق المدن الفلسطينية وتقيم نقاط تفتيش في الضفة الغربية وفي قطاع غزة منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال في سبتمبر/أيلول 2000 التي اندلعت بعد فترة وجيزة من تعثر محادثات السلام.
عرفات في المنتصف
وقال مروان البرغوتي، أمين سر حركة فتح التابعة للرئيس عرفات في الضفة الغربية إن زيني يتعين عليه الضغط على إسرائيل لوقف استهداف المناضلين وإنهاء حصارها العسكري الذي يصيب بالشلل والمفروض على الأراضي الفلسطينية.
وأضاف في حديثه مع راديو الجيش الإسرائيلي "بدون إعطاء أي أمل إلى الشعب الفلسطيني بأنكم تريدون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لن يتغير أي شيء على الساحة".
وكانت إسرائيل قد ردت على عمليات التفجير الانتحارية الأخيرة بالضربات الجوية ضد المنشآت الأمنية الفلسطينية ورموز السلطة.
ويقول المسئولون الفلسطينيون أن مثل هذه الهجمات تجعل من اتخاذ إجراءات صارمة ضد المناضلين كما وعد الرئيس عرفات أكثر صعوبة.
وقد أكد كولن باول أيضاً مجدداً على نداء واشنطن للرئيس عرفات "ببذل أي شيء في نطاق سلطته لإخماد العنف".
وأضاف باول في وقت متأخر من يوم الاثنين في برلين "إنهم (يقصد المناضلين الفلسطينيين) لا يهاجمون إسرائيل والمواطنين الإسرائيليين فحسب بل إنهم يهاجمون مركز السيد عرفات كقائد، وقد قلنا له بوضوح إن هذا عبارة عن تحد لا يمكن أن يتركه بدون رد.. فيجب عليه أن يقوم بالرد" .
&