"إننا اردنا حياة لا عيشاً. وبين الحياة والعيش بون شاسع. فالحياة لا تكون الا في العز، اما العيش فلا يفرّق بين العز والذل".
انطون سعادة
مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي
عندما يجول رئيس الجمهورية في الاسواق القديمة التي هدمتها معاول الميليشيات، على انواعها، بعدما نهبت محتوياتها، فبماذا تراه يفكّر؟
هل يفكّر في الجحافل التي ضربت وقتلت وسلبت، من اجل "تثبيت عروبة لبنان" من جهة، و"جعل امن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار" من جهة اخرى، فخلّفت وراءها الدمار وحولت المدائن اطلالاً، بعدما جعلت "تثبيت العروبة" غطاءً لاستباحة لبنان وافقاده سيادته، و"الدفاع" عن "امن المجتمع المسيحي" مشروع انتحار هندسه سفاح القرن آرييل شارون وتُوّج بمذبحة صبرا وشاتيلا التي ستُظهر الايام ان "ابطالها" من لحم اللبنانيين ودمهم، في رعاية اسرائيلية؟
ام يفكّر في ذلك "المجنون" الذي قام بأكبر مغامرة في تاريخ لبنان، عندما عرض مشروعاً لاعادة بناء الوسط التجاري واعماره؟
... ويفكّر أيضاً في ما كان سيحققه مشروع بعث الوسط التجاري لو لم تحاربه حكومة العهد الاولى، وتعرقل مشاريعه، وتؤخّر انجاز الخرائط النهائية للوسط بغية تمكين اصحاب المشاريع من مباشرة العمل في الورش التي ارصدت لها ملايين الدولارات، فضلاً عن تيئيس عدد لا يستهان به من المستثمرين واضطرارهم الى صرف النظر عن مشاريعهم وتوظيفاتهم في لبنان، بعدما كانوا انفقوا اموالاً على الدراسات ودفعوا فوائد عنها للمصارف.
لا نريد ان نتنبأ بما جال في خاطر الرئيس اميل لحود عندما كان يتفقد الوسط اول ايام عيد الفطر، الا ان ما نريد قوله هو انه قد حان الاوان لان يدرك اهل الحكم اين تكمن "المصلحة الوطنية" التي ينبغي& التزامها والمحافظة عليها، سواء أكان الامر دفاعاً عن المقاومة أم حماية لمشروع استثماري إنهاضي مثل مشروع الوسط التجاري الذي بلغ& التعامل معه حد التلذذ بمشاهدة الورش تتوقف عن العمل، وأسهم الشركة مالكة المشروع الكبير تهبط في البورصة ويجرى تعميم اخبارها السوداء، في الداخل والخارج، على أساس انها سائرة الى الافلاس... ومعها لبنان.
ولم يخطئ الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عندما قال امس في كلمته بمهرجان دعم الشعب الفلسطيني والانتفاضة في الاراضي المحتلة: "ان الدفاع عن المقاومة هو دفاع عن المصلحة الوطنية اللبنانية".
ومن حقنا نحن ان نسأل هنا:
من يحاسب الذين لا يدافعون عن المصلحة العامة؟
ومن تراه يحدد مفهوم المصلحة العامة؟
ومن يدفع ثمن تجاهلها أو التنكر لها؟
ومن هي الجهة التي تملك حق الملاحقة والمحاسبة في هذا الشأن، في السلطة وخارجها؟
ولقد جاء الجواب من حيث لا نتوقع، وحتى لا نكاد نصدق.
ففي حوار تلفزيوني اجري مع نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي أواخر الاسبوع الماضي قال لمحاورته، في اطار التعليق على التعيينات الادارية الاخيرة، ان المحاصصة كانت العنوان الكبير للتعيينات وقد تقدمت فيها المصالح الفئوية على حساب المؤسسات، وبلغت مدى أبعد من مدى نظام المزرعة والمزارعة الذي أقامه العهد الماضي، ناعيا المؤسسات ودولة المؤسسات، ومضيفا اليها حزنه على المستوى الذي انحدر اليه القضاء بفعل التسييس وعدم اطمئنان المواطنين والمستثمرين معا الى تحقق العدالة في لبنان، مشددا على انه يقول ذلك من موقع المحامي الذي يعرف عن القضاء وسراديبه أكثر من أي شخص آخر.
وأضاف الفرزلي، الى هذين الأمرين، عنصراً ثالثاً ولعله الأهم والاخطر، هو افقاد مجلس النواب دوره كمراقب لاعمال الحكومة ومحاسب لها. وعندما سئل عن السبب والمسبب اجاب بديبلوماسية: "انه التوازن السياسي".
وقد شبّه بعض السياسيين ما جرى في الكواليس قبل التعيينات، وما كشفته الاسماء التي اختارها الوزراء لمعاونيهم، وأُبعد بموجبها مديرون عامون هم نخبة الادارة - بموجب منطق المزرعة والمزارعة - شَبّهوا ما جرى بـ"جمهورية الحاج متولي" هو "الحاج مستولي" المسلسل الذي شغل مشاهدي التلفزيون في انحاء العالم العربي، خلال شهر رمضان، الذين رفّهوا بحلقاته عن "بشاعة" المجازر التي كان يرتكبها شارون وآلته العسكرية في حق الشعب الفلسطيني البطل!
ومن حسنات مسلسل الحاج متولي ان بطله الفاسد والمفسد ظاهر يتزوج علناً ارملة معلمه الكبير طمعاً بثروتها، ويسحر الزوجة الثانية التي يعمل عمها في وزارة التموين ويدفع رشوة للحصول على قماش، متجاهلاً ان القانون يطول الراشي والمرتشي. أما الزوجة الثالثة فأرملة تاجر وأموالها اموال أيتام، وقد بلع تجارتها وأموالها. وأما الزوجة الرابعة فمأمورة ضرائب استغلها لإمرار معاملاته والتهرب من دفع الضرائب. وكانت كل هذه الزيجات مصلحية، ولم تجرؤ أي من الزوجات الأربع على الاعتراض ورفض التحول "ضرة". وقد كرّس البطل في هذا المسلسل الانانية والفساد والاحتيال، كما داس الديموقراطية وحرية الخيار.
نقول ان الحاج متولي في التلفزيون ظاهر وحاضر، بينما هو مستتر في "جمهورية الحاج متولي" اللبنانية، ونادراً ما يظهر. وكان الفرزلي واضحاً في هذا المجال، حين قال ان التعيينات قد "طبخت" في "مكان ما" وجيء بها الى مجلس الوزراء، وما ان أُبلغ بها بعض الوزراء حتى وافقوا عليها، لأن كل واحد منهم نال حصته.
وقال الفرزلي ان لا إصلاح الا بالعودة الى دولة القانون (باستقلال القضاء) والمؤسسات (احياء دور مجلس النواب في الرقابة والمحاسبة واعداد قانون جديد للانتخاب) التي جعلها الرئيس اميل لحود عهد القسم الذي اداه بعد انتخابه قبل 3 سنوات.
وما نقص الفرزلي، في صدقه وصراحته، اكمله بيان "لقاء الوثيقة والدستور" في نقابة الصحافة الجمعة الماضي والذي ضم 13 نائباً سابقاً شاركوا في صوغ وثيقة الطائف وكانوا اولى ضحاياها.
فقد قال هؤلاء ان ما نعانيه اليوم هو "تنكّر المسؤولين المتعاقبين على السلطة لاتفاق الطائف وخذلانهم الذين صدّقوهم فحرّفوه وشوّهوه، فكان ذلك نقضاً فاضحاً للوفاق الوطني، وخرقاً للدستور الذي تم تعديله تبعاً للاتفاق".
وهم استدلوا على ذلك بالآتي:
"1- ان بند السيادة والاستقلال منتقص.
2- ان حقوق الانسان تتعرض كل لحظة للانتهاك.
3- ان الحريات العامة والخاصة غير مصونة.
4- ان الشعب لم يكن طوال السنين العشر الماضية مصدر السلطات.
5- ان التداخل النافر بين السلطات، وتفاقم ظاهرة "الترويكا" والتناحر بين الرئاسات (...) دليل لا يدحض على العبث بمبدأ فصل السلطات.
6- ان مرسوم التجنيس شكل خرقاً فاضحاً لمبدأ حظر التوطين.
7- ان تصرفات السلطة المتحيزة والانتقائية تناقض العيش المشترك، وتنتقض شرعية السلطة دستورياً.
8- وجود نزعة مرضية لدى السلطة لتسييس القضاء واخضاع المحاكم لوصاية الحكام.
9- قوانين الانتخاب كانت رأس المعصية التي ارتكبتها السلطات المتعاقبة لاعادة انتاج ذاتها وخلافة نفسها في عزلة تامة عن الشعب.
10- عدم تنفيذ البند المتعلق بانسحاب القوات السورية شكّل موضوعاً خلافياً حاداً ومقلقاً بين اللبنانيين، نظراً الى انعكاسه الخطير على جوهر الوفاق".
وقال البيان محذراً: "ان وثيقة الوفاق تعرضت لنكول متعمد أدى الى هذا الانهيار المريع في بنية الوطن (...) ونحن في وقفة ضمير، نذكّر بما كان، ونحذّر مما سيكون (...)".
ان المحافظة على "المصلحة الوطنية" التي تحدث عنها السيد حسن نصرالله، ولمسها الرئيس اميل لحود في نهضة الوسط التجاري لاخراجنا من "جمهورية الحاج متولي" تكون بالاصغاء الى نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي من اجل احياء دور مجلس النواب في المحاسبة، وقيام دولة القانون والمؤسسات التي وعدنا الرئيس لحود بها في خطاب القسم، وايلاء كلام "لقاء الوثيقة والدستور" الاهتمام الكافي وجعلها برنامج النصف الثاني من العهد... والا تابع الحاج متولي، القابع في الخفاء، توسيع قاعة الحريم حيث لا حريات، ولا ديموقراطية، ولا سيادة ولا استقلال، ولا من يعترض او يعترضن...
ولمَ لا؟ فالوالي راضي! (النهار اللبنانية)