الراحل عبد الله القصيمي
عُرف عن القصيمي حبه للشعر واستشهاده به في كثيرٍ من كتبه، وقد ذكر أصدقاؤه المقربين له أنه كان معجباً بشاعرية أبي العلاء المعري، فهو شاعره المفضل، كما أنه معجباً بالشاعر بشار بن برد وبالمتنبي، أما عن قول الشعر فقد نظم القصيمي الشعر في بداياته، وهجره وكان يُصدّر كتبه التي أصدرها إبان ثقافته الأزهرية، وانتماءاته السلفية، بأبيات من الشعر هو قائلها، وموضوعها غالباً الفخر والحماسة، من ذلك قوله في تقديمه لكتابه "شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام"، يقول:

إذا أرضيتُ ربي لا أبالي
إذا اسخطتُ كل العالمينا
وكيف أخافُ أخوفَ من حبارى
رأت صقراً وقد دستُ العرينا
إذا أنزلتَ بأسي في قبيلٍ
فويلٌ للأبين وللبنينا
أغرّ مخاصمي صغري وهزلي
كأن المجدَ في عد السنينا
وهزلي لا أبا لك من شعوري
وجسم الحر لا يأتي سمينا
ومن أغبى وأغبن من عظيمٍ
تعرض سُخطتي فغدا مهينا
ومن هاج الهزبر فليس بدعاً
إذا يلقى ببهجته المنونا
فخلوا خادمي الرغفان حربي
فإني لن أخيم ولن أهونا
وعندي كالبروق إذا أبيتم
قبول الحق فاستبقوا العيونا!!


&باستثناء هذه الأبيات الشعرية التي كانت تتصدر كتبه القديمة، لم يُعرف عنه بعد ذلك أنه قال الشعر ونظمه، لكن يبدو أن عشق القصيمي وحبه الكبير للبنان التي كانت رئته التي تنفس من خلالها بعد طرده من مصر، حرّك مشاعره فجادت قريحته بهذه الأرجوزة التي نظمها عندما جرحت كبرياء لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي لها، وهذه القصيدة أمدّ " إيلاف" بها السفير اليمني حسن السحولي، التي هي واحدة من ضمن الأوراق الخاصة التي يحتفظ بها بخط المفكر القصيمي.
تقول أبيات القصيدة :

كنت يا لبنان زهراً
في عباءات العروبة
كنت يا لبنان فجراً
في دياجير العروبة
كنت يا لبنان عطراً
فوق أوحال العروبة
كنت يا لبنان طهراً
من وقاحات العروبة
كنت يا لبنان جسراً
فوق صحراء العروبة
كنت يا لبنان كبراً
فوق أوثان العروبة
كنت يا لبنان شعراً
لم تؤلفه العروبة
كنت يا لبنان حراً
لم تسامحك العروبة
كنت يا لبنان شيئاً
لم تجربه العروبة
كنت يا لبنان فضحاً
لفراعين العروبة
كنت يا لبنان حباً
رافضاً حقد العروبة
كنت يا لبنان ضوءاً
راع فئران العروبة
كنت يا لبنان طقساً
ليس طقساً للعروبة
كنت يا لبنان عقلاً
بين أبواق العروبة
كنت يا لبنان قلباً
مرهقاً قلب العروبة
كنت يا لبنان تاجاً
فوق هامات العروبة
كنت يا لبنان شدوا
فوق أنات العروبة
كنت يالبنان ديناً
لم يكن دين العروبة
كنت يا لبنان درساً
لن تلقاهُ العروبة
كنت يا لبنان وحياً
لن تهجاه العروبة
كنت يا لبنان نصراً
هز ثوار العروبة
كنت يا لبنان مجداً
هال ثورات العروبة
كنت سلماً ورخاءً
غاظ ثوار العروبة
كنت يا لبنان غيظاً
لقيادات العروبة
غاظهم فيك انتصارٌ
قاهر كبر الزعامة
فجروك اليوم حقداً
إنه حقد القماءة
هم أرادوك بداوة
هم أرادوك عباءة
لم يطيقوك حضارة
لم يطيقوك كرامة
لم يطيقوك شهامة
هم أرادوك نذالة
لم يطيقوك صداقة
هم أرادوك عداوة
لم يطيقوك سحابة
هم أرادوك ذبابة
هم أرادوك بلادة
هم أرادوك كهانة
كانت القصة صعبة
كانت الضربة ضربة
كانت الخطة هجمة
كانت الهجمة خطة
واضعوها همج
نفذوها بشراسة
رفضوه أمةً
وأرادوه عصابة
رفضوه زهرةً
وأرادوه قمامة
رفضوه عزةً
وأرادوه مهانة
رفضوه فكرةً
,أرادوه خرافة
رفضوه بهجةً
وأرادوه كآبة
رفضوه قمةً
رفضوه بسالة
راعهم منتصراً
فأرادوه هزيمة
راعهم مزدهراً
فأحالوه حريقة
عاقبوه حسداً
لمزاياه الأنيقة
لم يطيقوه حواراً
وأرادوه بذاءة
لم يطيقوه عماراً
وأرادوه خرابة
لم يطيقوه جمالاً
وأرادوه دمامة
لم يطيقوه انفتاحاً
واهباً للحب بابه
بل أرادوه انغلاقاً
وأرادوه عداوة
لم يريدوه رخاءً
بل أرادوه تعاسة
بل أرادوه حماقة
بل أرادوه بشاعة
إن قومي عاجزون
إن قومي قادرون
عاجزون صنع الحياة
عن صنع المحبة والسماحة
قادرون في صنع الممات
في صنع الكراهة والفظاظة
إن قومي أذكياء
إن قومي أغبياء
أذكياء في صنع الغباء
في صنع الفضائح والقبائح
أغبياء في صنع الذكاء
في صنع التقدم والرخاء
إن قومي صادقون
إن قومي كاذبون
صادقون إن قالوا كذبنا
أو قالوا صغرنا
إن قالوا جهلنا
أو قالوا هزمنا
كاذبون إن قالوا صدقنا
أو قالوا كبرنا
إن قالوا رأينا فعقلنا
أو قالوا عقلنا ففهمنا
أو قالوا كتبنا فنفعنا
وهدينا وبنينا وسمونا
أو قالوا نطقنا فصدقنا
أو قالوا فعلنا فبهرنا فقهرنا
صادقون إن قالوا كرهنا
ولعنا واتهمنا ورفضنا
كل صناع الحياة
كل من قالوا لصحرانا أذهبي
أنتِ بعد اليوم حقل للرخاء
أنتِ بعد اليوم أجنحة الحضارة
مطعمة الحضارة
مرهبة الحضارة
هازمة الحضارة
إن قومي صادقون
كلما قالوا افتضحنا وقبحنا
وهزمنا وسفهنا وسقطنا
صُمنا وصلينا وآمنا
بلا تقوى بلا دينٍ بلا حب
بلا صدق بلا فهمٍ
آهِ من عارٍ بقومي
إنهم للعار قادة
آهِ من سادات قومي
إنهم مجد الجهالة
دع لهم مجد الوقاحة
دع لهم مجد الكراهة
زدهموا مجد العداوة
زدهموا مجد الشماتة
آهِ من أمجاد قومي
إنها أبداً إشاعة
آهِ من أمجاد قومي
إنها أغبى رواية
آهِ يا تاريخ قومي
أنت عار للرواة
أنت عار للرواية !!

&
&