&
وفر اجتماع مركز الليكود ليلة امس الاول فرصة نادرة للإطلال بشكل واضح على تجليات نظرية "النسبية" في الحياة السياسية الاسرائيلية. فأرييل شارون، الذي ينظر إليه العرب وربما اغلب شعوب الارض، على انه نموذج للتطرف، بدا أمام الآخرين من نظرائه في الليكود، وخاصة بنيامين نتنياهو، وكأنه نبي السلام. وفيما انشغل المعلقون في بحث أبعاد هذا القرار على السياسة الاسرائيلية لاحقا، ثمة ضرورة للوقوف على دوافع هذا القرار وتجلياته وأهدافه.
لا ريب في ان اجتماع مركز الليكود الذي بادر الى عقده عدد من نشطاء الحزب بعد استماعهم قبل حوالى ثمانية شهور الى خطاب ارييل شارون عن الدولة الفلسطينية، زاوج بين الايديولوجي والسياسي والشخصي في الصراع الداخلي. فبنيامين نتنياهو الذي رفض القانون الذي سن خصيصا من اجل خوض الانتخابات السابقة لرئاسة الحكومة اعتبر ان مدة عزلته السياسية قد انتهت، وحان وقت عودته لرئاسة الليكود. ولم يجد افضل من التحالف مع انصار المستوطنين في الليكود لضمان عرقلة مهمة ارييل شارون، واختار <<خطاب اللطرون>> الذي تحدث فيه ارييل شارون للمرة الاولى عن استعداده لمنح الفلسطينيين ما لم يمنحهم احد من قبله، الدولة الفلسطينية.
ولأن البرنامج السياسي لليكود يتضمن عبارات واضحة ضد قيام الدولة الفلسطينية وجد نتنياهو انه يستطيع عبر الامساك بهذه الحلقة ان يوجه الضربة القاضية لشارون. وعن طريق عرقلة <<خطة شارون>> يستطيع الظهور بمظهر المدافع عن <<الخط القويم>> في الليكود. ولأن اعضاء الليكود، حسب التصنيفات الاسرائيلية، هم من ذوي <<العواطف الحادة>>، يستطيع نتنياهو المراهنة على نسيانهم جميع مواقفه السابقة. ومن ضمن هذه المواقف تأييد بنيامين نتنياهو عام 1996 لفكرة إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على شاكلة <<أندورا>> في المحيط الهادئ وبورتوريكو.
ورغم ان ارييل شارون، في نظر المعلقين الاسرائيليين، يعتبر ثعلب السياسة الاسرائيلية، الا انه، في كل ما يتصل بالليكود، مركزا وأعضاء كنيست ووزراء، بعيد عن ان يكون القائد المرغوب. وقد وصل الى رئاسة الليكود على خانة <<قائم بالاعمال>> الى حين عودة نتنياهو او اختيار زعيم جديد. كما وصل الى رئاسة الحكومة بعد إصرار نتنياهو على موقفه بعدم خوض انتخابات رئاسة الحكومة الا اذا ترافقت مع انتخابات عامة للكنيست.
وحاول ارييل شارون طوال الوقت الحيلولة دون عقد هذا الاجتماع، ودون اجراء مثل هذا التصويت. ولكن <<سبق السيف العذل>>. كان اليمين الاقصى داخل الليكود قد حسم خياره وأصر على ضرورة خوض الصراع. وحاول ارييل شارون طوال هذه الفترة مراضاة اليمين الاقصى، داخل الليكود وخارجه. فضم آفي ايتام والمفدال الى الحكومة، واتخذ اشد المواقف تطرفاً ضد الفلسطينيين، وعمد الى إلهاب المشاعر الاكثر تشددا ضد العملية السلمية. بل إنه في الايام الاخير مهد الطريق امام اجتياح قطاع غزة، في سبيل إرضاء نهم اليمين الأقصى. ولكن كل ذلك لم يقرب شارون البتة من إشباع غرائز هذا اليمين. فالقصة كانت وما زالت كرسي الرئاسة.
ولذلك لم تفاجئ خسارة شارون أحدا في إسرائيل. بل إن بعض المقربين منه شعروا بأنه رضي عن نفسه عندما احس ان اقتراحه حظي بتأييد نسبة 40% من الأعضاء. فهو لم يكن في وضع يتفاخر فيه بأنه يمتلك أغلبية داخل الليكود. وقد حاول شارون الايحاء بأنه كان يعرف هذه النتيجة، ولكنه بخلاف خصمه أراد التوضيح للإسرائيليين انه يهتم بأمن وسلامة الدولة اليهودية وليس كرسي زعامة الحزب.
شارون واليمين
دللت خسارة شارون في مركز الليكود على ان طروحاته السياسية وأداءه القيادي لا يرضي اليمين الإسرائيلي عموما. وإذا كان شارون لا يحظى بأغلبية داخل حزبه، الذي يعتبر الأكثر <<اعتدالا>> بين أحزاب اليمين فهذا يعني ان الشرائح والاتجاهات الأخرى من اليمين أشد عداءً له. وقد أعلن ميخائيل كلاينر ان <<شارون يقود الافلاس الأيديولوجي لليكود>>.
غير ان عداء اليمين وفر له في هذه اللحظة التاريخية نقاطا مهمة لمصلحته. إذ ان شارون الذي دفع بالموقف الإسرائيلي المتطرف الى أبعد الحدود، واحتفظ في الوقت نفسه بالتحالف مع الإدارة الأميركية ودرجة معينة من التقبل الأوروبي له ودرجة عالية من <<الصمت>> العربي، يستطيع الادعاء اليوم ان موقفه يمثل التيار المركزي في إسرائيل وليس اليمين الإسرائيلي.
وهكذا، ومن دون أي تنازل عن أي من مواقفه المعلنة نقل اليمين الإسرائيلي أرييل شارون من موقع اليمين المتطرف الى موقع الوسط السياسي. ورغم ان شارون سيظل يتمسك بمواقفه المتقاطعة مع مواقف اليمين المتطرف، إلا انه سيحمل من الآن فصاعدا أمام العالم وأمام حزب العمل سوط اليمين الأقصى.
ويصعب الحديث الآن عن النتائج التي سيتمخض عنها الصراع المفتوح مع بنيامين نتنياهو. إذ ان أرييل شارون لن يلجأ الى الهدوء بعد فتح أنصار نتنياهو النار عليه من كل الأسلحة. وقد أعلن أنه سوف سيسكت مصادر النيران. وقد بدأ شارون حملته الجديدة ضد نتنياهو يوم أمس بالاعلان عن ان بيبي ليس سوى طامح للزعامة يفتقر الى المصداقية والخبرة. وذهب شارون الى حد محاولة اقناع أعضاء الكنيست من الليكود يوم أمس بضرورة عدم تبديد جهودهم في اللهاث وراء احتمال تقديم موعد الانتخابات.
شارون والمفارقة الجديدة
حاول شارون ليلة أمس الأول التوضيح بأنه رجل مبادئ، وأنه مستعد من أجل إرضاء <<ثلثي الناخبين>> وهي النسبة التي حصل عليها في الانتخابات العامة لخسارة مركز الليكود. وبحسب تعبير المعلق السياسي لصحيفة <<يديعوت احرنوت>> ناحوم بارنيع، فإن شارون اختار طريقه، وفضّل <<اللجنة المركزية للعالم>> على اللجنة المركزية لليكود.
وهنا تكمن المفارقة. اذ ان شارون فعلياً لم يختر الوقوف مع العالم، ولكنه بدا هكذا. كما ان خصمه، نتنياهو الذي حقق النصر، بدا كمن سقط السقطة الكبرى، اذ لا يمكن تصور سياسة اسرائيلية لاحقاً لا تأخذ بالاعتبار الموقف الدولي الداعي الى اقامة دولتين، خاصة عندما يصدر مثل هذا الموقف عن الادارة الاميركية تحديداً. ومن هذه الناحية، فإن خسارة شارون في مركز الليكود أكسبته تعاطفاً خارج الليكود، فيما انتصار نتنياهو في الليكود سد أمامه طريق الفوز في الانتخابات العامة، لأنه ابتعد عن <<الوسط>> واتخذ موقعاً في اليمين الاقصى.
استنتاجات أولية
برهن نتنياهو ليلة امس الاول على أنه الزعيم الاقوى في الليكود، ويوفر له هذا الوضع، من الآن فصاعداً، كلمة اقوى في تحديد السياسة. وبات كثيرون من الوزراء وأعضاء الكنيست يأتمرون بإمرته على حساب شارون. وقد خاض نتنياهو هذا الصراع ليس فقط من اجل ترؤس الليكود، وإنما كذلك من اجل اجراء انتخابات عامة جديدة. صحيح ان نتنياهو لن يكون من الغباء بحيث يطالب فورا بتحقيق ذلك، ولكن من شبه المؤكد ان الخطوة القريبة التالية هي محاولة اجراء انتخابات لزعامة الليكود. وسوف تعني خطوة من هذا القبيل نزع الثقة بشارون، الذي عليه إما القبول بإرادة الليكود، او العمل على اختيار طريق آخر له.
وفي كل حال، لا ريب في ان الانتخابات التمهيدية في الليكود قريبا، ولا شك في ان اصداء ما جرى في مركز الليكود سوف تتردد في كل الاحزاب الاسرائيلية. فقرار مركز الليكود ليس سوى طلقة اعلان بدء المعركة الانتخابية في اسرائيل، رغم رفض شارون لذلك.(السفير اللبنانية)
لا ريب في ان اجتماع مركز الليكود الذي بادر الى عقده عدد من نشطاء الحزب بعد استماعهم قبل حوالى ثمانية شهور الى خطاب ارييل شارون عن الدولة الفلسطينية، زاوج بين الايديولوجي والسياسي والشخصي في الصراع الداخلي. فبنيامين نتنياهو الذي رفض القانون الذي سن خصيصا من اجل خوض الانتخابات السابقة لرئاسة الحكومة اعتبر ان مدة عزلته السياسية قد انتهت، وحان وقت عودته لرئاسة الليكود. ولم يجد افضل من التحالف مع انصار المستوطنين في الليكود لضمان عرقلة مهمة ارييل شارون، واختار <<خطاب اللطرون>> الذي تحدث فيه ارييل شارون للمرة الاولى عن استعداده لمنح الفلسطينيين ما لم يمنحهم احد من قبله، الدولة الفلسطينية.
ولأن البرنامج السياسي لليكود يتضمن عبارات واضحة ضد قيام الدولة الفلسطينية وجد نتنياهو انه يستطيع عبر الامساك بهذه الحلقة ان يوجه الضربة القاضية لشارون. وعن طريق عرقلة <<خطة شارون>> يستطيع الظهور بمظهر المدافع عن <<الخط القويم>> في الليكود. ولأن اعضاء الليكود، حسب التصنيفات الاسرائيلية، هم من ذوي <<العواطف الحادة>>، يستطيع نتنياهو المراهنة على نسيانهم جميع مواقفه السابقة. ومن ضمن هذه المواقف تأييد بنيامين نتنياهو عام 1996 لفكرة إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على شاكلة <<أندورا>> في المحيط الهادئ وبورتوريكو.
ورغم ان ارييل شارون، في نظر المعلقين الاسرائيليين، يعتبر ثعلب السياسة الاسرائيلية، الا انه، في كل ما يتصل بالليكود، مركزا وأعضاء كنيست ووزراء، بعيد عن ان يكون القائد المرغوب. وقد وصل الى رئاسة الليكود على خانة <<قائم بالاعمال>> الى حين عودة نتنياهو او اختيار زعيم جديد. كما وصل الى رئاسة الحكومة بعد إصرار نتنياهو على موقفه بعدم خوض انتخابات رئاسة الحكومة الا اذا ترافقت مع انتخابات عامة للكنيست.
وحاول ارييل شارون طوال الوقت الحيلولة دون عقد هذا الاجتماع، ودون اجراء مثل هذا التصويت. ولكن <<سبق السيف العذل>>. كان اليمين الاقصى داخل الليكود قد حسم خياره وأصر على ضرورة خوض الصراع. وحاول ارييل شارون طوال هذه الفترة مراضاة اليمين الاقصى، داخل الليكود وخارجه. فضم آفي ايتام والمفدال الى الحكومة، واتخذ اشد المواقف تطرفاً ضد الفلسطينيين، وعمد الى إلهاب المشاعر الاكثر تشددا ضد العملية السلمية. بل إنه في الايام الاخير مهد الطريق امام اجتياح قطاع غزة، في سبيل إرضاء نهم اليمين الأقصى. ولكن كل ذلك لم يقرب شارون البتة من إشباع غرائز هذا اليمين. فالقصة كانت وما زالت كرسي الرئاسة.
ولذلك لم تفاجئ خسارة شارون أحدا في إسرائيل. بل إن بعض المقربين منه شعروا بأنه رضي عن نفسه عندما احس ان اقتراحه حظي بتأييد نسبة 40% من الأعضاء. فهو لم يكن في وضع يتفاخر فيه بأنه يمتلك أغلبية داخل الليكود. وقد حاول شارون الايحاء بأنه كان يعرف هذه النتيجة، ولكنه بخلاف خصمه أراد التوضيح للإسرائيليين انه يهتم بأمن وسلامة الدولة اليهودية وليس كرسي زعامة الحزب.
شارون واليمين
دللت خسارة شارون في مركز الليكود على ان طروحاته السياسية وأداءه القيادي لا يرضي اليمين الإسرائيلي عموما. وإذا كان شارون لا يحظى بأغلبية داخل حزبه، الذي يعتبر الأكثر <<اعتدالا>> بين أحزاب اليمين فهذا يعني ان الشرائح والاتجاهات الأخرى من اليمين أشد عداءً له. وقد أعلن ميخائيل كلاينر ان <<شارون يقود الافلاس الأيديولوجي لليكود>>.
غير ان عداء اليمين وفر له في هذه اللحظة التاريخية نقاطا مهمة لمصلحته. إذ ان شارون الذي دفع بالموقف الإسرائيلي المتطرف الى أبعد الحدود، واحتفظ في الوقت نفسه بالتحالف مع الإدارة الأميركية ودرجة معينة من التقبل الأوروبي له ودرجة عالية من <<الصمت>> العربي، يستطيع الادعاء اليوم ان موقفه يمثل التيار المركزي في إسرائيل وليس اليمين الإسرائيلي.
وهكذا، ومن دون أي تنازل عن أي من مواقفه المعلنة نقل اليمين الإسرائيلي أرييل شارون من موقع اليمين المتطرف الى موقع الوسط السياسي. ورغم ان شارون سيظل يتمسك بمواقفه المتقاطعة مع مواقف اليمين المتطرف، إلا انه سيحمل من الآن فصاعدا أمام العالم وأمام حزب العمل سوط اليمين الأقصى.
ويصعب الحديث الآن عن النتائج التي سيتمخض عنها الصراع المفتوح مع بنيامين نتنياهو. إذ ان أرييل شارون لن يلجأ الى الهدوء بعد فتح أنصار نتنياهو النار عليه من كل الأسلحة. وقد أعلن أنه سوف سيسكت مصادر النيران. وقد بدأ شارون حملته الجديدة ضد نتنياهو يوم أمس بالاعلان عن ان بيبي ليس سوى طامح للزعامة يفتقر الى المصداقية والخبرة. وذهب شارون الى حد محاولة اقناع أعضاء الكنيست من الليكود يوم أمس بضرورة عدم تبديد جهودهم في اللهاث وراء احتمال تقديم موعد الانتخابات.
شارون والمفارقة الجديدة
حاول شارون ليلة أمس الأول التوضيح بأنه رجل مبادئ، وأنه مستعد من أجل إرضاء <<ثلثي الناخبين>> وهي النسبة التي حصل عليها في الانتخابات العامة لخسارة مركز الليكود. وبحسب تعبير المعلق السياسي لصحيفة <<يديعوت احرنوت>> ناحوم بارنيع، فإن شارون اختار طريقه، وفضّل <<اللجنة المركزية للعالم>> على اللجنة المركزية لليكود.
وهنا تكمن المفارقة. اذ ان شارون فعلياً لم يختر الوقوف مع العالم، ولكنه بدا هكذا. كما ان خصمه، نتنياهو الذي حقق النصر، بدا كمن سقط السقطة الكبرى، اذ لا يمكن تصور سياسة اسرائيلية لاحقاً لا تأخذ بالاعتبار الموقف الدولي الداعي الى اقامة دولتين، خاصة عندما يصدر مثل هذا الموقف عن الادارة الاميركية تحديداً. ومن هذه الناحية، فإن خسارة شارون في مركز الليكود أكسبته تعاطفاً خارج الليكود، فيما انتصار نتنياهو في الليكود سد أمامه طريق الفوز في الانتخابات العامة، لأنه ابتعد عن <<الوسط>> واتخذ موقعاً في اليمين الاقصى.
استنتاجات أولية
برهن نتنياهو ليلة امس الاول على أنه الزعيم الاقوى في الليكود، ويوفر له هذا الوضع، من الآن فصاعداً، كلمة اقوى في تحديد السياسة. وبات كثيرون من الوزراء وأعضاء الكنيست يأتمرون بإمرته على حساب شارون. وقد خاض نتنياهو هذا الصراع ليس فقط من اجل ترؤس الليكود، وإنما كذلك من اجل اجراء انتخابات عامة جديدة. صحيح ان نتنياهو لن يكون من الغباء بحيث يطالب فورا بتحقيق ذلك، ولكن من شبه المؤكد ان الخطوة القريبة التالية هي محاولة اجراء انتخابات لزعامة الليكود. وسوف تعني خطوة من هذا القبيل نزع الثقة بشارون، الذي عليه إما القبول بإرادة الليكود، او العمل على اختيار طريق آخر له.
وفي كل حال، لا ريب في ان الانتخابات التمهيدية في الليكود قريبا، ولا شك في ان اصداء ما جرى في مركز الليكود سوف تتردد في كل الاحزاب الاسرائيلية. فقرار مركز الليكود ليس سوى طلقة اعلان بدء المعركة الانتخابية في اسرائيل، رغم رفض شارون لذلك.(السفير اللبنانية)
التعليقات