&
بعيداً من ازمة المنطقة، ومركزها في الاراضي الفلسطينية، فان الانظار والجهود في طهران تتجه صوب موضوع آخر، هو بحر قزوين والنظام القانوني الذي يراد منه تنظيم العلاقة بين الدول الخمس المطلة عليه، ومنها ايران.
لا يعتبر الايرانيون ذلك، موضوعا ثانويا، بل اولوية، باعتبار ان هذه المنطقة، بحسب تقارير متخصصة، هي خزان الطاقة المستقبلي، وتاليا، فهي بؤرة، الصراع المستقبلي، كما كان الخليج، ولا يزال، محور الصراعات والخطط والمعادلات السياسية والعسكرية، واكثرها وضوحا، حرب الخليج الثانية التي حققت هدف مشروع السيطرة على منابع النفط، بعدما وضعته واشنطن بعد الحظر النفطي العربي عام .1973
والايرانيون، بما عرفوا به تقليديا من عمق وتعقيد شديد في سياستهم الخارجية، باستثناء سنوات الارتباك خلال الثمانينات، يسعون كما يبدو الى استباق الامور عبر تثبيت وجودهم في قزوين الذي& تطل عليه ايران بما يساوي 13 في المئة من مجموع طول شواطئه، يدفعهم في ذلك هاجس الهيمنة الاميركية على المنطقة والتي بدأت تتوضح معالمها بالدخول العسكري الى افغانستان.
اذن فالعنصر الاميركي، يدخل بقوة في التحرك الايراني باتجاه بحر قزوين، دون ان يعني ذلك وجود نيات& تصادميه مع واشنطن، خصوصا مع ادراك طهران صعوبة تحقيق دعواتها الى ابعاد النفود الاجنبي عن هذه المنطقة. الا ان المطلوب ايرانياً كما يبدو، تثبيت قانوني للحقوق الايرانية في هذا البحر، والتي يمكن انطلاقا منها، التعاطي مع موضوع "النفوذ الخارجي".
يزيد من هواجس الايرانيين حيال واشنطن، قيام الاخيرة بانشاء قاعدة عسكرية لها قرب مدينة هرات الافغانية المحاذية للحدود مع ايران، هذا يعني ان الولايات المتحدة، تنوي جعل افغانستان التي مدت نفوذها فيها، منطلقا الى آسيا الوسطى وبحر قزوين، مما يجعل ايران تغوص اكثر فأكثر بين فكي الكماشة الاميركية.
هنا نجد تفسيرا لمعنى تزامن انشغال الساحة السياسية الايرانية بأمرين معا: العلاقة مع واشنطن وما يجب ان تكون عليه، وحقوق ايران في بحر قزوين وضرورة الوصول الى اتفاق مع الدول المطلة عليه.
وحول هذين الموضوعين، تدور نقاشات حامية داخل الاوساط السياسية الايرانية، تظهر فيها وجهات نظر متباينة لكنها لا تنجو - في الغالب - من مؤثرات التنافس السياسي& الداخلي بين التيارين الرئيسيين المعروفين بـ"الاصلاحيين" و"المحافظين". مما دفع بعض المعنيين الى القول ان& هذا التعاطي مع مصالح ايران الاقليمية، سيؤدي الى ضياعها.
وفي ندوة متخصصة عقدت في طهران للبحث في موضوع المصالح الايرانية، تحدث الخبير الايراني الاصل الاستاذ في جامعة لندن، الدكتور بيروز مجتهد زادة بلغة بعيدة من السياسة عندما قال ان الموقف المعلن من جانب طهران يجعلها تبدو مطالبة بأكثر من حقها اي انها متهمة بالجشع، ويحذر مجتهد زادة من ان يؤدي "الوضع الحالي الى توصل الدول الاربع الاخرى المطلة على قزوين الى اتفاق بينها، وعندها ستكون ايران في مواجهة هذه الدول، وهو ما يعطي لواشنطن& فرصة التدخل".
تطرح الخارجية الايرانية ثلاثة مواقف (مطالب) متباينة حيال موضوع الاتفاق "القزويني"، اولها البقاء على حصة "النصف لايران" التي كان معمولا بها في مرحلة الاتحاد السوفياتي، وثانيها تقسيم موارد البحر بين الدول الخمس المطلة، بالتساوي.
اما ثالثها، فهو ترك استثمار الموارد مشاعا لهذه الدول، لكن مجتهد زادة يرى في هذا التعدد في الطرح، ارباكا للموقف الايراني وعقبة كبيرة امام احتمالات التفاهم. بل انه يرى في المطالبة بنصف الموارد، ضربا من الخيال ويقول ان اعلان هذا الرقم مع العلم باستحالته، هدفه احراج الرئيس محمد خاتمي وربما اتهامه تاليا، بالخيانة، اذا ما قبل بحصة اقل لايران.
يستند الايرانيون الى اتفاقين عقدا بين ايران والاتحاد السوفياتي عامي 1921 و،1940 نصا على "استثمار مشترك" للبحر، لكن خبراء ايرانيين، يقولون ان المقصود بالاستثمار في الاتفاقين هو الملاحة وليس الموارد الطبيعية، فيما يرى مجتهد زادة ان كلمة "المشترك" لا تعني المناصفة بالضرورة.
كثير من النقاشات يدور في ايران حول الامرين المترابطين، مستقبل العلاقة مع واشنطن، والنظام القانوني لبحر قزوين وحصة ايران فيه، وهو نقاش، يدور في صلبه، حول قوة ايران المستقبلية ودورها الاقليمي. (النهار اللبنانية)