لندن - كرم نعمة:& ستبدو مهمة العرض الصحفي غير جديدة بالوفاء حيال مجلد ثقافي يحتوي متنه على عشرات الدراسات الأدبية والنصوص والحوارات والشهادات.. على امتداد يصل إلى 600 صفحة من القطع الكبير.
فالاصدار الثاني من مجلد "ألف ياء" الصادر عن صحيفة "الزمان" العربية الدولية في لندن، شغل مخلص للثقافة العربية بعيداً عن القطرية الضيقة، فليس لأي دولة عربية إلا وهناك صوت ثقافي يصدر منها بين هذا المتن الذي بين أيدينا، كذلك تبدو مهمة القراءة الصحفية أصعب منها إلى الالمام من العرض.
فرئيس التحرير الكاتب سعد البزاز يستهل الملف بنص مفتوح على غرائز الاختلاف وأصول الاختصام، يخلص بالقول: "يكفي المثقفين العرب أن يتأملوا مواقف مبدعين أمريكان رفضوا روح الاستعلاء القومي الجديدة في الولايات المتحدة، ليستنتجوا أن أي قياس قيمي يستهين بالآخر يدل على خلل أخلاقي وهو ما يرفضه المتنورون الذين يخرجون من بيئة غارقة بنداءات إلغاء الآخر واقصائه، اذ ليس هناك صدام محتمل بين كل ما هو عربي وكل ما هو أمريكي مثلاً، لكن الصدام على الدوام هو بين قيم حية وقيم ميتة.. وبين مشروع للنور وآخر للظلام.. وليس هناك نور مسفوح على ضفة واحدة وظلام منسكب على ضفة سواها، ولذلك فان التعميم هو عيب أخلاقي يقاومه العرب عند الآخر كما يستحق أن يقاوموه في صفوفهم أيضاً".
تبويب سلس
يفتح المجلد كفيه للقارئ بتبويب سلس، فبعد اسماء هيئة التحرير: الدكتور فاتح عبد السلام ــ رئيس التحرير المسؤول. عبد المنعم الأعسم ــ مدير التحرير. كرم نعمة ــ سكرتير التحرير. فهناك مقالات، دراسات، قصص، صراع الحضارات، 82 سنة على رحيل شاذل طاقة، حوارات، رحيل محمد زفزاف، مقالات، أشعار، مفكر: عزيز السيد جاسم، القصة اليمنية، مسرح، تشكيل، محطات.
وهكذا تبدو المهمة الصحفية في عرض هذا الكم الابداعي لا تغني عن مطالعة المجلد.
ثمة أكثر مما يطلق عليه بالمقالات في ملف عن صراع الحضارات في ملف اشترك فيه الدكتور حسن حنفي والدكتور هشام جعيط والدكتور علي فهمي خشيم ومحمد جمال باروت والدكتور فتحي التريكي والدكتور عماد فوزي شعيبي.
المفكر حسن حنفي كتب أيضاً سبع مقالات ناقش فيها الاسلام والغرب: تحديات الذات والآخر.
وفي الدراسات ثمة تسع مواد: الدكتور رسول محمد رسول يناقش رولان بارت في هسهسة اللغة، والدكتور محسن الموسوي يكتب عن المكتوم والمعلن في حوارات أدونيس فضلاً عن قيس كاظم الجنابي وماجد محمد حسن وجليل حسن محمد وغالية الخوجة وسليم مطر وحسن ناظم والحسين الادريسي.
ثمة ملف امتد ما بين الصفحات&169 إلى&233 عن مرور&28 عاماً على رحيل الوزير الشاعر شاذل طاقة اشترك فيه نخبة من مجايلي وأصدقاء الشاعر العراقي.
الحوارات في مجلد "ألف ياء" الدوري تحمل أسئلتها أيضاً فيما تبقى الاجابة مفتوحة على المقبل من الاسئلة، واكثرها دهشة حوار مظفر النواب الذي اجراه سكرتير تحرير المجلد فهو يحمل خصوصيته ما بين المشاكسة الصحفية والموضوعية في آن. ثمة أيضاً حوارات مع عز الدين المناصرة ومباركة بنت البداء وأري فان دي بيرخ وشبّر الموسوي وشوقي بزيع.
زفزاف الراحل قبل الأوان
يمنحنا المجلد فرصة نادرة للتقرب من عوالم الأديب المغربي الراحل محمد زفزاف عبر قراءات ذاتية وابداعية من أقرب الادباء إليه، كذلك يكتب عبد الحميد عقار، محمد بنيس، محمد صوف، فيصل عبد الحسن، حسن نجمي، محمد شكري، عبد الرحيم مؤدن وآخرون اكثر من شهادات عن زميلهم الراحل.
ثمة مساحة للمقالات في المجلد تبرز منها مقالة الدكتور الحبيب الجنحاني عن خطاب الحداثة في الوطن العربي، وهشام غصيب عن تفكيك الوهم على طريقة ماركس وليس على طريقة دريدا، ومحمد الجزائري عن الاسطرة والفضاء في تجليات الرمز.
ويتوسط المجلد مساحة تملك أهميتها في ملف أعده سكرتير التحرير عن الغائب ــ الحاضر المفكر العراقي عزيز السيد جاسم الذي لم يعرف مصيره إلى الآن وبمشاركة نخبة من الادباء والمفكرين العرب، اذ يكتب معد الملف الذي حاور الناقد محسن الموسوي شقيق الكاتب المغيّب عن تفاصيل واسعة قبل غيابه وبعد غيابه: "هكذا وبكل بساطة، وما على التاريخ إلا أن يسجل، انه في 51 نيسان (ابريل) من عام 1991 في تاريخ يمتد إلى آخره، لم يحدد بالضبط كان عزيز السيد جاسم موجوداً واختفى فجأة. هكذا ببساطة وفي منتهى الهدوء والصمت كأن شيئاً لم يكن، فهل في هذا غرابة؟ ــ يتساءل صديقه فاروق البقيلي ــ لا.. لا.. لا.. لأن الغرابة كل الغرابة أن يظل عزيز موجوداً ولا يختفي، خاصة في وطن أرخص مما فيه الانسان.. والانسان صاحب العقل المفكر بالذات".
القاص والصحفي اليمني عبد الناصر مجلي يعد ملفاً عن القصة اليمنية، مما يمنح القارئ الاطلال على مشهد أشبة بالغائب عن القارئ العربي، فنقرأ لنبيل الكميم وصالح البيضاني ومحمد سعيد مسواط وخالد الرويشان ووجدي الاهدل وعبد الفتاح عبد الولي.
وفي المسرح ثمة ثلاث مواد، الأولى مسرحية في تسعة مشاهد لبرهان الخطيب، والدكتور فاضل الجاف يكتب عن مسرح مبيرهولد: مقربات الوعي إلى فيزياء الجسد، والدكتور عدنان الرشيد يكتب عن علاقة الانتماء بين مسرحية فاوست ومؤلفها غوته.
في الفن التشكيلي هناك فضاءات ملونة عن فنانين من العراق والمغرب وقطر.
اما المحطات التي تقترب من مائة صفحة وتأخذ المساحة الأخيرة من المجلد، فهي أكثر من كونها وقفة، حيث البوح والذكرى والاستذكار والمطالعة والنقد لاكثر من عشرين اسماً في الثقافة العربية والعالمية من بينهم عبد الرحمن الربيعي، محمد جابر الانصاري، مهدي عيسى الصقر، عدنان حسين أحمد، رؤوف مسعد، لمياء المقدم، اليكس بيلم، أحمد المصلح، أحمد طابور، ميشائيل روز، ستيفان اورسي، عبده وازن، حسن أحمد اللوزي، علاء اللامي، آمال مختار وسميرة المانع.
وبالطبع لا يخلو المجلد من النصوص الشعرية والقصصية التي تأخذ اكثر من أربعين صفحة ونقرأ فيها نصوصاً ابداعية لثقافة الاطراف دون التركيز على ثقافة المركز.
كذلك يبدو مجلد "ألف ياء" وهو في خطوته الراسخة الثانية كمن يفتح بوابة واسعة على مديات الثقافة العربية برمتها دون الاقتصار على طرف أو آخر.

يمكن أن يطالع على موقع صحيفة الزمان على الانترنت:
www.azzaman.com
&
ثقافة ايلاف [email protected]
&