&
سليل عائلة بيروتية عريقة وذو قاعدة شعبية عريضة ونجل زعيم سياسي لعب دوراً مهماً في تاريخ لبنان بدءاً من نيله استقلاله في عام .1944 هو تمام صائب سلام، نجل رئيس احد رؤساء الوزراء الذي مروا على لبنان، والنائب السابق والرئيس السابق لمؤسسة "جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية". عرف بنشاطات لافتة على الساحة السياسية قبيل خوضه الانتخابات النيابية في عام .1996 اما في سبتمبر (ايلول) 2000 فلم يحالفه الحظ في الانتخابات، ومع ذلك ما زال حاضراً على هذه الساحة. من نشأته في بيت زعيم وعلاقته بوالده الرئيس الراحل صائب سلام وسقوطه في الانتخابات الأخيرة، ومدى تواصله مع الرئيس رفيق الحريري اليوم، تحدث تمام سلام الى ريما نزيه صيداني في هذا اللقاء الذي جرى في "دار المصيطبة"، دارة الرئيس صائب سلام، والتي يسكنها نجله وعائلته اليوم.
بدأ تمام سلام حديثه عما يفعله حاليا قائلا انه يتابع الكثير من الامور الخاصة التي اهملها طوال السنوات الماضية. فذاتية الانسان وخصوصيته لهما عليه حق من وقت الى آخر. وعندما يهملهما كثيراً يشكل ذلك تأثيراً سلبياً على حياته، "هذا لا يمنع انني ايضاً متابع لما يجري في الشأن العام، لا سيما ان الحياة السياسية في لبنان حياة صاخبة ومتحركة، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد والمنطقة، ما يتطلب الكثير من التواصل والتشاور مع كل الفعاليات السياسية.
* هل تزاول اليوم اي عمل تجاري؟
ـ ليس بالمعنى الاحترافي لذلك، لكن ما زلت اتابع مع بعض اصدقائي الذين لديهم اعمال لبلورة بعض المشاريع هنا وهناك، مما يتطلب ملاحقة سواء في لبنان او في الخارج، وفي الخارج اكثر وتحديداً في اوروبا.
* لكن لا شك ان جزءاً من هذه الاعمال كان قائماً خلال وجودكم في البرلمان وحتى قبل ذلك؟
ـ في بداية حياتي كنت في ميدان الأعمال، وكان لدي "مؤسسة الاعمال العربية"، ولها نشاطات مختلفة في خارج لبنان دائماً لأن الوالد تمنى علي وعلى اخوتي ألا نزاول عملا في لبنان كي لا يحصل تضارباً بينها وبين موقعه السياسي، لذلك كانت نشاطاتنا جميعها في الخارج. ومع اندلاع الحرب في لبنان، غادر شقيقايّ البلد وتابعا الأعمال من الخارج، اما انا فبقيت في بيروت و"تورطت" اكثر في العمل العام وبالتالي ابتعدت عن دنيا الأعمال. وهنا استطيع القول ان اهتماماتي منذ عام 1975 اصبحت جميعها تصب في الشأن العام، لا سيما انني في عام 1978 انتميت الى عضوية مجلس امناء جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية، وفي عام 1982 انتخبت رئيساً لها لغاية العام .2000
* هل خذلتك بيروت في الثالث من سبتمبر (ايلول) 2000؟
ـ لا يمكنني القول ان بيروت خذلتني، لأنه كما توضّح للجميع ان ما جرى في تلك الانتخابات، من حالة عامة من جراء احداث سياسية معينة سبقت تلك الانتخابات مدى سنتين، نتج عنها حالة من اللاوعي. لذا لم يدرك البيروتي من ينتخب ولم ينتخب. كل ما عرفه، انه اخذ موقفاً واضحاً بين الحكم المتمثل بالرئيس اميل لحود والحكومة المتمثلة بالرئيس سليم الحص والمعارضة المتمثلة بالرئيس رفيق الحريري. وبالتالي، نتيجة هذه الظروف حصل ما حصل. وأعتقد انه لم يكن امام البيروتيون خيارات كثيرة بظل هكذا اجواء متأججة. وهناك من اعتبر ان البيروتيين خذلوني. البيروتيون ذهبوا الى ما هم اضطروا للذهاب اليه، نتيجة سوء تصرف الحكومة والحكم معهم.
* بذلك نستطيع القول ان الناس راجعت نفسها بمن انتخبت في ما بعد؟ ـ بعد فترة من الانتخابات، استغرقت حوالي سنة، ونتيجة الاوضاع المتردية في البلد، حصلت مراجعة كبيرة عند الناس، خصوصاً عند اهالي بيروت، وبدأنا نسمع كلاماً على ألسنة ابناء المدينة انهم اخطأوا في اتخاذهم مواقف جارفة في الانتخابات. وهذا يعود الى اداء الحكومة، بالاضافة الى ان ما كانوا ينتظرونه من هؤلاء النواب لم يأت مرادفاً لتطلعاتهم.
* الى اي مدى توافق ما قيل ان ابرز سبب لسقوط تمام سلام في الانتخابات هو ما حصل قبيل ذلك من صرف لعدد كبير من عمال التنظيف، نتيجة تلزيم هذه المهمة لشركة خاصة؟ ـ هذا واحد من الامور التي استعملت ضدي في الانتخابات، لذلك وفي مناسبات عديدة اوضحت هذا الامر، وان ما قيل ليس صحيحاً لان من صرف من عمال التنظيف لم يتجاوز عددهم الـ170 عاملاً. وفضلاً عن ذلك فغالبيتهم تم الاتفاق مع الشركة التي اوكلت لها هذه المهمة ان تأخذهم في صفوف عمالها. في اطار آخر، إذا كانت عملية التنظيف تكلفنا مليارا ومائتي مليون ليرة سنوياً، اصبحت بعد تلزيمها لشركة خاصة تكلفنا 450 مليون ليرة سنوياً. والاهم من ذلك، ان كثيرين من هؤلاء العمال ليسوا من بيروت لأن ابناء بيروت عموماً لا يتعاطون هذه الاعمال.
* بالاضافة الى ذلك حكي كثيراً عن استبدال العديد من الموظفين السنة بآخرين شيعة؟
ـ هذا الكلام افتراء وتحريضي وعار من الصحة. الموظفون ما زالوا موجودين وغالبيتهم من السنة، علماً اننا في المقاصد لم نميز ـ في يوم من الايام ـ على مستوى المذاهب، لان المؤسسة، مؤسسة اسلامية وطنية وليست بمثابة دكان صغير.
* هل تفكر بخوض انتخابات العام 2005؟
ـ طبعاً، لم لا. السقوط في دورة انتخابية لا يعني اعتزال السياسة وعدم التفكير مجدداً في خوض الانتخابات. كثيرون ممن تعاطوا السياسة على مدار السنوات نجحوا في انتخابات وسقطوا في اخرى. هي ظروف تأتي وتفرض معطيات معينة، آمل ان تكون ظروف سنة 2005 ناضحة لأتمكن من الاستفادة منها.
* اليوم هل تسعى الى توجيه نجلك صائب توجيهاً سياسياً. هل تتمنى ان يتابع خطى جده وأبيه؟
ـ هي غريزة كل أب ان يرى ولده مستمراً في الطريق الذي كان فيه. هذا صحيح، لكن الامور في عائلتنا ليبيرالية ولا نفرض اي امر على ابنائنا. جدي ابو علي سلام لم يفرض على والدي العمل في الشأن العام، مع العلم انه كان لديه ثمانية ابناء وأوسطهم والدي. وهو الذي اختار هذا الطريق، وفي ما بعد لم يفرض علي او على اخوتي اي امر، انما كل منا خاض المعترك الذي يحب.
* وهل تلاحظ لدى صائب اليوم ميولاً سياسية؟
ـ قد يكون عنده ميول سياسية، لكن لن افرض عليه العمل السياسي الا اذا كان راغباً حقاً في هذا المجال.
* ما معنى ان يربى الانسان في بيت زعيم.. الى اي مدى يصقل ذلك شخصيته؟
ـ سبق ان ذكرت ان متطلبات العمل العام كثيرة، بالاضافة الى الازمات السياسية التي تتطلب جهداً مضاعفاً، لكن والدي طالما بذل جهداً للتفرغ لحياته العائلية ايضاً. لم يشعرنا يوماً انه بعيد عنا. بالطبع نشأتي في هذه الأجواء ساهمت في تكوين شخصيتي.
* من الجميل ان يكون الواحد نجل زعيم او شخص معروف وناجح، لكن بالمقابل هناك من تتعبه مقارنته بأبيه، اذ يشعر انه مهما فعل فلن يكون مثل والده.. ما تعليقك؟
ـ تذكرينني بقصة حدثت معي إثر موقف سياسي اتخذته خلال وجود والدي في جنيف، اذ لحق بي مرة شخص كان على علاقة وطيدة مع العائلة وبادرني قائلاً: وانا اتابعك تخوض غمار السياسة، ذكرتني عندما بدأ والدك يعمل في السياسة. كثيرون كانوا يرددون على مسامعه مآثر والده. اقول لك ذلك لانني متأكد ان كثيرين سيسمعونك الكثير عن والدك وانك يجب ان تفعل مثله. ما احب ان اقوله لك انه لا تأبه بهكذا كلام، لانك ستشعر يوماً انك مهما فعلت فلن تكون مثل والدك. فلا تتأثر بذلك. برأيي ان المقارنة ستبقى.
* كونك ابن صائب سلام، هل كونت شخصية خاصة بتمام سلام؟
ـ طبعاً، ولولا ذلك لما كان لي هذا الموقع في البلد ولما تمكنت من خوض الانتخابات في 1996، وقبل ذلك اعتكافي عن انتخابات عام .1992
* والدك كان انفعالياً.. فهل كان قاسياً؟
ـ بقدر ما كان انفعالياً في الحياة العامة بقدر ما كان مرناً وطرياً في حياته العائلية.
* هل كان لديه شخصيتان مختلفتان.. تلك التي مع الناس وأخرى في المنزل؟
ـ لا يمكن القول بذلك. كان مع الناس كما في البيت لطيفاً دمثاً ودوداً يحترم الآخرين ويسامحهم كما كان مع العائلة. لكن في القضايا الوطنية الكبرى كان شديداً وحازماً.. وبالتالي لا يمكن مقارنة هذه القضايا بالقضايا العائلية التي تظل بسيطة.
* في ظل انشغاله المكثف، الى اي مدى كانت الوالدة تعوض غيابه؟
ـ كان للوالدة دوراً مهما،ً كونها كانت هادئة ورزينة وموجودة دائماً في البيت، وادى ذلك الى نشوء جو عائلي حميمي مما اراحنا كثيراً.
* الى اي مدى على زوجة المسؤول لعب دور في حياته العامة؟
ـ في الماضي كان الدور المطلوب من زوجة المسؤول محدوداً، اما اليوم فنطاق نشاطها بات اوسع. والدتي كان لها ظهور محدود لان المجتمع لم يكن يطلب من المرأة دوراً ميدانياً، كان مطلوب منها ان تبقى في البيت لتحافظ عليه مفتوحاً للتعاطي مع الناس.
* الى اي مدى لعبت زوجتك لمى دوراً في حياتك السياسية على الرغم من ابتعادها عن الحياة الاجتماعية الخاصة بزوجات السياسيين؟
ـ دور لمى كان له علاقة بخلفيتها التربوية مما ساعد كثيراً في مواكبة التغييرات التي جرت في "المقاصد". لكن لمى لم تأت من بيت سياسي، عالم السياسة كان جديداً عليها، ومع ذلك تمكنت، وخلال وقت قصير، من خوض جوانب معينة في المعترك السياسي تجلت في دورها اللافت في الانتخابات النيابية الاخيرة من خلال الماكينة الانتخابية والمتابعة اليومية وعلاقتها المباشرة مع الناس. اما على الصعيد الاجتماعي فهي ليست بسيدة المجتمع التي تساهم وتشارك في كثير من النشاطات النسائية كاللقاءات والمآدب فهي تؤثر ان توظف هذا الوقت في مجال اختصاصها. فهي ما زالت تتابع عملها التربوي من موقع كانت فيه قبل زواجنا وهو مركزها في احدى المدارس الرفيعة المستوى التي تشارك في مجلس ادارتها ومجلس امنائها.
* ماذا كانت دراستك؟
ـ دراستي كانت متقطعة ومتبدلة. تنقلت في اكثر من مدرسة في بيروت. وبين عامي 1959 و1958 اضطررت الى متابعة دراستي في القاهرة نظراً لتأزم الاوضاع في لبنان. كما انه لم يتسن لي متابعة دراستي الجامعية حتى النهاية، اذ كنت بدأت بدراسة الاقتصاد لكن ولظروف طرأت ولجت العمل الاجتماعي.
* بمن تأثرت من زعماء العالم؟
ـ تأثرت كثيراً، كما تأثر معظم ابناء جيلي، بجمال عبد الناصر. كما تأثرت بالملك فيصل وايضاً بالرئيس الفرنسي شارل ديغول وله موقع مميز عندي.
* عائلتك ممن تتألف؟
ـ لدي ثلاثة ابناء: صائب وتميمة وثريا. صائب يعمل حالياً في نيويورك في مجال تصميم الغرافيك في احدى المؤسسات الاعلامية، وثريا ما زالت تتابع دراستها في التاريخ في الجامعة الاميركية في بيروت.
*عندما تحلل انجازاتك اليوم.. هل تعتبر انك حققت الكثير مما راودك، هل تشعر بالرضى الذاتي؟
ـ بكل صراحة لا، انا بعيد جداً عما كنت اتمناه. على مستوى ما طمحت اليه ضمن اطار العمل الاجتماعي يمكنني القول انني حققت الكثير خاصة في ما يخص تطوير وتنمية جمعية المقاصد. اما في ما يخص الشأن العام والعمل السياسي فما زلت بعيداً عن اي شيء كنت اتمناه، خصوصاً في ما يتعلق بالاصلاح على مستوى لبنان.
* الحروب تساهم عادة في فتح العيون والنضوج المبكر.. الى اي مدى ساهمت الحرب في لبنان في بلورة وعيك؟
ـ صحيح، الحرب تختزل المسافات وتساهم في اليقظة لكن هذا ليس كافيا لتغيير مجرى الامور او التأثير ايجابياً في حالة سلبية.
* هل تعتبر ان سبتمبر (ايلول) 2000 شكل منعطفا في حياتك جعلتك تقف وتراجع نفسك؟
ـ نعم انه شكل محطة مهمة وساهم في افساح المجال امامي في مراجعة ذاتي وكثير من الامور. العبرة لمن اعتبر والمكابرة وتجاهل ما حصل لا يؤدي الى شيء، مع انني لم افاجأ بما حصل.. كنت اراه قادماً.
* قراءتك في اية خانة تصب؟
ـ اطالع كثيراً، وغالبيتها تصب في السياسة، لكن هذا لا يمنع انني اقرأ ايضاً في التاريخ الذي احبه وارى اننا نأخذ منه الكثير من العبر.(الشرق الأوسط اللندنية)