&
تبدأ الجمعية العامة للامم المتحدة اجتماعاتها للدورة الجديدة في ذات الوقت الذي تحيي فيه الولايات المتحدة ذكرى هجمات 11 سبتمبر (ايلول) ضد مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر البنتاغون. وسيطلب من الجمعية العامة مناقشة قضية الارهاب وايجاد معاهدة دولية للتعامل معه. ويتوقع الجميع ان تفشل الجمعية العامة في تحديد تعريف الارهاب، مرة اخرى.
وقد نوقش هذا الموضوع في العديد من مراكز الابحاث والتجمعات الدولية في الشهور الماضية. ففي اوائل هذا العام قرر مؤتمر لوزراء خارجية الدول الاسلامية، في اجتماعه في كوالالمبور، الاعتراف بفشله في تحديد الارهاب. كما فشل الاتحاد الاوروبي ايضا، في التوصل الي تحديد مقبول من جميع اعضائه. وطبقا لمعلوماتنا فإن مؤتمر قمة الدول الصناعية الثماني، الذي سيعقد في كندا في اواخر هذا الشهر، سوف يواجه العائق نفسه.
وخلال الاشهر القليلة الماضية حضر كاتب هذه السطور نصف دستة من الاجتماعات للخبراء الذين يحاولون حل هذا اللغز، والعثور على تحديد للارهاب يمكن قبوله من معظم الناس. ومما شاهدناه وسمعناه، بدا واضحا استحالة التوصل الى اتفاق كهذا ـ على الاقل في الوقت الراهن. وهناك عدة اسباب لذلك:
السبب الاول، هو ان العالم المعاصر يعتقد بصورة اتوماتيكية ان كل تعريف يحتوي على عنصر من الحكم الاثني. ومثل هذا الاعتقاد كان سيثير دهشة ارسطو، أبي التحديدات، الذي يعرف ان تعريف الاشياء كما وجدها هو فعل يتسم بالبرودة، يعطي الانطباع بعدم وجود تقييم اخلاقي على الاطلاق. ومثل هذا التقييم يصف في البداية مجال الاخلاقيات، وهو مجال في غاية الاختلاف. أما أرسطو فسيصف عينين سوداوين ثم يقيم جمالهما في اطار الجماليات. والاهم من ذلك انه سيؤكد اولا ما اذا كانت الفرضية حقيقية ام لا قبل ان يبلغنا ما اذا كان يتفق معها ام لا. ان الحقيقة مقدسة بينما الاراء حرة. واليوم، فإن الناس يجزمون ما يعجبهم باسم حرية الرأي او الجماعية.
والسبب الثاني هو ان جدليات علاقات الذاتي والموضوعي محرفة في هذه الحالة. ولنشرح الامر نأخذ الحرب كمثال. ان من يشعل نار الحرب وضحيتها يتفقان على ماهيتها. فيطلقان عليها اسم الحرب. الذي يشعل نيران الحرب ربما يطلق عليها اسم: حرب عادلة، او حرب مقاومة او يستخدم ايا من الصفات التي يراها مناسبة لاغراضه الخاصة. وينطبق نفس الشيء على الضحية. الا ان الاثنين يوافقان على ان ما يحدث هو حرب. مثل هذه الحقيقة جعلت من الممكن التوصل الى اتفاقية دولية حول تعريف الحرب، وبالتالي ساهمت في وضع قواعدها. والامر نفسه يمكن قوله بالنسبة للسرقة. ربما يبرر السارق فعلته بعدة مبررات: فعل ذلك بسبب الفقر او الانتقام او انه اراد الاخذ من الاغنياء ليعطي الفقراء. ولكنه لا ينفي ان اخذ ما يملكه الغير بطريقة غير مشروعة هو سرقة.
اما في حالة الارهاب، فلا توجد ارضية تعريفية مشتركة بين الفاعل والضحية. فالضحية اذا بقي على قيد الحياة، يصرخ ويقول انه تعرض لهجوم ارهابي. اما الفاعل، اذا كانت لديه الشجاعة بالاعتراف بفعلته، فيتباهى بأن ما يفعله امر مختلف: يشن حربا مقدسة، على سبيل المثال.
ولم تكن هذه هي الحالة دائما.
إلى فترة اخيرة كان الارهاب مفهوما ومعترفا به، وإن كان بنظرة تتسم بالاستنكار، بأنه من حقائق الحياة. وكان هومر يعلم ذلك جيدا واشار اليه في الالياذة حيث كان اخيل يلقب بـ"الارهاب".
كان زعماء الثورة الفرنسية عام 1793 يفخرون بانهم اطلقوا على سياستهم اسم "الارهاب العظيم". ولم يكن روبسبير وسانت جست يشعران بالحرج عندما يطلق عليهما اسم "الارهابيين". ويحتوي النشيد الوطني الفرنسي، المارسيليز، على عدة كلمات تدعو للارهاب وخاصة ضد عناصر الثورة المضادة والاجانب.
كان النارودنيون (الشعبيون) الروس، من الامير كروبوتكين الى الصعلوك نشاييف، يمدحون الارهاب باعتباره اسمى اشكال الفعالية الثورية. وينتقل بعض ابطال دستويفسكي بين الارهاب والمسيحية كبديلين محتملين للخلاص. وفي عام 1905 اطلق حيدر اموغي، احد رواد الشيوعية بايران، على منظمته اسم "اللجنة الارهابية"، وكان اعضاء هذه المنظمة يسمون انفسهم "الاخوة الارهابيون".
وكان غافريل برينسب، الوطني الصربي، الذي اغتال ولي العهد النمساوي فرانز جوزيف، عام 1914 يفخر بانه ارهابي. ومن المعروف ان الزعيم البلشفي، فلاديمير لينين، لم يكن يتردد في الدعوة الى الارهاب كوسيلة من وسائل انتصار ثورته. وقد اجاز زميله ومنافسه تروتسكي في المرسوم الشهير المعروف بـ"مرسوم الرهائن"، للنظام الثوري ان يخطف اطفال وزوجات موظفي النظام القيصري واغتيالهم لنشر الارهاب.
وفي الاربعينات والخمسينات دعت مجموعة "فدائي اسلام"، بصورة مفتوحة، الى "استخدام الارهاب لنصرة القضية المقدسة".
المشكلة هي ان الذين يمارسون الارهاب في الحاضر يرفضون ان يطلق عليهم اسم الارهابيين. وهذا لان الارهاب لم يفقد فقط بريقه الثوري القديم، بل أدين على مستوى العالم باعتباره وسيلة همجية للنشاط السياسي. وليس ثمة اية فرصة لان يستعيد الارهاب الهالة الرومانسية التي كانت تحيط به في يوم من الايام. ولذلك ليس من المحتمل ان يرضى ارهابيو اليوم بتصنيف نشاطاتهم بهذا المصطلح. وما دام هؤلاء لا يعترفون بانهم ارهابيون، فليس بامكان احد ان يفرض تعريفا شاملا للارهاب مقبولا للجميع.
ما هو المخرج اذن؟
يمكننا بالطبع ان نهز اكتافنا استخفافا، ونعترف انه في عالم يسأل فيه الناس "ما تعريف التعريف"، فان الفرصة ليست كبيرة لايجاد تعريف وفق مصطلحات مقبولة للجميع. وهناك بالطبع كثير من حقائق الحياة لا يمكن تعريفها بصورة تجعلها مقبولة من الناس جميعا. فنحن على سبيل المثال نعرف ما هو "الغباء" ولكننا لا يمكن ان نتفق على تعريف دقيق لهذه الظاهرة.
وبدلا من ذلك يمكننا ان نقارب هذه الظاهرة باعطائها تعريفا وصفيا، أي نعرفها كمنهج وكشكل من اشكال الفعالية ونبتعد ابتعادا كاملا عن اصدار أي حكم اخلاقي عندما نطرح تعريفنا هذا. ومثل هذه المقاربة يمكن ان توصلنا الى تعريف محتمل:
الارهاب هو أي فعل او سلسلة من الافعال ترتكب ضد المدنيين بغرض اقناع المجتمع أو جزء منه بتنفيذ اهداف يؤمن بها الارهابيون او الامتناع عن افعال يعترضون عليها.
وعلى اساس هذا التعريف فان ما فعله مهاجمو 11 سبتمبر كان عملا ارهابيا. ما ان يتحدد المنهج حتى يتمكن المجتمع الدولي من مناقشة ما اذا كان سيقنن هذه الممارسة او يحرمها ويتعامل معها كجريمة ويعلن عليها الحرب.
ان المرء لتعتريه الحيرة: ماذا كان ارسطو سيقول حول هذا الموضوع؟(الشرق الأوسط اللندنية)
وقد نوقش هذا الموضوع في العديد من مراكز الابحاث والتجمعات الدولية في الشهور الماضية. ففي اوائل هذا العام قرر مؤتمر لوزراء خارجية الدول الاسلامية، في اجتماعه في كوالالمبور، الاعتراف بفشله في تحديد الارهاب. كما فشل الاتحاد الاوروبي ايضا، في التوصل الي تحديد مقبول من جميع اعضائه. وطبقا لمعلوماتنا فإن مؤتمر قمة الدول الصناعية الثماني، الذي سيعقد في كندا في اواخر هذا الشهر، سوف يواجه العائق نفسه.
وخلال الاشهر القليلة الماضية حضر كاتب هذه السطور نصف دستة من الاجتماعات للخبراء الذين يحاولون حل هذا اللغز، والعثور على تحديد للارهاب يمكن قبوله من معظم الناس. ومما شاهدناه وسمعناه، بدا واضحا استحالة التوصل الى اتفاق كهذا ـ على الاقل في الوقت الراهن. وهناك عدة اسباب لذلك:
السبب الاول، هو ان العالم المعاصر يعتقد بصورة اتوماتيكية ان كل تعريف يحتوي على عنصر من الحكم الاثني. ومثل هذا الاعتقاد كان سيثير دهشة ارسطو، أبي التحديدات، الذي يعرف ان تعريف الاشياء كما وجدها هو فعل يتسم بالبرودة، يعطي الانطباع بعدم وجود تقييم اخلاقي على الاطلاق. ومثل هذا التقييم يصف في البداية مجال الاخلاقيات، وهو مجال في غاية الاختلاف. أما أرسطو فسيصف عينين سوداوين ثم يقيم جمالهما في اطار الجماليات. والاهم من ذلك انه سيؤكد اولا ما اذا كانت الفرضية حقيقية ام لا قبل ان يبلغنا ما اذا كان يتفق معها ام لا. ان الحقيقة مقدسة بينما الاراء حرة. واليوم، فإن الناس يجزمون ما يعجبهم باسم حرية الرأي او الجماعية.
والسبب الثاني هو ان جدليات علاقات الذاتي والموضوعي محرفة في هذه الحالة. ولنشرح الامر نأخذ الحرب كمثال. ان من يشعل نار الحرب وضحيتها يتفقان على ماهيتها. فيطلقان عليها اسم الحرب. الذي يشعل نيران الحرب ربما يطلق عليها اسم: حرب عادلة، او حرب مقاومة او يستخدم ايا من الصفات التي يراها مناسبة لاغراضه الخاصة. وينطبق نفس الشيء على الضحية. الا ان الاثنين يوافقان على ان ما يحدث هو حرب. مثل هذه الحقيقة جعلت من الممكن التوصل الى اتفاقية دولية حول تعريف الحرب، وبالتالي ساهمت في وضع قواعدها. والامر نفسه يمكن قوله بالنسبة للسرقة. ربما يبرر السارق فعلته بعدة مبررات: فعل ذلك بسبب الفقر او الانتقام او انه اراد الاخذ من الاغنياء ليعطي الفقراء. ولكنه لا ينفي ان اخذ ما يملكه الغير بطريقة غير مشروعة هو سرقة.
اما في حالة الارهاب، فلا توجد ارضية تعريفية مشتركة بين الفاعل والضحية. فالضحية اذا بقي على قيد الحياة، يصرخ ويقول انه تعرض لهجوم ارهابي. اما الفاعل، اذا كانت لديه الشجاعة بالاعتراف بفعلته، فيتباهى بأن ما يفعله امر مختلف: يشن حربا مقدسة، على سبيل المثال.
ولم تكن هذه هي الحالة دائما.
إلى فترة اخيرة كان الارهاب مفهوما ومعترفا به، وإن كان بنظرة تتسم بالاستنكار، بأنه من حقائق الحياة. وكان هومر يعلم ذلك جيدا واشار اليه في الالياذة حيث كان اخيل يلقب بـ"الارهاب".
كان زعماء الثورة الفرنسية عام 1793 يفخرون بانهم اطلقوا على سياستهم اسم "الارهاب العظيم". ولم يكن روبسبير وسانت جست يشعران بالحرج عندما يطلق عليهما اسم "الارهابيين". ويحتوي النشيد الوطني الفرنسي، المارسيليز، على عدة كلمات تدعو للارهاب وخاصة ضد عناصر الثورة المضادة والاجانب.
كان النارودنيون (الشعبيون) الروس، من الامير كروبوتكين الى الصعلوك نشاييف، يمدحون الارهاب باعتباره اسمى اشكال الفعالية الثورية. وينتقل بعض ابطال دستويفسكي بين الارهاب والمسيحية كبديلين محتملين للخلاص. وفي عام 1905 اطلق حيدر اموغي، احد رواد الشيوعية بايران، على منظمته اسم "اللجنة الارهابية"، وكان اعضاء هذه المنظمة يسمون انفسهم "الاخوة الارهابيون".
وكان غافريل برينسب، الوطني الصربي، الذي اغتال ولي العهد النمساوي فرانز جوزيف، عام 1914 يفخر بانه ارهابي. ومن المعروف ان الزعيم البلشفي، فلاديمير لينين، لم يكن يتردد في الدعوة الى الارهاب كوسيلة من وسائل انتصار ثورته. وقد اجاز زميله ومنافسه تروتسكي في المرسوم الشهير المعروف بـ"مرسوم الرهائن"، للنظام الثوري ان يخطف اطفال وزوجات موظفي النظام القيصري واغتيالهم لنشر الارهاب.
وفي الاربعينات والخمسينات دعت مجموعة "فدائي اسلام"، بصورة مفتوحة، الى "استخدام الارهاب لنصرة القضية المقدسة".
المشكلة هي ان الذين يمارسون الارهاب في الحاضر يرفضون ان يطلق عليهم اسم الارهابيين. وهذا لان الارهاب لم يفقد فقط بريقه الثوري القديم، بل أدين على مستوى العالم باعتباره وسيلة همجية للنشاط السياسي. وليس ثمة اية فرصة لان يستعيد الارهاب الهالة الرومانسية التي كانت تحيط به في يوم من الايام. ولذلك ليس من المحتمل ان يرضى ارهابيو اليوم بتصنيف نشاطاتهم بهذا المصطلح. وما دام هؤلاء لا يعترفون بانهم ارهابيون، فليس بامكان احد ان يفرض تعريفا شاملا للارهاب مقبولا للجميع.
ما هو المخرج اذن؟
يمكننا بالطبع ان نهز اكتافنا استخفافا، ونعترف انه في عالم يسأل فيه الناس "ما تعريف التعريف"، فان الفرصة ليست كبيرة لايجاد تعريف وفق مصطلحات مقبولة للجميع. وهناك بالطبع كثير من حقائق الحياة لا يمكن تعريفها بصورة تجعلها مقبولة من الناس جميعا. فنحن على سبيل المثال نعرف ما هو "الغباء" ولكننا لا يمكن ان نتفق على تعريف دقيق لهذه الظاهرة.
وبدلا من ذلك يمكننا ان نقارب هذه الظاهرة باعطائها تعريفا وصفيا، أي نعرفها كمنهج وكشكل من اشكال الفعالية ونبتعد ابتعادا كاملا عن اصدار أي حكم اخلاقي عندما نطرح تعريفنا هذا. ومثل هذه المقاربة يمكن ان توصلنا الى تعريف محتمل:
الارهاب هو أي فعل او سلسلة من الافعال ترتكب ضد المدنيين بغرض اقناع المجتمع أو جزء منه بتنفيذ اهداف يؤمن بها الارهابيون او الامتناع عن افعال يعترضون عليها.
وعلى اساس هذا التعريف فان ما فعله مهاجمو 11 سبتمبر كان عملا ارهابيا. ما ان يتحدد المنهج حتى يتمكن المجتمع الدولي من مناقشة ما اذا كان سيقنن هذه الممارسة او يحرمها ويتعامل معها كجريمة ويعلن عليها الحرب.
ان المرء لتعتريه الحيرة: ماذا كان ارسطو سيقول حول هذا الموضوع؟(الشرق الأوسط اللندنية)
التعليقات