&
تعرف كل شخصية مؤثرة في التاريخ الحديث من خلال المرحلة التي عاشتها تلك الشخصية ودرجة تأثيرها في تلك المرحلة، ولكن شخصية الامام الخميني الراحل كانت مختلفة تماما, فقد كان الامام هو صانع المرحلة التاريخية التي عاشها، وله الفضل كل الفضل في ما آلت اليه الصحوة الاسلامية منذ ثلاثة عقود من الزمن والى يومنا هذا, فما انجزه هذا الرجل من تحول كبير في التاريخ الاسلامي المعاصر لا يمكن إلا أن نقف أمامه وقفة تأمل وتدبر.
ولست هنا في صدد سرد مفردات الخطاب الاسلامي الذي جاء به الامام الراحل، ذلك أن الموضوع قد أعطي حقه من الطرح والنقاش، ولكن أرى من المهم ايضاح حقيقة جلية هي أن عظمة مرحلة شخصية الامام جاءت في كون تلك الشخصية قد لعبت دورا كبيرا في تفعيل مثلث التاريخ والحضارة الذي يشكل الشعب والعقيدة والقيادة زواياه الثلاث.
فقد كانت الحكومات الديكتاتورية جاثمة على صدر الامة الاسلامية بعد أن قسمها الاستعمار الغربي الى دول ودويلات تفرقها الحدود والانظمة، وباتت مفردات العقيدة الاسلامية تعاني الجمود في الاجتهاد السياسي بحيث لم يعد الكثير من علماء الدين باستطاعتهم مواكبة حاجة الناس الى التغيير والعيش الكريم في ظل النظام الاسلامي النموذجي والسليم, كما وصل الكثير من قادة حركات التحرر الاسلامية الى درجة من اليأس والاحباط وهم يشاهدون الطرق المسدودة التي تحول دون ووصولهم الى تطبيق الحكم الاسلامي في كل مناطق العرب والمسلمين.
هنا فقط، وفي تلك الظروف الحرجة للغاية جاء الامام الخميني ليصنع المرحلة الجديدة عام 1979، حين فجّر ثلاث ثورات اسلامية في آن واحد, الثورة الأولى كانت اسقاط النظام الديكتاتوري العميل للغرب في ايران واعلان الجمهورية الاسلامية وتنصيب الشعب على سدة القرار كصمام امان لمسار الثورة وضمان اسلاميتها.
أما الثورة الثانية، فقد طالت التجديد في الآلية الاجتهادية للفكر والاعتقاد في حوزة العلوم الدينية التي كانت تمثل مصدر الثروة العلمانية لدى الشعب الايراني، فقد نجح الامام في غربلة الكثير من الاجتهادات وطرح مبدأ ولاية الفقيه كنظرية للحكم السياسي الاسلامي، ومدد صلاحية المرجعية الدينية من ولايتها الحسبية الى الولاية العامة، وأحيا مصطلحات ومفاهيم قرآنية اندثرت في بطون الكتب والمصادر الدينية ليجندها في خدمة متطلبات المرحلة الجديدة.
أما الثورة الثالثة للامام الخميني الراحل، فقد طالت قيادات احزاب وحركات التحرر الاسلامية في شتى أنحاء العالمين العربي والاسلامي، ذلك حين نبذ الامام العمل الحزبي بمفهومه العقائدي وقلب الهرم داعيا الى أن تسير القيادات مع الشعوب لا أمامها ليجعل بذلك الثوابت العقائدية تنبع من ارادة الامة لا من جعبة أفكار النخبة مهما تمتعت من مزايا وخبرة وتطلعات.(الرأي العام الكويتية)