&
قبل ابرام اتفاق اوسلو، الذي يتسابق الفلسطينيون والاسرائيليون على نعيه اليوم، كانت في يد المفاوض الفلسطيني ثلاث اوراق قوية:
- عدم الاعتراف بشرعية دولة اسرائيل.
- الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تنص بعض بنوده على الكفاح من أجل ازالة الدولة العبرية.
- الانتفاضة الشعبية التي انطلقت عام 1988 وشغلت العالم واعادت الى القضية الفلسطينية بعض الألق والوهج اللذين فقدتهما في احتراب المنافي.
وبدا واضحاً في السنوات التي تلت اتفاق اوسلو، وخصوصاً في السنتين الاخيرتين، ان القصد الاسرائيلي من وراء ابرام الاتفاق كان تجريد الفلسطينيين من اوراقهم الثلاث في مقابل حكم ذاتي غايته الاساس تخليص الحكومة الاسرائيلية من عبء الحياة اليومية للفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة ومدن الضفة، وجعل الجيش الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية جيشاً ضيفاً وليس جيشاً محتلاً، وابقاء السيادة الفعلية في هذه المناطق لاسرائيل من دون ان تترتب عليها في المقابل اي موجبات او تبعات سياسية وديبلوماسية. والاهم من ذلك انتزاع اعتراف فلسطيني ومن ثم عربي بشرعيتها الدولية، وتالياً كسر الجدار العازل مع المحيط وفتح ابواب التطبيع على مصراعيها. ويبدو ان اسرائيل لم تكن تمانع في نهاية المفاوضات في ان يطلق اسم دولة فلسطين على هذا الكيان الهزيل بشرط وحيد ان تكون هذه الدولة شرطياً يضمن الامن لاسرائيل، وألا تكون لها حدود مع الخارج سوى حدود اسرائيل نفسها، وألا تقيم علاقات مع دول تضمر العداء لتل ابيب.
الا ان المفاوض الفلسطيني، في ظل النكسات المتلاحقة والاختلال الفادح في الموازين الدولية والاقليمية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج، قد تخلّى (صح ام خطأ) عن اوراقه التفاوضية الثلاث في مقابل حكم ذاتي محدود كان يأمل في ان يتطور الى دولة مستقلة حدودها حدود 4 حزيران ،1967 اذ لم يكن في الامكان ما هو افضل.
وبصرف النظر عن الموقف من الاتفاق، فان الفلسطيني قبل بما هو معروض وسعى الى تحسينه انطلاقاً من مبدأ "خذ وطالب". اما الاسرائيلي فاعتبر انه اعطى اكثر مما ينبغي وما على الآخر سوى الرضوخ للشروط حتى يحافظ على ما ناله واخذه.
وفي كمب ديفيد كان المفترق: الاسرائيلي رسم سقف ما يريده ويسعى اليه، والفلسطيني وجد ان هذا السقف لن يرضيه ولا يعادل ما قدمه من تنازلات ولن يوصله حتى الى دولة على ربع ارضه. فحصل ما حصل وكانت الانتفاضة الثانية مستفيدة هذه المرة من الحسنة الوحيدة لاتفاق اوسلو: وجود القيادة الفلسطينية في الداخل ونقل الصراع الى مكانه الصحيح في ارض فلسطين.
ومن الواضح ان المفاوض الفلسطيني لم ينظر حتى الآن الى هذه الانتفاضة كحرب تحرير لا تتوقف الا بالاستقلال النهائي. فتعاطى معها كورقة ضغط للعودة الى المفاوضات وتحسين شروطها، لذا لم يكن مستغرباً ان تركز اسرائيل سهامها على الانتفاضة لدفنها قبل الشروع في اي مفاوضات مقبلة حتى يأتي الخصم مجرداً من اي اوراق وغير قادر على المناورة وانتزاع مكاسب غير مسموح بها اسرائيلياً.
وحتى الآن نجح الاسرائيلي في توظيف الآخرين في جهده لانتزاع هذه الورقة حتى صارت المطالبة بوقف العنف الفلسطيني لازمة في اي خطاب سياسي، ليس فقط في خطب المسؤولين الاميركيين والاوروبيين فحسب، بل ايضاً في خطب بعض المسؤولين العرب. كما حقق تقدم في شل نشاطها الشعبي وتصويرها للغرب على انها مجرد "ارهاب" يتعين مطاردته ودحره.
لكن نجاحه النهائي لا يتحقق الا اذا استطاع عزل الانتفاضة عن ناسها وجعلها مادة للاحتراب الداخلي بين الفلسطينيين، وعندها لا ينفع الندم ولا وعود بوش ولا حتى البكاء على اطلال اوسلو. (النهار اللبنانية)
التعليقات