&
نبيل خليفة& :& جاء مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني العام السادس عشر بعد مرور خمس سنوات على مؤتمر الحزب الخامس عشر (عام 1997) الذي عقد في أعقاب وفاة زعيم الحزب التاريخي دينغ كشياو بينغ (في 19 شباط/ فبراير 1997) وفيه استطاع جيانغ زيمين الرئيس الحالي للصين ان يبعد غريمه شياوشي مستعيناً بأطروحة (تجديد شباب الحزب وكادراته) وفي ضوئها جيء برئيس الوزراء الحالي زورونجي الى السلطة.
فما الذي يتوقعه المراقبون حول السلطة الجديدة في الحزب؟
لقد وضع المسؤولون الحزبيون الصينيون مؤتمرهم السادس عشر تحت عنوان (التبديل) وهم يشيرون بذلك الى أربعة أمور:
1 - ان انتقال السلطة في الحزب يتم بهدوء وبشكل (ديموقراطي).
2 - ان رجال السلطة الجدد يجب ان يكونوا من الشباب وليس من الحرس القديم الذي تخطاه الزمن بأبعاده السياسية والاقتصادية والتاريخية.
3 - ان المطلوب هو قفزة جديدة في النمو الاقتصادي, لكنها تشكل استمراراً للخط الاقتصادي الذي تبنته القيادة السابقة للحزب وليس قطعاً معه.
4 - ان المطلوب, في اطار هذا التوجه هو ضخ دم جديد في عروق الحزب والبلاد وليس الاتجاه نحو خيارات جديدة: إن على مستوى الداخل أم على مستوى الخارج.
لكن موضوع الخلافة ليس أمراً سهلاً مهما كانت الأوضاع والنفوس هادئة في قاعة الاجتماعات. ان غياب الصراع المكشوف والعميق داخل الجمعية العامة للمؤتمر بين تيارين مركزيين على الأقل, لا يمنع وجود آراء ومواقف واعتبارات تملي على المسؤولين المتنحين, او الذين جرت تنحيتهم, اتخاذ مواقف هي على علاقة بأبنائهم او أقربائهم الذين يودّون وضعهم في نقاط ومراكز مهمة داخل القيادة الجديدة تعبيراً عن استمراريتهم, غير المباشرة في السلطة. وهؤلاء الأبناء الذين أطلقت عليهم احدى الصحف تسمية (الأمراء) يشكلون فعلاً جزءاً مهماً من التنافس والصراع على السلطة في بكين.
وفي عودة الى بعض هؤلاء الأبناء (الأمراء) الذين يدفع بهم آباؤهم (الزعماء) الى الواجهة, ثمة جيل بكامله تعلّم خارج الصين لا سيما في الولايات المتحدة وجامعاتها المعروفة وعاد الى بلاده وترفّع في سلّم المسؤولية, خصوصاً في ادارة الشركات الكبرى والمشاريع الكبرى وفي مجالات التكنولوجيا والاتصالات, بما في ذلك ابن جيانغ زيمين نفسه الرقم الأول في الصين, والذي يعمل, على ما يبدو, ليبقى في الظل رجل الصين القوي, لذا قيل انه ينوي ان يبقى مسؤولاً عن القوات المسلحة الصينية!
هذا التوجه (التحرري) على الطريقة الغربية بدأ منذ أوائل الثمانينات وانتهى دموياً بثورة ربيع بكين الطلابية عام 1989. لكن الوضع الحالي, مع القيادة الجديدة يختلف. فقد نصح الآباء أبناءهم ان يمارسوا ثورتهم من دون ان يعلنوها. وهذه النصيحة خلقت نوعاً من الحياة الموازية في المجتمع الصيني: مبادئ وشعارات ماركسية من جانب وممارسات برو - ليبرالية من جانب آخر. لكن هذه الثنائية أوجدت بعض الحساسية حتى داخل الحزب ولجنته المركزية تحديداً. فقد كان الحزبيون التقليديون (ومعظمهم من الريف) يغضون الطرف عن الممارسات الرأسمالية لأبناء المسؤولين لكنهم في كثير من الحالات كانوا يقفون ضد وصولهم الى سدة المسؤولية.
فهل تغيّر شيء في المؤتمر الجديد؟
وهل سيتمكن (الأمراء) من خلافة آبائهم (الزعماء) في السلطة؟
هذه هي ملامح المعركة داخل المؤتمر من أجل ما يطلق عليه الصينيون تسمية (حزب الأمراء)!
ليس هذا كل شيء, فالمؤتمر مدعو ايضاً الى مقاربة موضوعين مثيرين للجدل: انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية وضم رجال الأعمال الى الحزب باقتراح من الزعيم زيمين نفسه, وهي نظرية سياسية يتوخى منها, كما يقول, توسيع القاعدة الشعبية للحزب وتطعيمه بقوى حية (رجال الأعمال) وغيرهم من القطاعات (الرأسمالية) وهي قوى طالما استبعدت في الماضي عن الحزب وعن كل مسؤولية لأنها من مخلفات (الامبريالية والرأسمالية)! والاستعمار!
من جهة ثانية, فإن انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية يفتح أمامها باب التصدير على نطاق واسع, خصوصاً تجاه الولايات المتحدة, لكن ضمن شروط تفرضها الدول الرأسمالية, بعضها اقتصادي: حرية التجارة, والسوق, وبعضها سياسي/ خلقي: الديموقراطية وحقوق الانسان, ومن مؤشراته ارتفاع الصادرات الصينية الى 183 بليون دولار (عام 1997) ومن ثم زيادتها بنسبة 20.9 في المئة.
إن انهيار الاتحاد السوفياتي, هو في الوقت عينه انهيار للنظرية الماركسية وهو أمر له تأثيره المباشر على الخيارات الايديولوجية للصين: أي على الاشتراكية العلمية بآفاقها (الماوتسية). أكثر من ذلك فإن انهيار التجربة السوفياتية هي بمعناها العميق انهيار للايديولوجيات الكلية التي صبغت القرنين التاسع عشر والعشرين, سواء بمضامينها القومية ام الاشتراكية العلمية. وفي هذه النقطة بالذات يقع الفاصل بين الماركسية الصينية والماركسية السوفياتية. فالايديولوجية الصينية كانت وظلت وما زالت مزيجاً من الاشتراكية والقومية في آن. وما يحدث الآن, وما تنبه له قادة الصين, هو انه ليس بالايديولوجيا وحدها تحيا الشعوب خصوصاً ان هذه الايديولوجيا عادة ما تصبح اطاراً مقفلاً ضمن نظريات تجريدية تكبّل العقل وتهمل الواقع.
لقد أدرك قادة الصين, خصوصاً مع زيمين ان المهم هو التعامل مع عالم اليوم, اي مع عالم الواقع وليس فقط مع عوالم النظريات. لذا أدخل على الطرح الاشتراكي نظرية احتواء رجال الأعمال وبالتالي المبادرة الفردية.
لقد أكدت نتائج مداولات المؤتمر (لدى كتابة هذه السطور) غياب الثلاثة الكبار عن القيادة الجديدة وهم: الرئيس جيانغ زيمين ورئيس البرلمان لي بنغ ورئيس الوزراء زو رونجي. لكن استمرار اي منهم في التأثير عبر القيادة الجديدة أمر مختلف ويتعلق بالأشخاص الجدد ومدى كونهم من صف (الأمراء). ومثل هذا الأمر يحتاج الى درس وتحليل لمكونات القيادة الجديدة. لكن اللافت, بشكل مباشر وواضح, هو تبني المؤتمر مقولة الرئيس زيمين بتطعيم الاشتراكية الصينية ببعض الطروحات الرأسمالية التي أشرنا اليها. وهو ما يؤكد مدى تأثير ونفوذ زيمين على المؤتمر.
ومن الضروري الاشارة الى موضوع الأقلية المسلمة في الصين, وقد أثيرت داخل المؤتمر على لسان المسؤول في منطقة شينغيانغ ذات الغالبية المسلمة. فعدد المسلمين في الصين يبلغ حسب التقديرات (لعدم وجود أرقام رسمية) ما بين 35 - 50 مليون مسلم. في حين يرى الدكتور صابر طعيمة في كتابه (محنة الأقليات الاسلامية والواجب نحوها) (دار الجيل - بيروت) (ان عدد المسلمين في الصين الشيوعية يربو على سبعين مليوناً).
ومهما يكن فإن هذه الأقلية المهمة تعرضت في المؤتمر لشكل من أشكال التهديد بالقول (ان الحكومة ستواصل ضرب الارهابيين بقوة) وفي هذا اشارة الى الثوار الانفصاليين المسلمين الساعين الى استقلال منطقة شينغيانغ عن الحكم الصيني. وكانت الحكومة الصينية بالتوافق مع الولايات المتحدة أدرجت مجموعة (الايفور) المسلمة ذات الأصول التركية والداعية الى قيام (تركمانستان الشرقية الاسلامية) في عداد المنظمات الارهابية المرتبطة بشبكة أسامة بن لادن.
والخلاصة, ان المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني اذا كان جدد, نظرياً, قيادته السياسية فإن ذلك لا يطاول تركيبة القيادة بالعمق, بحيث سيبقى فيها ظل (الزعماء) عبر أشخاص (الأمراء) والذين هم غالباً من الابناء. لكن التجديد الأهم هو في عقيدة الحزب عبر إدخال نظرية زيمين والقائلة بنسبية الصراع الطبقي (عبر ادخال قوى رأسمالية داخل الحزب) وبضرورة المبادرة الفردية (عبر المؤسسات الخاصة ذات الربح) وإن في إطار العمل الحزبي. وهكذا تجد التجربة الاشتراكية نفسها أمام اختبار جديد, بل أمام طبيعة جديدة في التوفيق بين ما ليس متوافقاً!
وفي النتيجة تكون الصين أمام تجربة (ماركسية) شبه (رأسمالية)!

(الوسط اللندنية)