يحي أبوزكريا
&
عندما قامت السلطات الجزائريّة بالغاء الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الاسلاميّة للانقاذ في كانون الثاني - يناير من عام 1992 لم تكن تتوقّع أنّ دائرة العنف ستتسع وتتحوّل الى براكين مع مرور الأيّام, بل انّ الرسميين كانوا يعلنون أنّ القضاء على العنف هي مسألة وقت وأنّ الارهاب سينتهي في غضون أربعة أشهر ليس أكثر. وكانت دوائر القرار تعتبر نفسها مسيطرة على الموقف أمنيّا وأنّ عدد الذين حملوا السلاح في وجه السلطات لا يتجاوز الألفين عنصرا كما كانت تصرّح بذلك المصادر الرسميّة .
وبعد حلّ الجيش الاسلامي للانقاذ لنفسه بعد اتفاق بين قيادة هذا الجيش وقيادة الاستخبارات العسكريّة قيل في الجزائر أنّ الأزمة الأمنيّة ستنتهي قريبا , وأعقبت هذه المرحلة حالة صمت مطبقة قال أثناءها خبراء جزائريون أنّ هذا الصمت سيؤول الى شيئ مهوول على اعتبار أنّ الأحداث التاريخية والراهنة في الجزائر أكدّت ولا زالت تؤكد أنّ مثل هذا الصمت كان دائما يعقبه كوارث.& وحسب ديبلوماسي جزائري خبير بالملف الجزائري فانّ السلطة الجزائرية أخطأت في تقديراتها بشأن خارطة الجماعات الاسلامية المسلحة التي لجأ أفرادها الى اقامة مدن بكاملها تحت الأرض في أوعر المناطق التي استعصت على الاستعمار الفرنسي سابقا .
وكانت السلطة الجزائرية على الدوام تفضّل الخطاب الاعلامي الاستهلاكي الذي يشير الى اندحار الارهاب وتمكنّ السلطة من القضاء على معارضيها على الخطاب الصريح المباشر والذي ينقل كافة الحقائق للمواطنين .
ورغم كل المحاولات العسكرية التي قامت بها السلطة الجزائرية للقضاء على الجماعات الاسلامية المسلحة فانّ هذه الجماعات عاودت الظهور والضرب بقوة في مختلف الولايات التي تواجدت فيها سابقا. وهذه الجماعات متعددة وباتت تملك خبرة واسعة في الكرّ والفرّ وبات لديها ذخائر عسكرية لم تكن متوفرة لديها في السابق.
هذا على صعيد خارطة الجماعات الاسلاميّة المسلحة, أمّا على صعيد القوى المسلحة الأخرى فانّ الجنرال محمّد بتشين الذي عمل مستشارا أمنيّا للرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال والذي كان أيضا مديرا للاستخبارات العسكرية أقوى وأخطر جهاز في الجزائر اعترف أنّ هناك فرقا للموت وظيفتها تعقّب المعارضين من الجبهة الاسلامية للانقاذ وعوائلهم وهذه الفرق تورطّت في عشرات العمليّات الأمنية, وبالاضافة الى هذا فانّ بعض الشخصيات العسكرية المركزية سبق لها وأن شكلّت أجهزة داخل أجهزة , الأمر الذي جعل الفوضى تعمّ في أخطر المصالح وهي المصالح الأمنيّة. ودخلت هذه الأجهزة في صراع حاد فيما بينها, وعرف في الجزائر مايعرف بحرب الأجهزة القديمة والجديدة أي تلك التي كانت في السلطة وتلك الجديدة التي حلّت محلّ القديمة, وفي هذا السياق فانّ مدير الاستخبارات العسكرية الأسبق قاصدي مرباح والذي أغتيل قبل سنوات كان يهددّ بعض المتنفذين الطارئين على الأجهزة الأمنية وبعض الجنرالات الجدد بملفات ثقيلة يقال أنّه سلمها لباحث جزائري هو محمّد بوخبزة ليتمّ نشرها في جريدة جزائرية محليّة فتمّت تصفية مرباح, وتمّت تصفية الباحث الذي كلف بكشف الوقائع والأسرار.
والحروب ضمن هذه الخارطة سواء بين الأجهزة أو بين هذه الأجهزة والجماعات الاسلامية المسلحة, أو ما تفعله هذه الأجهزة وتقوم بنسبته للجماعات الاسلاميّة كل ذلك يندرج في سياق سرّي للغاية ولأجل هذا فانّ الناس في الجزائر وخارجها يتسآلون باستمرار من يقتل من في الجزائر ! ويضاف الى هذه القوى المسلحة هناك الجماعات المحليّة أو الميليشيات المسلحة والتي يفوق عددها450000 مسلحا والتي لحدّ الآن مازالت محافظة على سلاحها وتثأر من عوائل الاسلاميين, وتتهم الجماعات الاسلامية بتنفيذ هذه الأعمال الثأرية .
انّ السبب المركزي لاستمرار العنف في الجزائر هو بقاء القوى المسلحة على حالها ,فلا الجماعات الاسلامية المسلحة تمّ القضاء عليها ولا الأجهزة الأمنية جرى تقليص أظافرها وجعلها لا تخرج على وظائفها الدستورية ولا الميليشيات المسلحة تمّ حلّها. وفي ظلّ وجود السلاح لدى كل أفرقاء الصراع, ومادام الجنود في هذا الصف وفي ذاك جاهزون ومادامت مبررات العنف قائمةK فانّ العنف سيتواصل في ظلّ غياب حلّ سياسي شامل وفي ظل رجحان الكفة لدعاة الحرب والفتنة الذين انتفعوا أيمّا انتفاع من الفتنة الجزائرية العمياء فانّ العنف سيتواصل في الجزائر !!