&
هي مقولة أو حكمة تقول:
"لا يكفي أبدا ان تنتصر لمجرد أن تكون صاحب قضية تقوم على قناعاتك التاريخية وعلى عدالة ما تطالب به".
بل لا بد من حركة منظمة وشبكة من العلاقات والاتصالات والطرح والحوار والإصرار والنضال الصامت في مواجهة التطورات وأسوأ الاحتمالات. فماذا حدث.. رغم عدالة القضية العربية؟؟
لقد تمكن الإسرائيليون وعبر تخطيط منظم منذ (وعد بلفور) ان يخطفوا التأييد الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما استغلوا حاجة العالم الخارج من آلام الحرب وويلاتها... فاستثمروا جراح الحرب وابتزوا العالم يوما بعد يوم بالمحرقة النازية وحصلوا على التأييد والموقف والدموع والتعويضات والتبرعات، وفي أكثر عواصم العالم ليتحول الوعد إلى دولة، والدولة إلى ترسانة من الأسلحة.. وبقي العرب كما كانوا رغم وقوفهم مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وتقديم أكثر من دولة عربية المساعدات (اللوجستية) للحلفاء.
وكما رفض العرب التقسيم دخلوا حروبا غير متكافئة وتمكنت إسرائيل أن تتحول من فكرة إلى دولة، من مشروع استعماري الى حقيقة قائمة اعترف بها أكثر من دولة عربية.. وظلت فلسطين جرحا ينزف في كل قلب عربي، وألما مقيما في كل وطن عربي.
وبقيت القضية العربية الفلسطينية الهم العربي المقيم التي شغلت الخطابين الثقافي والسياسي.
وكما تزاحمت الهواجس والآلام وتلاحقت قوافل المهجرين الفلسطينيين إلى مشارق الأرض ومغاربها، تزاحمت المساحات العربية بالأحداث بالانقلابات العسكرية (مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا).
وبدلا من أن تقود الثورات العربية الأمة العربية في معارك الانتصار، تحولت المعارك إلى نصالي في قلوب المواطنين. فقد أقيمت المخافر والأسوار العالية وتعدد زوار الفجر وتكررت التصفيات الجسدية دفاعا عن مكاسب الثورات. وبقيت إسرائيل تخطط وتطور واقعها وتعمل على برامج التهجير اليهودي إليها من مختلف عواصم العالم، ليصبح سكان إسرائيل خلال عقدين من تاريخ التقسيم إلى قرابة مليونين من البشر، ثم إلى أكثر من أربعة ملايين حتى إحصاء عام 1996م.
تمكنت الدولة التي كان الإعلام الثوري العربي يحتار في اختيار ألقابها، فهي الدولة المسخ وهي الدولة الدخيلة وهي شذاذ العالم.
تمكنت الدولة المسخ ـ كما يقول الإعلام العربي ـ ان تصنع وجودها وأن تبني مفاعل ديمونة وأن تنتج السلاح النووي وأن تمتلك أحدث الأسلحة وأحدث الطائرات والدبابات والصواريخ وأن تقيم نهضة صناعية وان تتفوق بنظامها الديموقراطي فيما يخص علاقة الدولة بمواطنيها.
وإذا كان من المعروف سلفا ان للدعم اللامحدود من الغرب ومن أمريكا بالذات الدور الفاعل في كل ذلك.. فإن السؤال يقول (فماذا فعل العرب خلال نصف قرن، بل ماذا فعل الفلسطينيون أصحاب الشأن أصحاب الوطن السليب أو الوطن المحتل؟؟).
لقد توقف العمل العربي الجماعي في كل مرة تمارس فيه إسرائيل عدوانها المتكرر على الفلسطينيين أو على الجنوب اللبناني عند مرحلة الشجب والاستنكار والتعليقات الإعلامية الحماسية.
ومازالت أزمة العالم العربي هي أزمة الصدق مع الذات، وهي أزمة الفلسطينيين التي غيبت كثيرا من الحقائق في المواجهة الفاعلة مع عدو شرس لا يحترم العهود ولا يقيم للاتفاقيات وزنا.
والإعلام العربي الذي شغل طويلا بالانجازات العربية وبتزكية الذات والبطولات العربية الخارقة، توقف عند مرحلة ليس في الإمكان أفضل مما كان.والحديث عن القضية هو حديث يتكرر عن التخطيط الدقيق في صمت وهدوء لمواجهة عدو هدفه اليوم ابتلاع كامل التراب الفلسطيني كمرحلة أولى تتجدد بعدها أهداف أخرى.
والحديث عن القضية هو حديث عن الأدوار الفلسطينية وعن المنظمات التي خرجت من عباءة منظمة التحرير التي تحولت إلى سلطة بعد ان شطبت من ميثاقها البنود الهامة... ولنأخذ مثلا تنظيم أبو نضال، فقد كان أبو نضال مقاولا ومنفذا لأعمال إرهابية ضد منظمات ودول أو أفراد، وغير أبونضال تعددت أسماء أخرى.
وقد عاش أبو نضال بين سوريا وليبيا والسودان ثم العراق، حيث وجد مقتولا في بيته.
وإذا كانت الأزمة لا تكمن في تعدد الخطاب النضالي والمواقف السياسية بقدر ما تكمن في استثمار القضية للظهور والإثراء على حساب شعب مازال يواجه الموت والقهر على أرضه والحديث عن القضية حديث عن اتفاقات (أوسلو)، الاتفاقات التي تحولت إلى مجرد سطور لا تستحق قيمة الورق التي كتبت عليه، حتى ولو وقعت وسط الأضواء في حديقة البيت الأبيض وشهد عليها الرئيس الأمريكي الأسبق... لقد تحولت بعد سنوات إلى مجرد ذكرى وشريط فيديو مصور.
والحديث عن القضية حديث عن التجديد... تجديد الدماء. وإذا كان الفلسطينيون والعرب في كل مكان يعترفون بكل الجهد الرائع والنضال الذي قاد به الحرس القديم قضية النضال الفلسطيني وما شهده هذا النضال من آلام ودموع ودماء وبكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، ألا يمكن بعد هذا ان تعطى الملامح النضالية الشابة فرصة المشاركة وقيادة النضال الذي لن ينتهي اليوم أو غدا.
ألا يمكن أن يتبنى الفلسطينيون عبر مجلسهم أو لجانهم أو عبر استفتاء للشعب الذي يعيش مأساة القتل والتصفيات وهدم المنازل وتغيير البنية مشروع التغيير في الملامح والسمات للحرس القديم بإدخال الدماء الشابة والأفكار النضالية الجديدة التي تضع السلاح في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى.
إن الصين التي عرفت بالانغلاق والتعصب الأعمى للماركسية تجدد اليوم دماء زعاماتها، وسيقودها في السنوات القادمة ملامح شابة تفسح الطريق أمام الحوار مع كل فئات الأمة الصينية.