&
خيرالله خيرالله
لم تأت عملية مومباسا صدفة، لا من ناحية استهدافها سياحاً اسرائيليين ولا لجهة توقيتها في اليوم الذي كان فيه تكتل ليكود يصوت لمصلحة ارييل شارون كي يخوض الانتخابات الاسرائيلية باسمه. كانت العملية، التي رافقها اطلاق صاروخين على طائرة ركاب اسرائيلية، بمثابة احتفال بشارون وخطوة على طريق ضمان عودته الى رئاسة الحكومة في اسرائيل اثر انتخابات 28 يناير المقبل. اكثر من ذلك، كانت العملية دعوة مباشرة الى المجتمع الاسرائيلي كي يتبنى طروحات شارون القائمة على ان اسرائيل مثلها مثل الولايات المتحدة تخوض «حرباً» على «الارهاب». ولذلك اختار منفذو عملية مومباسا اصدار بيان يشير الى صلة فلسطينية بالعملية، في حين ان لا علاقة للشعب الفلسطيني بها لا من قريب ولا من بعيد.
في اللحظة التي تلت احداث 11 سبتمبر 2001، سعى ارييل شارون الى صعود المركب الاميركي وتصوير اسرائيل، التي تشن حرباً على الشعب الفلسطيني بهدف تكريس الاحتلال، كضحية لـ«الارهاب»، في حين انها تمارس ذروة الارهاب، نظراً الى انها تصر على حرمان شعب آخر من ابسط حقوقه بعدما انتزعت منه ارضه.
في حربه المستمرة على الشعب الفلسطيني، وجد ارييل شارون دائماً من يدعم توجهاته، وعندما ينقصه التأييد الاميركي لسياساته الارهابية، تحصل عملية داخل «الخط الاخضر» تستهدف مدنيين تكون نتيجتها تبرير الجرائم الجديدة التي سيرتكبها. وعندما يفتقد مثل هذه العمليات تأتيه «القاعدة» بذخيرة جديد من نوع عملية مومباسا التي يبدو ان هدفها الوحيد توريط الشعب الفلسطيني بالارهاب وتبرئة ارييل شارون منه.
يستحق شارون كل هذا الترحيب من رافضي السلام في الشرق الاوسط، هو الذي يعرف جيداً ان لديه حلفاء يستطيع الاعتماد عليهم ولا يمكن ان يتخلوا عنه من دون ان تكون حاجة الى اي كلمة يقولونها له او يقولها لهم. انه الحليف غير المقدس القائم بين اعداء السلام في الشرق الاوسط حيث لكل منهم حساباته. الجناح الاسرائيلي في هذا الملف يعتبر السلام نهايته نظراً الى انه يقضي على مشروعه الداعي الى اقامة «اسرائيل الكبرى» او ما شابه ذلك عبر ضم اجزاء من الضفة الغربية وتهجير قسم جديد من الشعب الفلسطيني. اما الجناح العربي وغير العربي في هذا الحلف، فانه يعتبر السلام ألد اعدائه نظراً الى انه يعني افلاسه سياسياً. فماذا يبقى لهذا الجناح في حال قام سلام عادل على اساس قرارات الشرعية الدولية اثبات اسرائيلي ان تكون مجرد دولة عادية وطبيعية من دول المنطقة، دولة ذات حدود معروفة ومحددة لا تعتدي على جيرانها وقد اعادت للشعب الفلسطيني جزءاً من حقوقه التاريخية في ارض فلسطين... وحقوقه السياسية التي يعترف بها المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة!
ان عملية مومباسا تعكس الى حد كبير افلاس «القاعدة» وحلفاء «القاعدة»، وهي ليست سوى دعوة الى شارون لارتكاب مزيد من الجرائم تبرر الارهاب الذي يمارسه والذي ارتد على العرب والمسلمين وجعلهم في وضع لا يحسدون عليه. ان هذه العملية التي تحاول عبرها «القاعدة» ان تظهر للمرة الاولى انها عدو لاسرائيل، في حين انها افضل حليف لها، انما تكشف مدى الافلاس الذي بلغته هذه المجموعة. وتصرفها الاخير الذي استهدف مدنيين اسرائيليين في كينيا لا يشبه سوى تصرفات الرئيس العراقي صدام حسين الذي لم يجد ما يقوله بعد ارسال قواته لتحتل الكويت صيف عام 1990، سوى انه اقدم على هذه المغامرة المجنونة من اجل تحرير فلسطين! وفي الجولة الاخيرة من المفاوضات الاميركية - العراقية التي جرت في جنيف في يناير 1991، لم يجد السيد طارق عزيز وكان وزيراً للخارجية العراقية ما يقوله بعد لقاء طويل مع جيمس بيكر، وزير الخارجية الاميركي وقتذاك، سوى ان العراق سيضرب اسرائيل بصواريخ «سكود» في حال تعرض لهجوم يستهدف تحرير الكويت. انها متاجرة بفلسطين، اقدم عليها طرف مفلس سياسياً وعسكرياً. وما حدث مع النظام العراقي في 1990 و1991 يتكرر حالياً مع «القاعدة» التي لم يعد لديها ما تتاجر به سوى فلسطين، هي التي لم يجد المنتمون اليها في بداية الثمانينات سوى تلبية النداء الاميركي الى «الجهاد» لمواجهة «الجيش الاحمر» الذي دخل افغانستان، في حين لو جمع قسم صغير من التبرعات لفلسطين ولمجاهدي فلسطين في تلك المرحلة ولو هب الرجال من اجلها كما هبوا استجابة للنداء الاميركي من اجل افغانستان، لكانت الدولة الفلسطينية قامت منذ فترة طويلة...
آن اوان تسمية الاشياء باسمائها. آن اوان وقف المتاجرة بفلسطين، آن اوان وقف تلك المهزلة باسم «الجهاد» التي يذهب ضحيتها مئات بل آلاف الابرياء من اجل الاحتفال باجتياز شارون الخطوة الاولى على طريق عودته الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية فقد يكون مفهوماً ان يكون هناك اسرائيليون على استعداد لبذل الغالي والرخيص من اجل شارون وعودته الى رئاسة الحكومة. اما ان يكون هناك عرب ومسلمون على استعداد لعمل الشيء نفسه من حيث يدرون او لا يدرون فهذا امر مستغرب، الا اذا كانت محاربة السلام تستأهل كل هذه التضحيات بما في ذلك تقديم كل المبررات لتحول دولة ارهابية وعنصرية اسمها اسرائيل ارييل شارون الى دولة تقود الى جانب الولايات المتحدة الحرب الدولية على الارهاب! يا لها من مفارقة في عالم لم يعد معروفاً فيه من حليف من في هذه المرحلة؟