نضال زايد - واشنطن: الشراكة الأميركية الشرق أوسطية التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي كولن باول لم تكن جديدة على الأجندة الأميركية التي وقعت بين مطرقة حربها المعلنة على الإرهاب ومحاور الشر من جهة وبين سندان علاقاتها المتينة وصداقاتها في الشرق الأوسط من جهة أخرى!!.
فقد أُعلِنَ اليوم عن تجربة فريدة من نوعها بدأت قبل إطلاق مبادرة الشراكة وتعزيز الديمقراطية في الوطن العربي، وتتلخص التجربة الديمقراطية التي خاضتها 55 سيدة عربية تعملن في مجال القضاء والسياسة والقانون من دول عربية مختلفة بدعوة أميركية لخوض تجربة الانتخابات منذ شهر نوفمبر الماضي.
عايش الوفد النسائي العربي تجربة المرشحين من الحملات الانتخابية إلى زيارة منازل القاطنين في المناطق الانتخابية التابعة لهم إلى عملية توظيف الناخبين والمؤيدين لجمع تبرعات لدعم الحملات الانتخابية.
وكانت الزيارة التي نسقت لها الخارجية الأميركية في إطار اهتمامها بتعزيز الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وتفعيل دور المرأة في المراكز السياسية والقانونية وفي التجربة الديمقراطية بمثابة ورشة عمل ميدانية لم تخل من الإشراف السياسي الأكاديمي والعملي لمساعدة الوفد النسائي في استيعاب تفاصيل جميع المراحل الانتخابية.
عضو البرلمان التونسي السيدة دلال كريشن التي شاركت في الوفد النسائي العربي وصفت هذه التجربة الفريدة بأنها فرصة عظيمة سنحت للسيدات العربيات المشاركات بالتعرف على سيدات أميركيات في مناصب حساسة استطعن شق طريقهن وتخطي كافة الحواجز لتحقيق طموحهن وأهدافهن، وأوضحت أن معايشتها لبقية المدعوات فتح قناة للحوار والنقاش مع الأخريات من اللاتي يعشن نفس المعاناة في مجتمع يحمل نفس الملامح تقريباً، مما يساعد على ترسيخ هذه التجربة.
ومن الجدير بالذكر أن الاهتمام الأميركي بالممارسة الديمقراطية في العالم العربي يعتبر على قائمة الأولويات الآن على أجندتها وهذا ما فصلته مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية التي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي كولن باول في كلمة ألقاها في مقر "هاريتج فاونديشن" في العاصمة الأميركية واشنطن.
ويرى الدبلوماسيون الأميركيون استحالة ترسيخ المفاهيم الديمقراطية في دول تحكمها أنظمة مغلقة وحكام يجلسون على سدة الحكم مدى الحياة وآخرون يورثون أبنائهم الحكم وفي ظل حريات مقننة ونظام اقتصادي استشرى فيه الفساد ويتحكم فيه زمرة من رموز الدولة!!.
ويرى السيد ريتشارد هاس مدير دائرة التخطيط في الخارجية الأميركية أن أميركا عرفت الحقيقة وتعلمت بعد درس قاسٍ في إشارة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتابع في كلمة له أمام مجلس العلاقات الخارجية الأسبوع الماضي مشيراً إلى خطورة هذه المجتمعات التي تحكهما الأنظمة الدكتاتورية بعيدا عن الديمقراطية وفي مستوى معيشي متدني للغاية وفي مستوى من الحريات يكاد يكون معدوماً مما يشكل بيئة مثلى لتفريخ خلايا إرهابية تعادي الولايات المتحدة الأميركية لأنها تدعم أنظمة الدول العربية.
&ووعد هاس مجلس العلاقات الخارجية على ضرورة المحافظة على العلاقات المتينة التي تربط الإدارة الأميركية بدول عربية صديقة، وضرب مثلاً بالعلاقات الطيبة بين أميركا وكل من السعودية ومصر قائلاً: لا يعني هذا التوجه أن نضحي بعلاقة صداقة تربطنا بدول مثل السعودية ومصر لمجرد أنها تفتقد إلى الديمقراطية "!!". بل هذا يدعونا إلى تمويل مشاريع لترسيخ المفاهيم الديمقراطية وتعزيزها، في إشارة إلى مبادرة الشراكة التي أعلن عنها باول في وقت لاحق.
&ورغم الصورة المشرقة التي رسمتها الرؤية الأميركية لمشاريع تعزيز الديمقراطية ومحو الأمية وتطوير العملية السياسية في الدول العربية، إلا ان بعض المحللين السياسيين لم يخرجوا من دائرة الشك والتشكيك، فعبر بعض المحللين السياسيين عن مخاوفهم من صدق نوايا المبادرة الأميركية في مرحلة تكاد تخرج فيها أميركا من عش الديمقراطية الهادئ بعد تحولها إلى دولة بوليسية بعدة دوائر وهيئات أمنية كان آخرها هيئة التحقيقات التي يديرها (هنري كيسنجر).
واستغرب محللون سياسيون من الخطوة الأميركية حيث أن "فاقد الشيء لا يعطيه" فالديمقراطية التي يتعكز عليها الأميركيون بالكاد تكفي لحفظ التوازن في المجتمع الأميركي الذي يعيش شبح الحربين (الحرب الأولى هي الحرب اليومية المعلنة ضد الإرهاب ومحاور الشر والحرب الثانية المتوقعة في أي لحظة ضد العراق)، ومثل هذه الديمقراطية (الهزيلة) لا يمكنها أن تسافر إلى الشرق الأوسط ولا يمكنها أن تقود حكام عرب بحاجة إلى ديمقراطية بقوى خارقة.
فيما يرى محللون آخرون أن المبادرة الأميركية تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لأنها تعني على الأقل أن الأميركيين بدءوا يتفهمون نفسية الشارع العربي الذي يعاني الفقر والبطالة والجوع والقمع..وشجع المتفائلون منهم المشروع الأميركي ما لم يقدم للمنطقة خريطة جديدة أو "قرضاي" جديد في العراق أو فلسطين.