الدكتور توفيق آلتونجي
&
&
تمهيد:
المسرح ذلك العالم السحري الذي يجعل من الصعلوك ملكا ومن الفقير اميرا وحاكما يملئ هذا العالم السحري حنايا افئدة المشاهد بحرارة الامل وهي مدرسة للنشئ الجديد يربي فيهم القيم الانسانية النبيلة , مدرسة ثقافية عريقة الاصول ترجع الى الماضي السحيق حتى قبل ايام الاغريق اللذين اشتهروا& بمسرحياتهم الشهيرة وكتاب المسرح العظماء ولا ريب ان الكثير من المصطلحات المستخدمة في عالم المسرح اليوم ترجع في اصولها الى تلك الايام وقد نلاحظ نكهتها اليونانية غالبة عليها.
لقد تطور المسرح والاداء المسرحي وفنون النشيد الكورالي الجماعي والرقص في المعابد وكانت ترافق الطقوس الدينية دوما وقد نرى انعكاسات ذلك في العديد من الديانات والعقائد لحد يومنا هذا في كافة ارجاء المعمورة ففي الصين واليابان نرى المسرح الصيني والاداء المسرحي الصامت الرمزي"بانتومين" وفن الاوبرا والغناء والرقص المسرحي الذي يرجع الى عهود الامبراطورية الصينية القديمة الذي كان يوسع المسافة الواقعة بين السماء والارض وفي الشرق نرى الرسوم الجدارية السومرية والاشورية والبابلية والعيلامية والمصرية القديمة مليئة بمشاهد الطقوس الدينية من رقص وغناء والات موسيقية كانت ترافق اداء تلك الطقوس الدينية القريبة من الاداء المسرحي والالقاء من سجع الكهان والمزامير والشعر الديني المنتشر عند العديد من العقائد الدينية الموجودة في الشرق لحد يومنا هذا. العراق القديم شارك في اغناء الثقافة العالمية بالعديد من الملاحم الشعرية كملحمة كلكامش الشهيرة التي تمثل صراع الانسان على الارض وجرية الدائم نحو الخلود وربما كان كل ذلك يمثل في المعابد بمرافقة صوت القيثارة السورية والناي والقانون والدف وتعتبر ملحمة" ممو زين" للشاعر الخالد " احمدي خاني " احد الملاحم التراثية الكردية التي تغنى حتى يومنا هذا في كردستان في ليالي وامسيات لقاء ينشد فيها تلك الاشعار حيث تستمر الى ايام عديدة يجيد فيها الفنانون المطربون الشعبيون اداء تلك الاشعار.
&
المنهل التاريخي:
اهمية& التوثيق قد لا تقتصر على الحفاظ على الارث الثقافي فحسب بل يتعداها الى كونها عملية ذاتية للاستمرار على العطاء وتحفيز الاجيال المتعاقبة من الاستفادة من التراكمية الثقافية للامة وتعتبر بحد ذاتها منهلا للباحث والدارس. الثقافة المحلية جزء متكامل من الثقافة العالمية وتعتبر لبنة من لبنات ذلك الصرح الثقافي.
التمثيل المسرحي الكردي في بلدان المنافي جزء من الحركة المسرحية العراقية ,& طور على يد رواد الحركة الفنية المسرحية الكردية بصورة عامة في ظروف استثنائية مر بها الشعب العراقي في تلك المرحلة.
&ان& دراسة الحياة الاجتماعية والسياسية للمهاجرين في تلك الفترة التاريخية مهمة جدا لمعرفة مدى حاجتهم الروحية والنفسية الى فعاليات تغذي روحهم وتعيد فيهم الامل بالمستقبل. حيث كان الياس والقنوط يظل بظلاله السوداء على افئدتهم وقد كنت شاهدا على تلك الظاهرة حينما كنت احل ظيفا على العديد من المهاجرين في العديد من دول اوربا انذاك خاصة الشباب منهم وربما كان النقاش والجدال السياسي على اشده تك الاعولم ولم تكن ماساة "حلبجة" و"الانفال"& قد حلت بالشعب الكردي بعد بينما كان معظم اعظاء قيادة الفصيلين الكرديين السياسيين الاساسين في دول المنافي وكانت بين الحين والاخر تصل اخبار من الوطن عن فعاليات قوات البشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني فيعيد الجدل والنقاش بين المهاجرين كتلك النسمة التي تهب على الجمرة المختبئة تحت الرماد فتهيجها متوهجا.
كان من بين المهاجرين من ترك كردستان اثر انتكاسة 1975 بينا تركها الاخرون مع اندلاع حرب الخليج الاولى وكان الجميع متعبون وكلما وصلت باقة من الجرائد والمجلات يتلقفها الجميع ليقراؤها ويقراؤا بين سطورها وميض الامل الغائب.
&
المقهى الملتقى:
كان العديد من الشباب الكردي المهاجر يلتقون في الاماسي في كافيتيريا وسط العاصمة استوكهولم في المركز التجاري المسمى "جالاري" وكان مالكها احد اليونانيين المهاجرين , هنا تجري الاحاديث حول الاخبار الواردة من الوطن بينما يشرب اخرون القدح التالي من القهوة المسماة "بو تور" . اذا حل ظيف عليهم يقدمون له يد العون والمساعدة ومحاولة طرد وحشة الغربة عن قلوبهم العليلة. هنا تجدر الاشارة الى دور بارز قام به احد الفنانين الكرد في بلورة مشروع لتشكيل فرقة مسرحية كردية الا وهو الاستاذ الفنان الكاتب "طه الباراوي" حيث اجتمع عصبة طيبة من الشباب الجاد والمثقف التقدمي في فرقة مسرحية سميت& ب " فرقة المسرح الكردي".
&
ظهور وغياب" كوناي" المفاجئ:
كان لصعود نجم المخرج والممثل التركي والكردي الاصل" يلماظ كوناي" في اوربا اثر كبيرا على الفنانين الكرد بصورة خاصة بعد حصول فلمه "الطريق" على جائزة السعفة الذهبية في "كان" وهو من الفنانين التقدمين ذوي الباع الطويل في عالم الفلم وقد ترك ميراثا ثقافيا كبير للسينما التركية ولكنه اتهم بقتل احد القظاة في احدى المدن التركية "اظنة" على ما اعتقد سجن على اثرها ثم هرب متوجها الى اوربا. اقول تلك الدفعة الايجابية تلاشت بعد رحيله المفاجئ& وبدا بحث حثيث لملئ الفراغ الكبير الذي تركه بين المخرجين السينمائين الكرد في المنافي.
الجدير بالذكر ان الصراع الفكري في السينما التركية كان حادا جدا خاصة ان البنية السياسية التركية كانت راسمالية بينما بدا مع السبعينيات الحركة السياسية اليسارية التركية تجد طريقها بين حزب الجمهوري الشعبي وتنظيماته وبدا متنفس جديد للحركة الثقافية القومية الكردية متمثلة في دور النشر"كاوا" و "كومار" وبدا العديد من الفنانين الكرد في التفكير في انتمائهم القومي في عودة الى الذات تمثلت في العديد من المسرحيات الهادفة انذاك ولو باللغة التركية حظرت معظمها.
&
انعكاسة التراث الثقافي في الحياة الفنية في المهجر:
ان المهاجرين في دول المنافي في تلك الفترة لم يكونوا بذلك الزخم الكبير الذي& هم عليه الان وكانت مشاكل الوطن الام تنعكس بصورة مباشرة على الحياة الاجتماعية والثقافية للمهاجر الكردي والجدير بالذكر ان التراث المسرحي الكردي في مدينة السليمانية ذو تقليد عريق وقديم وقد يمكن اعتبار المرحوم" رفيق جالاك" فنان الشعب الكردي فقد كان رحمه الله شاعرا ومسرحيا ومطربا وكاتبا وقد شاهدت له العديد من الصور الفوتغرافية له وهو على خشبة مسارح السليمانية ومنذ العهد الملكي حيث التمثيل الصامت والاداء البانتومي الرمزي وقد عهدته ذو صوت ونبرات قوية شاهدته مرات عديدة على المسرح وهو يقدم البرامج في احتفالات الحادي عشر من اذار على المسرح القومي في كرادة مريم حيث كنت جالسا مع بعض ابنائه في المقصورة بالقرب من الشهيد الوزير" صالح اليوسفي" ورجال الدولة و السياسة في ذلك العهد ,& حيث كانت جدران القاعة الكبيرة تهتز لصوت عميد ورائد الحركة المسرحية الكردية رحمة الله عليه ورضوانة والجدير بالذكر ان ابنة البكر" جالاك" يحمل نفس المواصفات الفنية في صوته ولكنة لم يتجه الى الفن ومع الاسف الشديد. هذا الارث والمناخ الثقافي لمدينة السليمانية كانت حاظرة في روح تلك المجموعة الطيبة التي شكلت النواه الاساسية لفرقة المسرح الكردي في السويد اذكر منهم السيدة المطربة" مرزية" زوجة فنان الشعب" ناصر رزازي" والفنان" قاسم عزيز" والزوجان "خجة" و"تحسين" و"فخر الدين كويي" و"عدنان كلي" و"هنونر جلال" و"جواد كركوكلي" و"عادل عبد الله"& و"سولاف شاكر" و"طيب باراوي" واخرون.
بالاظافة الى تلك الفرقة كان هناك فرقة مسرحية اخرى يقودها الفنان الكبير والكاتب والمخرج المسرحي الاستاذ الدكتور" فاضل جاف" وهو من خيرة اساتذه الفن المسرحي الشرطي اخرج عملا مسرحيا للكاتب البولوني "سوافومير مردجيك" اسمه" في اعالي البحار" وقد ترجم الى الكردية ونشرته دار الثقافة والنشر الكردية وقد ذكر لي الفنان والكاتب الكردي المعروف "عصمان فارس" انه قام باخراج المسرحية بنفسة في تلك الفترة بالذات في بغداد في منتدى المسرح العراقي 1987 وتدور احداث المسرحية حول الصراع بين الضعيف والقوي واشكالية ذلك الصراع الذي يطرح تسائل النهاية. لم احظر تلك المسرحية بل شاهدتها على شريط فيديو واعجبت بالقدرة الفنية الكبيرة& لاداء الممثل& "بشكو سعيد ناكام" وهو من عائلة كردية قدمت للثقافة الكردية جل الخدمات خاصة والده رحمة الله عليه ورضوانة الاستاذ "سعيد ناكام" حيث كان كاتبا ومترجما جليلا وراس تحرير مجله "شمس كردستان" بعد اعادة صدوره مع اطلالة بيان الحادي عشر من اذار عام 1970 وللفنان اخ& كاتب مسرحي ورسام كبير يعيش في فرنسا اسمه "سمكو سعيد ناكام" ولكن الذي يؤسف اليه انه قليل الانتاج.
لقد كان الجدال والسجال السياسي على اشده عند عرض تلك المسرحية وكما ذكرت سابقا لم اتمكن من حظورها وقد قابلت المخرج في احد المدن السويدية وهو يحظر لتقديم مسرحية للاطفال ثم قرات عنه انه حصل على شهادة الدكتوراه من المعهد الفني للتمثيل العالي في بطرس بورك "ليلينكراد سابقا"& ويعمل محاظر في جامعات المغرب وقد اخرج مسرحية مستوحاة من الف ليلة وليلة على مسرح الدولة في مدينة" هلسنبورك" وفي مدن سويدية اخرى.
&اما المخرج الثالث من تلك الفترة التاريخية فهو الاستاذ "سلمان فائق الكاكئي" احد رواد الحركة المسرحية العراقية منذ الستينيات شهدت له مسرحية "رسالة الى الله" في تلك الفترة 1967 على مسرح اعدادية كركوك كانت تدور حول الفقراء واليتامى قدمها بعض الطلبة الموهوبين بمناسبة حملة التبرع بمعونة الشتاء السنوية وقامت الفرقة الموسيقية لفناني كركوك بمصاحبة المسرحية. وقد ازداد انتاج فنانا الكبير مع افتتاح محطة تلفزيون كركوك حيث افتتحت بخطاب رقيق وجهه رئيس الجمهورية انذاك السيد عبد الرحمن عارف الى جماهير كركوك.& كانت تلك فاتحة خير للفن والفنانين الكرد والتركمان والكلدو اشوريين والفنان" سلمان" من خريجي معاهد التمثيل العالية في رومانيا وقدير جدا في ادارة الممثلين الهواة منهم فقام باخراج عمل تمثيلي باسم "اسو- الشفق" مع الكاتب الكردي المعروف "فهمي الكاكئي"& بدات التحظيرات لها عام 1988 وانتهى العمل بها عام 1989 . مثل العديد من الممثلين الهواة وعوائلهم في هذا العمل الفني اذكر منهم عائلة المناضل الكردي المرحوم" قادر دانساز" و"شوان ئاواره" و"صباح البرزنجي" واخرون.
الجدير بالذكر ان النص المسرحي الكردي فقير جدا وعدد الكتاب المسرحين قلة اذكر منهم الاستاذ" محي الدين زنكنة" في اسلوبه السردي البعيد عن التعبيرية الرمزية والمخرجين السادة الجاف والكاكئي واميد من مدينة العذابات كركوك التي شاركت وبفعالية في اغناء الادب والثقافة العراقية باسماء لامعة وقد يكون من المفيد ها هنا ذكر مجموعة "جماعة كركوك" * تلك الجماعة من الكتاب والشعراء والفنانين اللذين يمثلون وبحق التركيبة الاثنية والقومية العقائدية لتك المدينة الصابرة هؤلاء اغنوا التراث الثقافي العراقي عبر السنين واذكر حصرا الاستاذ الكاتب المسرحي الكبير " جليل القيسي" الذي التقيته في السبعينات وهو على حافة الكئابة التي دخلت فؤاده العليل من اورسع ابوابه فبات يداعب الثالث في البيت كلبه الحنون.
&
"راس المملوك جابر" بالكردية:
قام الفنان الكبير "طه الباراوي" بتكريد مسرحية الكاتب" سعد الله ونوس" " راس المملوك جابر" فتحول النص روحا وكلمات الى الكردية في عمل مسرحي كبير قدمته "فرقة المسرح الكردي" في استوكهولم تحت عنوان "كه له ي قاله". قال عنها الشاعر الكبير" شيركو بي كس" عند نقده النص بانه: احد اكمل النصوص المسرحية الكردية المعاصرة.
خلال لقائي المتكرر معة في بيت الفنان "طة الباراوي" الذي كان يتجمع فيه كذلك العديد من اعظاء الفرقة بعد كل" بروفه"& ويدور حديث ثقافي& ذو شجون طول الليل والجدير بالذكر ان الفنان" الباراوي" احد المثقفين الكرد ذو المام كبير بالثقافة المسرحية وله تجربة تعود الى الستينيات حيث قدم العديد من الاعمال المسرحية الخالدة في المسرح الكردي قبل لجوئه الى الغرب. وقد تم عرض هذا العمل الفني في النمسا حيث تم دعوة الفرقة الى فينا من قبل "المركز الكردي" في النمسا.
وقد بائت بالفشل جهود الفرقة لتسجيل ذلك العمل المسرحي للتلفزيون في غياب التقنية والخبرة وقد كان الفنان الموسيقي الكردي "هيوا زندي" قد ابدع في اظافة الموسيقى التصويرية للمسرحية وتلحين مقاطع شعرية غنائية في المسرحية.
كان معظم الممثلين يعملون في النهار ويتوجهون بعد انتهاء ساعات العمل الى اقرب قاعة للمسرح يحجزونه من اجل اجراء البروفات, فترى لوحة عائلية رائعة يشترك فيه كافة افراد العائلة وحتى الاطفال احيانا والجدير بالذكر ان العديد من اعظاء الفرقة تزوجوا من صبايا كرديات من سوريا بعد ان زاروا منطقة" الجزيرة " ومدينة" القامشلي" حيث لم تكن هناك امكانية للعبور الى الجهة العراقية ولم تكن انذاك وكما هو معلوم مناطق للحظر الجوي قائمة وبذلك تم توحد جديد بين اكراد سوريا واكراد العراق.
عن تلك السنوات اتذكر زيارة الفنان المخرج الكردي "مهدي اميد" للمسرح الذي كانت ا لفرقة تؤدي بروفاتها المسرحية على مسرحية "كه له ي قاله" وقد وعد الفنان القيام بعمل فني مشترك وكان حينها لا يزال يدرس في روسيا ولم يكن قد استقر في السويد& والفنان من عائلة فنية معروفة& فهو الاخ الاصغر لفنان الكبير" حسن كرمياني" ومن مخرجي الافلام السينمائية القلة من الكرد شاهدت له عرضا خاصا لفلمه الطويل "تونل" في شقته في احد ظواحي العاصمة استوكهولم واثنيت على المعالجة الفنية والتقنية العالية للفلم الذي يعتبر حقا من الافلام القلة التي صورت بتقنية فنية عالية لم تنل النجاح المرجوه ربما لكثرة اللقطات التعبيرية الرمزية ذو الحوار القصير في حركات مسرحية رمزية شاركت فيه حتى احدى فرق البالي الروسي وممثلين اكراد وروس.
&
ارجو ان يكون ندائي في كتابتي هذه مقدمة وحافزا الى الفنانين الكرد في المنافي من اجل توثيق الحياة الثقافية للاجئين في دول المنافي حيث يقوم عدد من الاساتذه مشكورين بتجارب رائعة في هذا المضمار اذكر منهم الاخ "مهدي الجاف" و"سيروان رحيم" والاخ" هاوري".
&
للمزيد من المعلومات حول جماعة كركوك الرجاء تصفح صفحة صديقي الشاعر انور الغساني التالية:
http://al-ghassani.net/index2.html