داود البصري
&
والنظام العراقي يحصد حصيلة ثلاثة عقود من الفشل المنهجي المبرمج في إدارة السلطة السياسية والإقتصادية والعسكرية في بلد مفصلي مهم كالعراق، وفي الحين الذي يكون مصير النظام العراقي فيه على المحك بعد أن تبلور وتوضح الخطاب السياسي الأميركي الذي يصر على إحداث التغيير في العراق مهما كانت النتائج، تتبلور في الأفق السياسي العراقي دعوات ليست بجديدة ولكنها مستحدثة حول ضرورة ماأسموه بالحوار الوطني الفعال للخروج من حالة التهديد الخطير الذي يواجه المستقبل العراقي مع تزايد بل تأكد إحتماليات الحرب والتي لابد بطبيعة الحال أن تفرز أوضاعا مأساؤية ليس من اليسير التحلل من نتائجها وتبعاتها، ولكن المشكلة الأساس في هذا الطرح القديم / الجديد هي أن النظام العراقي الذي مارس طيلة العقود الثلاث الأخيرة من التاريخ العراقي ممارسات كارثية غير مسؤولة هو السبب الأول والأخير في حالة التدهور العراقي الشامل؟ وإن هذا النظام الذي لم يتعظ ولم يبال بخسائر الشعب والوطن لم يزل يركب راسه ويزيف الحقائق ويصر على تحويل الهزائم القومية الكبرى والثقيلة لإنتصارات مجيدة؟ وتبعا للك فإنه يرفض رفضا مطلقا أن يتحمل مسؤولية ماحصل، ويرفض وبشكل نهائي الإعتذار للشعب العراقي والتصرف بموجب المقتضيات التي تقتضيها المصالح الوطنية! رغم أن نقس النظام المتخشب عقائديا وسياسيا يقدم كل أنواع التنازلات حتى التي تمس السيادة ليست الوطنية بل الشخصية أيضا للعالم الخارجي من أجل البقاء وتأمين المواقع وهي سياسة سلطوية مبرمجة ومعروفة وقد طبقها بإتقان طيلة عقود تحكمه وعبر مختلف المراحل، ففي السبعينيات وأمام التحديات التي كان الشاه الإيراني الراحل محمد رضا بهلوي يمثلها للحكم العراقي بفعل دعمه اللامحدود للحركة الكردية المسلحة وبما هدد بأنفصال إقليم كردستان العراق لم يتردد الحكم العراقي في جعل كل الشعارات القومية خلف الظهر ليتنازل عن السيادة العراقية التاريخية على شط العرب في إتفاق الجزائر الموقع في السادس من آذار / مارس 1975؟ وهو الإتفاق التي كانت نتائجه إنهيار الثورة الكردية المسلحة، وتثبيت الحكم البعثي، ولكن بالمقابل التخلي عن الشعارات الإعلامية العراقية حول تحرير ( عربستان ) وحول عروبة الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي والذي ظل نظام البعث العراقي يمضغ بحكايتها حتى تخلى عنها عند أول منعطف تهديدي جدي يهدد الوجود والإستمرارية؟ دون أن ننسى بأن فلسفة الحكم العراقي تتمثل بشعار شهير رفع في ساحات العراق العامة يقول : ( جئنا لنبقى )!! وقد ترافق ذلك الشعار مع تصريح شهير وموثق للرئيس العراقي يقول فيه : ( من يفكر بأخذ العراق منا، عليه أن يأخذه أرضا بلا شعب )!! لذلك فإن مايدور من أحاديث اليوم حول إستراتيجية الأرض المحروقة التي سيلجأ إليها النظام ساعة الحشر ليست مجرد تخمينات صحفية هدفها الإثارة! بل أنها وقائع لتصريحات ومواقف سلطوية ولكنها قيلت وقتذاك ضمن إطار التحذير من عمليات إنقلاب أو عصيان شعبي داخلي كما حدث في إنتفاضة ربيع عام 1991 التي أعقبت الهزيمة الكارثية في الكويت ولا أظن النظام بقادر على تنفيذ إستراتيجيته أمام قوات التحالف الدولي؟ فالنظام العراقي مارس كل جرائمه وإنتهاكاته ضد العراقيين بفضل التغطية الدولية والإقليمية لتلكم الممارسات؟ ولو كان قرار الحلفاء التقدم صوب بغداد بعد تحرير الكويت لأصبح النظام في خبر كان وتهاوى كسعفة نخيل يابسة، ولكنها الإستراتيجيات الدولية والحسابات السياسية التي لاتلقي بالا لمصالح الشعوب؟.
النظام العراقي حاليا يتحرك داخليا وفق تكتيك محسوب هدفه إختراق المعارضة العراقية دون أن يقدم تنازلات جوهرية تمس الإستراتيجية العامة للنظام الإستبدادي القادم وقد إستفاد بذلك من خدمات معارضين سابقين لاوزن حقيقي لهم في سوق المعارضة من أجل إظهار نيته في الإصلاح السياسي الشكلي متذرعاكالعادة بحكاية التهديدات الخارجية رغم أن نوايا النظام الحقيقية أعلنها طارق عزيز من أن: "الديمقراطية مضرة للعراق"؟
قبل أيام ظهر على شاشة الجزيرة صوت لعراقي يدعو الرئيس العراقي لإعلان "حكومة الوحدة الوطنية فورا"! ولكن السؤال هنا ينتصب ليقول: حكومة وحدة وطنية من من؟ ومع من؟ خصوصا وأن النظام يتهم جميع قوى المعارضة بالعمالة والجاسوسية؟ وإن معيار وطنية أي حزب في عرف الحكم العراقي هو مدى ولائه للحزب والنظام الحاكم؟ إذن عن أي معارضة وعن أي حكومة مزعومة للوحدة الوطنية يتحدثون؟ ثم ماذا تستطيع هذه الحكومة إن وجدت فعلا أن تفعل أمام إستراتيجية كونية أميركية مصممة على تحقيق أهدافها؟ وكيف تستطيع هذه الحكومة الإفتراضية معالجة ومواجهة أطنان المشاكل التي تجابه العراق بدءا من ملف الوحدة الوطنية والترابية وليس إنتهاءا بملفات التسلح وحقوق الإنسان وأوضاع المهاجرين والمهجرين والديون والتسويات الإقليمية؟ ثم مامعنى إستمرارية النظام الذي تسبب بكل هذه المشاكل والرزايا؟
إن حكومة الوحدة الوطنية لاتعدو سوى أن تكون حلا يائسا لنظام فقد بوصلته وماعاد بإستطاعته إيجاد الحلول لما خربته يداه وممارساته اللامعقولة، وإن التغيير الحتمي قد بات ضرورة إستراتيجية لاتحتمل التأجيل، ولامناص من نصح النظام بضرورة تفكيك نفسه بسلام من أجل الوطن والشعب والأمة العربية أيضا... أما حكاية الأرض بدون شعب أي الفلسفة التدميرية الشمشونية فهي من نكات التاريخ لنظام يعيش المراحل الأخيرة لإحتضاره!