يحي أبوزكريا
&
بعد استقلال الجزائر في 05 تموّز - يوليو 1962 ألفّ الرئيس الجزائري الأسبق محمّد بوضيّاف الذي أغتيل في 28 حزيران - يونيو عام 1992 في الجزائر كتابا بعنوان: "الجزائر الى أين"! وبعد أربعة عقود مازال السؤال ساري المفعول ومازالت الأجوبة تتوالى على هذا السؤال دون أن تعرف الجزائر طريقها باتجاه السلامة الكاملة. والواقع أنّ الاجابات على هذا السؤال كانت كثيرة ومتشعبة, كما أنّ الاجابات التي تطرقّت الى المسؤول عن الكوارث السياسية والأمنيّة التي حلّت بالجزائر وصناعة الموت كثيرة أيضّا. وبعد كتاب الحرب القذرة للضابط الجزائري الحبيب سوايديّة والتي يتهّم فيها المؤسسة العسكريّة باقتراف مجازر فظيعة ضد مدنيين في الجزائر, يستعّد الضابط السابق في المخابرات الجزائريّة هشام عبّود والذي كان يعمل بقسم التحاليل والتقييم في المخابرات الجزائرية عندما كان على رأسها الأكحل عيّاط وبعدها عمل مديرا لمكتب مدير المخابرات الجزائريّة بعد لكحل عيّاط محمّد بتشين الذي بدوره أصبح المستشار الأمني لزروال في وقت لاحق, وكتاب عبّود المرتقب يحمل عنوان: "مافيا الجنرالات" ومن المتوقّع أن يثير زوبعة كبيرة كالكتاب الذي أثاره كتابا الحرب القذرة في الجزائر لسوايديّة ومن قتل من في بن طلحة! ليوسف نصر الله. وفي كتابه المرتقب يحمّل هشام عبود المحلل في الاستخبارات الجزائريّة سابقا الجنرالات مسؤوليّة الضلوع في معظم قضايا الاغتيالات والاضطرابات السياسية و الأمنيّة, ونفس هذا الضابط كشف لجريدة لونوفال أوبسرفاتور الفرنسيّة من أنّ الجنرال العربي بلخير رئيس ديوان رئيس عبد العزيز بوتفليقة حاليّا أصدر شخصيّا الأمر باغتيال المعارض الجزائري المحامي علي مسيلي في فرنسا, وكان عبّود الذي يعيش لاجئا سياسيّا في باريس قد سربّ معلومات خطيرة للصحافة الفرنسية عن الأدوار التي اضطلعت بها الأجهزة الأمنيّة في الجزائر. وبالتوازي مع حركة نشر الغسيل الجزائري في الخارج قام النقيب هارون وهو ضابط جزائري سابق والناطق باسم حركة الضبّاط الجزائريين الأحرار في الخارج الجزائري بكشف العديد من الأسرار المرتبطة بمشهد الدم المتواصل في الجزائر.
وفي تصريحه لجريدة النصر الجزائرية الصادرة في مدينة قسنطينة شرقي الجزائر اتهمّ القيادي في جبهة الانقاذ الاسلاميّة عبد القادر بوخمخم الجنرال المتقاعد خالد نزار بأنّه المسؤول عن الأحداث التي تعيشها مناطق القبائل وفي تحليله لمستجدات الوضع الجزائري قال بوخمخم أنّ التحركات القبائليّة لم تكن عفويّة بل كانت مرتبة بشكل مسبق.
وفي السيّاق ذاته يذهب سياسي جزائري الى القول بأنّ الأحداث الأخيرة في الجزائر هي عبارة عن احتقان شديد داخل مراكز القوة, وقد عودتنا الأحداث الجزائرية يقول هذا السياسي الجزائري أنّ الاحتقان بين مراكز القوة يتمّ التنفيس عنه عبر مذبحة هنا وهناك, واغتيال هنا وهناك و تفجير في هذه المنطقة أو تلك ومن أسباب استمرار الفتنة الجزائريّة هو نشوء مراكز القوة وكثرة الجهات التي تبادر الى رسم القرار وفي هذه الحالة ضاع القانون, وعلى سبيل المثال كانت جهة معينة توافق على اطلاق سراح سجين سياسي معيّن فتقوم جهة أخرى باعادة اعتقاله أو خطفه أو اغتياله. وقد كشف أحد الضبّاط الجزائريين أنّه مع وجود الجماعة الاسلاميّة المسلحة بقيادة عنتر الزوابري فلا أحد يتساءل عن هويّة القاتل. وبدورها الجماعة الاسلاميّة المسلحّة بقيادة عنتر الزوابري مازالت تستحوذ على الكثير من الألغاز فالزوابري الذي شارك في الحرب الأفغانيّة وعاد الى الجزائر بعدها وجرى سجنه في سجن رقّان الصحراوي مع عشرين ألف معتقل من أنصار الجبهة الاسلاميّة للانقاذ ثمّ أطلق سراحه ليجد نفسه أميرا للجماعة الاسلاميّة المسلحة بعد قتل أمرائها السابقين والحديث عن اختراقها أمنيّا بات في حكم المؤكّد ومهما كانت حقيقة تركيبتها فقد ساهمت هذه الجماعة في صناعة الموت في الجزائر بشكل كرنفالي. وقد لعبت الميليشيات التي قامت السلطة الجزائريّة بتسليحها والتي جاوز عدد أفرادها 500 ألف في المساهمة أيضا في صناعة الموت والأخطر فيما لو بدأ انتشار الأسلحة في المناطق القبائليّة وقد بدأ حسب معلومات مؤكدّة.
انّ المشرفين على صناعة الموت في الجزائر ومهما كانت مواقعهم ومراكزهم ومهما كانت مشاربهم الايديولوجيّة والفكرية ومهما كانت أهدافهم يعتبرون أنّ عدوهم الأساس هو الاستقرار وعودة الميّاه الى مجاريها في الجزوائر لأنّه ومن خلال الاستقرار يتأتّى للجميع اعادة فتح الملفات واعادة قراءة ما جرى في الجزائر برويّة وتؤدة ومعنى ذلك تعريّة كل الذين كانوا ضالعين في صناعة الموت في الجزائر. وبروز ظاهرة الاتهامات والاتهامات المضادة بين رسميين وخبراء في الأجهزة الأمنيّة دليل على أنّ الفتنة الجزائريّة هي دونكيشوتيّة في كثير من أبعادها ولهذا يتعذّر على كثيرين في الجزائر وخارجها فهم منحنيات الصراع الدامي في الجزائر والمدموغ بدمغة سرّي للغاية!!!
&