&
الأكاديمي المتميز الدكتور حمزة المزيني، أحد تلامذة عالم اللغويات، والمفكر السياسي الأمريكي نعوم تشومسكي، المنتشرين حول العالم.. اتصل بي لا ليوضح أنه مترجم مقال "اقتراح متواضع" لأستاذه المنشور في جريدة "الوطن" وإنما ليبدي ارتياحه، من أن المستوى الفكري الراقي لمعالجات تشومسكي، يجد من يعلق عليه أو يتبناه! في حين تمتلئ صفحات الصحف العربية - وأحياناً السعودية - بمقالات لكتاب ومعلقين أمريكيين، تنطوي على نزعات عداء للعرب والمسلمين.. نستكتبها في صفحاتنا، ونعمم كتاباتها، لنتجرع سموم أفكارها، ونتلقى طعنات سهامها الأيدلوجية، من أجل أن نبدو في أعين الآخرين.. أننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر!! في الوقت الذي لا تقبل فيه صحف أمريكية عريقة، في معالجاتها الديموقراطية، آراءنا!! بل إنها في الفترة الأخيرة، بدت تشن حملات بالغة القسوة والغرض، ضد أمننا الوطني، وثقافتنا العربية، وديننا الإسلامي.
@@ هذا في الوقت الذي نرى فيه من شرفاء الضمير، وأحرار الرأي، في أمريكا وأوروبا.. بل حتى في داخل إسرائيل العدو التاريخي لأمتنا العربية والاسلامية، نرى من ينصف قضايانا المفترى عليها.. وفي مقدمة هؤلاء دون شك، البروفيسور نعوم تشومسكي الأمريكي من أصل يهودي، الذي يخضع لمقاطعة صارمة واضطهاد طافح بالعداء ضد أفكاره التقدمية، في وسائل الإعلام الأمريكية، رغم قامته الفكرية السامقة، حيث يحتل المركز الثامن في قائمة العشرة الأوائل من أعلام العصور الذين يستشهد بأقوالهم في المجتمعات الغربية، تماماً كما يستشهد بأقوال السيد المسيح عليه السلام، وارسطو وأفلاطون وشيشرون وهيغل وشكسبير وفرويد، حسبما يذهب كاتب سيرته "روبرت بارسكي" مؤلف كتاب "نعوم تشومسكي حياة منشق".
@@ أما في داخل إسرائيل فقد ولد نقيض موضوعي ضد ثقافتها العنصرية، وأصوليتها اليهودية المتطرفة، في شخص الدكتور إسرائيل شاحاك أستاذ الكيمياء ورئيس منظمة حقوق الانسان.. هذا الذي تعرض إلى محاولة اغتيال مادي، وتصفية معنوية، بسبب أفكاره التقدمية، إذ فضحت "عنصرية إسرائيل" وكان هذا أحد عناوين كتبه.. وجرى على هذا المنوال طوال حياته منذ اكتشف زيف الدعاوي الديموقراطية، ووهم الليبرالية داخل إسرائيل، فطفق يبث أفكاره الثائرة، ويكتب الدراسات الرصينة المعارضة، موضحاً ظلامية الثقافة اليهودية، مؤكداً على أصوليتها المتمحورة حول ذاتها، والمعادية للآخر، حتى صك مصطلح "اليهودي الكاره لذاته" عنواناً لمواقف إسرائيل شاحاك المبدئية، وأفكاره التقدمية. لهذا تعرض الرجل لمحاولات عديدة من التصفية المادية والمعنوية، فمنع من التدريس في الجامعات الإسرائيلية، ولم يجد مجالاً يمرر عبره أفكاره إلا من خلال صفحات القراء في الصحف الإسرائيلية، تنشرها على فترات! حفاظاً على سمعتها الليبرالية في الوسائط الأمريكية والأوروبية، وقد بلغ من ضيق صدر إسرائيل ولوبيها اليهودي في أمريكا بهذا اليهودي الشريف أن دبرا إعلان موته في أشهر صحيفة أمريكية، وهي "الواشنطن بوست" وحينما حاول المسكين أن يمارس حقه المعنوي بنفي خبر موته فوق هذه الجريدة الرصينة، رفضت ذلك بعناد! كما يروي المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد في مقدمته لكتاب إسرائيل شاحاك عن الأصولية اليهودية.
@@ إنني شخصياً لم أقرأ حرفاً من فكر شاحاك في صحافتنا العربية.. وهو الذي فضح مخطط إسرائيل الشهير بتفتيت المنطقة العربية وتقسيمها، بعد دخول إسرائيل على خط إشعال الحروب الأهلية بلبنان في بداية الثمانينات.. فقد قام شاحاك بترجمة هذا المخطط المستعاد هذه الأيام!! ونشره في الصحافة الغربية.. بينما نجد اهتمام الصحافة العربية، يتسابق نحو شراء حقوق مقالات توماس فريدمان اليهودي الأمريكي المتعصب لذاته، والكاره للعرب والمسلمين!! لم يقتصر الاهتمام بفريدمان على هذا وحده، بل أصبح يدعى الى المحافل الإعلامية والثقافية العربية، وكاد يصبح نجماً عربياً نرى صوره تتصدر صفحات الصحف والمجلات، ونسمع صوته الصاخب، في برامج حواراتنا الفضائية، بينما تساهم هذه ذاتها في عزل أفكار نعوم تشومسكي، المنصف لقضايانا العربية والفلسطينية، أكثر من بعض العرب.. نعم بعض العرب الذين كثيراً ما يطلون علينا بأفكار إسرائيلية!ا