من مواليد بيروت 1958. سافرت الى باريس حيث درست مادة الفلسفة في جامعة السوربون. عادت بعدها الى بيروت وخاضت تجربة التمثيل المسرحي مع المخرج اللبناني ريمون جبارة في مسرحية" محاكمة يسوع". نشرت مقالات أدبية وقصائد نثرية في مجلة "النهارالعربي والدولي" منذ نهاية السبعينات. تزوجت من المخرج والممثل جوزف بو نصّار.
ترجمت مسرحيات من الفرنسية الى العامّية اللبنانية، قُدِّمت في إطارمحترف "المسرح البلدي" في الثمانينات من إخراج جوزف بو نصّار، والمسرحيات هي: "العائلة طوت" للكاتب المجري استيفان أوركيني، "الحياة حلم" للكاتب الاسباني كالديرون، "البيت الحدود" للبولوني سلافومير مروجيك. و"الصابرون" للفرنسي جاك أ وديبرتي. تقاسمت مع الأديبة اللبنانية مي منسّى ترجمة ديوان الشاعرة الراحلة ناديا تويني "محفوظات عاطفية لحرب في لبنان" من الفرنسية الى العربية. بين أعوام 1981 و1995 حرّرت صفحات ثقافية باسم "دليل فيروز" في مجلة "فيروز" الشهرية الصادرة عن "دار الصياد". كتبت في "دليل النهار" الأسبوعي الصادر عن جريدة "النهار" في بيروت. تكتب حالياً في الصفحة الثقافية في جريدة "النهار" اليومية في بيروت. صدر لها خمس مجموعات شعرية عن "دار النهار للنشر" هي: "صلاة في الريح" 1988، "أنامل الروح" 1994، "رحلة الظل" 1999، "كل هذا الحب" 2001 و "غابة الضوء" 2002. اختارتها الباحثة والشاعرة الفلسطينية الأصل ناتالي حنظل مع شاعرات عربيات عديدات، لتدخل ضمن انطولوجيا بالانكليزية هي " شعر نساء عربيات": "The Poetry of Arab Woman A contemporary Anthology, Edited by Nathalie Handal. حيث ترجمت لها قصائد من العربية. كما أن هبة القواس المؤلفة الموسيقية اللبنانية مغنية الأوبرا ألّّفت موسيقى لقصائد من شعرها وغنّتها ضمن أسلوبها الأوبرالي الذي تعمل عليه من أجل خلق ما تسميه الأوبرا العربية. والقصائد هي: "أرضى" ، "لا أعرف بيتاً سواه"، "لاني أحيا"، "أشممتَ عطري".
الشعر حيث الروح عارية من كل حساب، ساجدة للحقيقة
الشعر هو خلاص من هلاك الروح المتخبّطة في المجهول، في اللاجدوى والخوف. هو واحتي في هذا العالم المدهش، المضطرب واللامفهوم. وهو نعمة مفتوحة على الأبد. لم أختره. لم أفعل سوى الاصغاء الى صوته الخفيض، الدفين والمتغلغل فيّ قبل أن أعي ماهية اللغة . الشعر ليس لغة بل دعوة الى وليمة لا تنكشف أسرارها حتى للمدعو اليها، هذا المدعوالذي ينخطف الى سحر الشعر كالذبيحة التي تُقاد الى المذبح متحرِّقة شوقاً للقاء إلهها. هو ذروة الانصهار بين الخالق والمخلوق، بين العاشق والمعشوق، بين البوح والسِّر، بين الالتفاف على الذات والانعتاق منها، بين المحسوس والتجريد، بين اللغة وما قبل اللغة، حيث تنتفي الحدود وتفلت الروح من عقالها. فلا غلّ يقيّدها ولا كاتم يخنق صوتها. أنها هنا تنبض على الورقة، دمها ساخن، أنفاسها حرّى، عارية من كل حساب، ساجدة للحقيقة، حقيقة الشعر التي لا لُبسَ فيها.
من "كل هذا الحب"
لا أعرف بيتاً سواه
على كوكب وحيد
لونه من ذهب خالص
لا تُسكَب فيه الدموع الا لتسقي الازهار
ولا تُحفظ الكلمات الا لتُغنّى.
كوكب هواؤه الحرّية
شمسه قلوب متأجّجة
قمره عناق ونجومه اشعار.
اعيش على كوكب يصغي لنبضات قلبي
ويحميني من انفجاره
كوكب يزاحم ليلي ويؤرقني
يحييني ويميتني في لحظتين
ولا اعرف بيتاً سواه.
أولد من موجة ترتمي على اخرى
من شهقة لا تُمحى.
أُزفّ الى مجهول ادركه ولا اراه
اكتبُ فصول حياتي على ورق الصفصاف.
من يعرف متى يحين الوقت لنذرف الدمعة الاخيرة
لنحفر الوداع على صمت الطرقات؟
من لا يخاف انهيار الحب؟
كل حب يولد ليحتلّ العالم
من يصغي الى غناء القلوب ووداعة اليمام؟
اعرف ان لا شيء يقدر ان يحتلّني غير الحب!
مرّة وحيدة
لم اكن اصدّق ان النهر يحصد العالم بعذوبة الصوت
ان الموت شهي بعد الضمّة.
لم اكن اصدّق ان اللحظة تختصر العمر
ان البرق يمسك الشِّعر من خاصرته
فيعصره ويمليه حتى الرمق الاخير.
لم اكن اصدّق ان سرّ الحياة ينكشف مرة وحيدة
ويكتمل الزمن!
لا يهمّني ان اكون سوى عينيّ حين تقطفان الحب
سوى أن ألبس العاصفة عطراً
ان ارقص على رمح الفجر
واخطف صغار الطيور من اعشاشها فأعلّمها الطيران
يهمّني ان العالم في كفّي
وجناحيّ سماء لا تنتهي.
وَجْد
ماذا يفعل الانسان بيده اذ تحمل قمراً؟
ماذا يفعل بعينيه اذ تضمّان زنبقاً؟
ماذا يفعل بقلبه يتقد شمسا؟
ماذا يفعل بروحه تتحول سماء؟
ماذا يفعل بكلماته تفيض جداول؟
اين يذهب إن طريقه كلها مزروعة حُبّاً؟
كيف يصلّي وهو في الله؟
كيف يموت وهو لم يعش بعد؟
اذا كان الانتظار وَجْداً
كيف يتحوّل الوجد انخطافاً؟
اذا كان الشّوق وهج الحبّ فماذا بعد الحب؟
كلمة صمت
في العاصفة نسيم يستميت للهمس
جنون يتفلّت من نبضات البحر
دموع تنسلخ كالضحيّة من الجلاد
موسيقى تأوي الى الله حيث تبيت.
في العاصفة املك كل شيء، حيث العري يملي الحب
والحب يمرّ بسلاسة الفجر فوق الجبال.
كلمة صمت وحيدة تهيم حول بيت الله
تهدهده قبل النوم
كلمة صمت فائقة الجمال تسكن روحي
تشدّني الى الكون بعدما اشتاقه قلبي وافتقده جسدي.
إفتحوا السماء!
تدفَّقي من قلب الاحلام ايتها الرؤى
احملي هديل النسائم الى صدري
اكتبيني نفنافاً بين الانامل
بُثّي في عروقي حنان الحنين
ولا تغمضي جفوني الا في أوج العشق.
كل ما كتبتُ عن الحب
كان برقاً، طيفاً، دمعة.
كل حبّ خَلَقني كان قبساً من الهي
كل لمسة أذابتني، مطر لا ينتهي
كل بريق كل وهج اشعلني، نار تتوالد من لهيبها.
افتحوا السماء امام الخيول المجنَّحة
امام أساطير العشق وشعراء الليل!
ما من كلمة تشفي
ما من قطرة
بحر الحب الكبير وحده يرويني.
من "غابة الضوء"
جِنِّيةُ البراري
في حديقة الأسرار بحثتُ عن نجمةٍ
قادتني إلى أطرافِ الدنيا
وذبتُ من الشوقِ حتى رقَّ طيفي
فَخُيِّلَ للقمرِ أن النسيمَ يزاحمُ النسيمَ على ظلِّه.
جنيّةُ البراري لبسَتْ ثوبَ الزهدِ
وافترشَتِ السماء حنيناً في عينيها.
كلُّ ما في نفْسها رشَحَ من كفّيها زيتاً عميقَ الفوح
آتياً من كهوفِ الأعمار من عيونِ الينابيع و زنابق الأحلام.
جنيّةُ البراري تلتمسُ الغفران من الحبِّ الصّاعقة
ترقصُ في حرية نفْسها كلما تراءت لها نفْسُها
متجرّدةً من خيوط الليل والنهار
فاتحةً ذراعيها للقريب العاجل
للمجهول الخفيّ
للمتسلّل في مسام النشوة.
سرّيةٌ في فرحها
سرّيةٌ في طهرها
سريةٌ في ذنوبها
مستمِدّةٌ عمرها من دهشة الشَّفَق
وموتُها ينتظرُها
في عمق نهرٍ
في لُجَّةِ وادٍ
في غَمرةِ سهلٍ
في عينِ الهٍ يغفو و يغفرُ.
عينُ الهواء
إن لم أكن هنا، فأين أنا ؟
إن لم تكن حالي، فحالُ من هي ؟
أُبْصرُها وتُبْصرُني
وتَنبتُ عينٌ ثالثة بين جناحَي الطير.
حتى اليوم كنتُ أسير
وبعدَه سأطير
لأن النافذة المعلَّقة في الهواء
بلا خيوط ولا إطار
سبقتْني وأغرتْني.
وكم أعرف!
يا ساكنَ عينيّ
جامعَ يديّ
فاتنَ قلبي وآسرَني
لتكُن مشيئتك مشيئتي
ليصفُ مائي في مائك
فلا أراك ولا تراني
لا ترويني ولا أرويك
لا أنعتق منك ولا تنعتق مني
لأني أصبُّ فيك وتزيدني عطشاً
لأني أصيرُك وتسبقني
أركضُ وتسبقني
أغوصُ وتسبقني
وكم أعرف
وكم أني في البداية!
أنتَ كم أنتَ!
خطواتك المشتعلة فَقْشُ مَوجٍ على شاطئي
سريرٌ يغفو ، سريرٌ يذوب
لا زهرة، لا غصنَ ولا عابرَ سبيل
في طريقي إليك أكتفي بالنسيم.
على ضفاف العمرِ في صُدفةِ الزَّمن
زادي سفينةٌ من خشبِ الريح.
من ملكوتِ الحبِّ أتَيْت
صحارى التّيهِ اجتزت
قبلَ أن أصلَ إليك.
يهمسُ اللهُ في أذُني أن أُحبَّكَ أكثرَ من نفسي
أن أُعيدَ حياتي لكَ
وأُلَملِمَ ذاتي حولكَ
ناراً على عتبةِ عُمرك.
كالماءِ يكتفي بذاته أكتفي بك
من عطشي وارتوائي
من غرقي ونومك
من شوقي وزهدي
أكتفي بك.
بين الجلْدِ والجلْد أثرُ ضحكتك
بين الخلاصِ والخلاص نفنافُ روحك
بين الحُرِّ والحُرّ وميضٌ آسر.
فِتنَةٌ أنْزلَتِ الشمسَ في الكفِّ فصارت قبَّعة.
أنتَ كَمْ أنتَ في قُرص الشَّمس
في سماء الدائرة وَوَحدة الذئب
في ماء الصلاة ونشوة الوجود
في بحيرة الأرَق وشبَق الأحلام
في صدْق الجنون وكسرة الألم.
أدركتُ أنَّ الله فيَّ
أني في فضائه
يومَ أمسكْتَ يدي
كشفْتَني لذاتي
غرفْتَ من عينيّ
وأمطرَتْ أكوانٌ لتختفي أخرى.
نقطةُ اللاّعوْدة
وجهكَ سراب
إلتقِطهُ قبل أن يهوي
عيناكَ خيطُ أزَل
عانِق أحلامَك بشغفِ الموت.
العالَم يسقطُ من كبوةِ الأَلَم
أَفرِد جناحَيْك بوداعةِ الجفن
ونَمْ من هولِ الفَزع.
تملُك ما تنتَزِعهُ
ما ينتشلُكَ من غيبوبتك
ما يخطفك وأنتَ في المستحيل.
ما يفيضُ عن الفائض
نقطةُ اللاعودة
هي لك
هي أنت.
غابةُ الضَّوء
في ليل الأقمار السوداء
تجتاحُني أسرابُ الطيور كشوقٍ مسحور.
جميعُ مَن في القبور بُعثوا.
مِن كلِّ حيٍّ أستمدُّ نُسْغي
من كلِّ صوتٍ ، من كلِّ ظل.
من شوك الصحراء وصمت البَيْلسان تُنَوِّرُ أغنيتي.
في وحدتي تُذهلني رؤيتي
يذهلني حبّي.