&
مراسل الراية في برلين
بالنسبة إلى كثيرين، فإن النزاع بين العراق والولايات المتحدة الأميركية هو صراع بين الحضارات وفقا لنظرية العالم الأميركي صموئيل هنتنغتون: الغرب في مواجهة الإسلام. لا يترك الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مناسبة إلا وأكد فيها على عزمه استخدام القوة، إذا اضطر الأمر، لنزع أسلحة العراق الذي ينفي وجود أسلحة الدمار الشامل في أراضيه. في غمرة هذا النزاع الذي يهدد باندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج لا يعرف كثيرون نتائجها، وفي مرحلة حاسمة تبذل فيها جهود دبلوماسية لنزع الفتيل في آخر لحظة، غيب الموت وسيطة كبيرة بين الثقافتين الإسلامية والغربية: أني ماري شيمل وعن عمر يناهز ثمانين عاما في مدينة بون حيث كانت تعمل في تدريس العلوم الإسلامية في قسم الدراسات الشرقية، بالإضافة إلى نشاطها الدائم في الكتابة دون كلل.
تاريخ هذه الأستاذة طويل، يمتد على مدى ستين عاما حافظت فيها على مكانتها كأبرز مستشرقة ألمانية وأبرز صوفية ألمانية حيث عبرت عن تعمقها بالبحوث الإسلامية والصوفية في سلسلة كبيرة من الكتب أكثر من مائة كتاب والمؤلفات وانشغلت بصورة لم يقدر عليها أحد في ألمانيا، في الدراسات الإسلامية وقامت بجهود كبيرة في تعريف العالم الغربي ولاسيما في ألمانيا، بالشريعة الإسلامية والصوفية، ولم تخف ولعها الشديد بمن كانت تسميه: مولانا جلال الدين رومي 1207 1273 في العام الماضي استطاعت أني ماري شيمل أن تنشر نتاج حياتها في صورة مذكرات من أكثر من ثلاثمائة صفحة في كتاب تحت عنوان: الشرق والغرب: حياتي الغربية والشرقية.
المادة الثانية التي اهتمت بها أني ماري شيمل في أبحاثها القيمة، أشعار الشعوب الإسلامية، تولعت بها وراحت تترجمها إلى الألمانية بشغف شديد. ارتبطت بعلاقة قوية مع شبه القارة الهندية واعتبرت نفسها تلميذة تتعلم الجديد من شعوب هذه القارة وحصلت على شعبية واسعة خصوصا بين مسلمي باكستان حيث سمي أحد شوارع لاهور باسمها وهي بالنسبة إلى مسلمي الهند وباكستان وأندونيسيا وماليزيا أشهر مواطن ألماني بعد غوته. قربت أني ماري شيمل بين شعوب العالم الإسلامي والعالم الغربي من خلال التعريف بما كانت تجمعه على الدوام من معارف عن أدب المسلمين وحرصت على تفهم تقاليدهم ومشاعرهم الأمر الذي كلفها في عام 1995 التعرض إلى هجوم غير منصف من مجموعة من الكتاب الألمان، بعد أن ذكرت في مقابلة مع التلفزيون الألماني بمناسبة منحها جائزة السلام التي يقدمها اتحاد الناشرين الألمان أن كتاب آيات شيطانية لمؤلفه البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي جرح مشاعر المسلمين وهي تستطيع أن تفهم الأذى الذي لحق بهم. وكانت حملة قاسية تعرضت لها الأستاذة أني ماري شيمل المعروفة ببساطتها، الأمر الذي دفع ببعض المستشرقين الألمان ولاسيما زميلها في جامعة بون البروفيسور شتيفان فيلد والبروفيسور أودو شتاينباخ مدير معهد الشرق بمدينة هامبورغ إلى الوقوف بوجه خصوم الأستاذة شيمل. لكن الذي لعب دور المدافع الأكبر عن حاملة جائزة السلام كان رومان هيرتسوج الرئيس الألماني الذي أشاد بدور الأستاذة شيمل في تحقيق التقارب بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية الغربية وقام شخصيا بتسليمها جائزة اتحاد الناشرين الألمان وكان تصرفه علامة خاصة توضح تعاطفه ومساندته للأستاذة شيمل التي اختارها لاحقا لتكون مستشارته لشئون الإسلام كما رافقته في زيارات رسمية قام بها إلى عدد من الدول العربية والإسلامية. اللافت للنظر أن السيدة شيمل لم تعر أهمية لمنتقديها ولم ترد عليهم بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
ولدت أني ماري شيمل في مدينة إيرفورت بألمانيا الشرقية السابقة في عام 1922 من أسرة بروتستانتية وكانت في المهنة التي اختارتها الأصغر سنا والأولى في كل ما كانت تسعى لعمله. بدأت تتعلم اللغة العربية لوحدها أولا بعد أن استهواها جمال أحرف اللغات الشرقية وكانت تحاول تقليدها واستنساخها. وقبل أن تنال شهادة الثانوية العامة ولم تكن قد أكملت ربيعها السادس عشر بدأت تتعلم اللغة العربية على يد أستاذها الدكتور هانس ألنبيرج الذي كان يحاضر وقتذاك في جامعة يينا، ولم تكن دروسه تقتصر على اللغة العربية، بل كان يلقي المحاضرات أيضا عن تاريخ حضارة العالم الإسلامي. حصلت أني ماري شيمل على شهادتها الجامعية في العلوم الإسلامية واللغة العربية وكانت في سن التاسعة عشرة وعملت بوظيفة مترجمة في وزارة الخارجية الألمانية مدة أربع سنوات وبعد الحرب العالمية الثانية انتقلت إلى جامعة ماربورغ لمواصلة دراستها وبعد عام على نهاية الحرب وتحديدا عام 1946 حصلت على درجة بروفيسورة، وكانت الأصغر بين زملائها الذين تلقوا تعاليمهم معها على يد أستاذ العلوم الدينية فريدريش هايلر فتأثرت به وزادها فتنا بحضارة العالم الإسلامي. باشرت أني ماري شيمل التدريس في جامعة ماربورغ حتى عام 1954 ، كما أثرت بها صداقتها مع الكاتبة التركية المحافظة سميحة أيفيردي وإلى جانب تركيا كانت باكستان البلد الذي تقصده على الدوام فتأثرت كثيرا بالشاعر والفيلسوف الكبير محمد إقبال، الأب الروحي لباكستان 1877 1938 ونقلت أشعاره إلى اللغة الألمانية كما نشرت سيرته الذاتية بالألمانية في عام 1989، وزارت أني ماري شيمل مجموعة من الدول العربية منها العراق واليمن والبحرين والكويت والسعودية والأردن حيث شاركت في ندوات شعرية كما زارت المغرب العربي كسائحة مع والدتها. وقد نعت جامعة بون الأستاذة الراحلة التي كانت تدرس فيها منذ عام 1961، وفي الفترة من عام 1967 إلى عام 1991 درست في جامعة هارفارد المشهورة. كما ساعدتها مكانتها كضيف فخري خلال زيارات الزعماء المسلمين إلى ألمانيا ومشاركتها في أسفار الرئيس الألماني هيرتسوج إلى دول إسلامية في التعرف على شخصيات سياسية كبيرة وقد قامت بتخريج مجموعة من المستشرقين الذين يعملون اليوم في عدد من الجامعات والمؤسسات الثقافية وقد تأثروا جميعهم بما تعلموه من أستاذتهم التي تركت وراءها تراثا كبيرا من علم الاستشراق الألماني. برحيل أني ماري شيمل فقدت ألمانيا أغلى نسائها، وهذا ينطبق على المسلمين الذين فقدوا أغلى مدافعة عن حضارتهم، في وقت كانت الحضارتان بأمس الحاجة إلى هذه السيدة الخالدة.
بالنسبة إلى كثيرين، فإن النزاع بين العراق والولايات المتحدة الأميركية هو صراع بين الحضارات وفقا لنظرية العالم الأميركي صموئيل هنتنغتون: الغرب في مواجهة الإسلام. لا يترك الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مناسبة إلا وأكد فيها على عزمه استخدام القوة، إذا اضطر الأمر، لنزع أسلحة العراق الذي ينفي وجود أسلحة الدمار الشامل في أراضيه. في غمرة هذا النزاع الذي يهدد باندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج لا يعرف كثيرون نتائجها، وفي مرحلة حاسمة تبذل فيها جهود دبلوماسية لنزع الفتيل في آخر لحظة، غيب الموت وسيطة كبيرة بين الثقافتين الإسلامية والغربية: أني ماري شيمل وعن عمر يناهز ثمانين عاما في مدينة بون حيث كانت تعمل في تدريس العلوم الإسلامية في قسم الدراسات الشرقية، بالإضافة إلى نشاطها الدائم في الكتابة دون كلل.
تاريخ هذه الأستاذة طويل، يمتد على مدى ستين عاما حافظت فيها على مكانتها كأبرز مستشرقة ألمانية وأبرز صوفية ألمانية حيث عبرت عن تعمقها بالبحوث الإسلامية والصوفية في سلسلة كبيرة من الكتب أكثر من مائة كتاب والمؤلفات وانشغلت بصورة لم يقدر عليها أحد في ألمانيا، في الدراسات الإسلامية وقامت بجهود كبيرة في تعريف العالم الغربي ولاسيما في ألمانيا، بالشريعة الإسلامية والصوفية، ولم تخف ولعها الشديد بمن كانت تسميه: مولانا جلال الدين رومي 1207 1273 في العام الماضي استطاعت أني ماري شيمل أن تنشر نتاج حياتها في صورة مذكرات من أكثر من ثلاثمائة صفحة في كتاب تحت عنوان: الشرق والغرب: حياتي الغربية والشرقية.
المادة الثانية التي اهتمت بها أني ماري شيمل في أبحاثها القيمة، أشعار الشعوب الإسلامية، تولعت بها وراحت تترجمها إلى الألمانية بشغف شديد. ارتبطت بعلاقة قوية مع شبه القارة الهندية واعتبرت نفسها تلميذة تتعلم الجديد من شعوب هذه القارة وحصلت على شعبية واسعة خصوصا بين مسلمي باكستان حيث سمي أحد شوارع لاهور باسمها وهي بالنسبة إلى مسلمي الهند وباكستان وأندونيسيا وماليزيا أشهر مواطن ألماني بعد غوته. قربت أني ماري شيمل بين شعوب العالم الإسلامي والعالم الغربي من خلال التعريف بما كانت تجمعه على الدوام من معارف عن أدب المسلمين وحرصت على تفهم تقاليدهم ومشاعرهم الأمر الذي كلفها في عام 1995 التعرض إلى هجوم غير منصف من مجموعة من الكتاب الألمان، بعد أن ذكرت في مقابلة مع التلفزيون الألماني بمناسبة منحها جائزة السلام التي يقدمها اتحاد الناشرين الألمان أن كتاب آيات شيطانية لمؤلفه البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي جرح مشاعر المسلمين وهي تستطيع أن تفهم الأذى الذي لحق بهم. وكانت حملة قاسية تعرضت لها الأستاذة أني ماري شيمل المعروفة ببساطتها، الأمر الذي دفع ببعض المستشرقين الألمان ولاسيما زميلها في جامعة بون البروفيسور شتيفان فيلد والبروفيسور أودو شتاينباخ مدير معهد الشرق بمدينة هامبورغ إلى الوقوف بوجه خصوم الأستاذة شيمل. لكن الذي لعب دور المدافع الأكبر عن حاملة جائزة السلام كان رومان هيرتسوج الرئيس الألماني الذي أشاد بدور الأستاذة شيمل في تحقيق التقارب بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية الغربية وقام شخصيا بتسليمها جائزة اتحاد الناشرين الألمان وكان تصرفه علامة خاصة توضح تعاطفه ومساندته للأستاذة شيمل التي اختارها لاحقا لتكون مستشارته لشئون الإسلام كما رافقته في زيارات رسمية قام بها إلى عدد من الدول العربية والإسلامية. اللافت للنظر أن السيدة شيمل لم تعر أهمية لمنتقديها ولم ترد عليهم بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
ولدت أني ماري شيمل في مدينة إيرفورت بألمانيا الشرقية السابقة في عام 1922 من أسرة بروتستانتية وكانت في المهنة التي اختارتها الأصغر سنا والأولى في كل ما كانت تسعى لعمله. بدأت تتعلم اللغة العربية لوحدها أولا بعد أن استهواها جمال أحرف اللغات الشرقية وكانت تحاول تقليدها واستنساخها. وقبل أن تنال شهادة الثانوية العامة ولم تكن قد أكملت ربيعها السادس عشر بدأت تتعلم اللغة العربية على يد أستاذها الدكتور هانس ألنبيرج الذي كان يحاضر وقتذاك في جامعة يينا، ولم تكن دروسه تقتصر على اللغة العربية، بل كان يلقي المحاضرات أيضا عن تاريخ حضارة العالم الإسلامي. حصلت أني ماري شيمل على شهادتها الجامعية في العلوم الإسلامية واللغة العربية وكانت في سن التاسعة عشرة وعملت بوظيفة مترجمة في وزارة الخارجية الألمانية مدة أربع سنوات وبعد الحرب العالمية الثانية انتقلت إلى جامعة ماربورغ لمواصلة دراستها وبعد عام على نهاية الحرب وتحديدا عام 1946 حصلت على درجة بروفيسورة، وكانت الأصغر بين زملائها الذين تلقوا تعاليمهم معها على يد أستاذ العلوم الدينية فريدريش هايلر فتأثرت به وزادها فتنا بحضارة العالم الإسلامي. باشرت أني ماري شيمل التدريس في جامعة ماربورغ حتى عام 1954 ، كما أثرت بها صداقتها مع الكاتبة التركية المحافظة سميحة أيفيردي وإلى جانب تركيا كانت باكستان البلد الذي تقصده على الدوام فتأثرت كثيرا بالشاعر والفيلسوف الكبير محمد إقبال، الأب الروحي لباكستان 1877 1938 ونقلت أشعاره إلى اللغة الألمانية كما نشرت سيرته الذاتية بالألمانية في عام 1989، وزارت أني ماري شيمل مجموعة من الدول العربية منها العراق واليمن والبحرين والكويت والسعودية والأردن حيث شاركت في ندوات شعرية كما زارت المغرب العربي كسائحة مع والدتها. وقد نعت جامعة بون الأستاذة الراحلة التي كانت تدرس فيها منذ عام 1961، وفي الفترة من عام 1967 إلى عام 1991 درست في جامعة هارفارد المشهورة. كما ساعدتها مكانتها كضيف فخري خلال زيارات الزعماء المسلمين إلى ألمانيا ومشاركتها في أسفار الرئيس الألماني هيرتسوج إلى دول إسلامية في التعرف على شخصيات سياسية كبيرة وقد قامت بتخريج مجموعة من المستشرقين الذين يعملون اليوم في عدد من الجامعات والمؤسسات الثقافية وقد تأثروا جميعهم بما تعلموه من أستاذتهم التي تركت وراءها تراثا كبيرا من علم الاستشراق الألماني. برحيل أني ماري شيمل فقدت ألمانيا أغلى نسائها، وهذا ينطبق على المسلمين الذين فقدوا أغلى مدافعة عن حضارتهم، في وقت كانت الحضارتان بأمس الحاجة إلى هذه السيدة الخالدة.













التعليقات