مشاري الذايدي
&
&
سأل المذيع: هل صدام وأسامة بن لادن وجهان لعملة واحدة؟
&وأجاب (أغلب) المتصلين باستنكار: لا. فـ"الشيخ" اسامة بطل مسلم، وصدام بعثي علماني أضر بالمسلمين.
على مدار فترة برنامج " استفتاء على الهواء " الذي بثه راديو mbc الاخباري مساء الخميس الماضي، كانت هذه هي الجملة الرئيسية التي رددها المتصلون بحماس، وقبل ان اقرأ نتائج هذا" الاستفتاء " المذياعي، اسجل الملاحظات التالية :
اغلب المتصلين من السعودية، خصوصا من المدينة المنورة
&كل الاتصالات، باستثناء اتصالين، كانت مؤيدة لابن لادن.
&استخدم المتصلون السعوديون ذريعة "دينية" لتفضيل بن لادن على صدام ولتقبيح صدام. فأسامة - وفق مؤيديه- يجاهد في سبيل الله ويحارب "الكفار" وصدام بعثي لايجاهد في سبيل الله
&الاتصالات التي جاءت من خارج السعودية، ومن الاردن بالتحديد، كانت مؤيدة لبن لادن وصدام على وجه السواء، ولكن من منظور ثوري "دنيوي" لايتكأ كثيرا على المسوغ الديني، بل على الموقف الثوري الضدي لصدام وبن لادن من امريكا.
&اغلب المتصلين السعوديين استخدموا اسماء حركية مثل " ابو عبد الله "ابو سمير" "ابو فارس".
&ومع الاقرار بأن هذا الاستفتاء لايعتبر نهائيا وكافيا، الا أنه يصح اخذه مؤشرا على الذهنية السائدة الان.
&فواضح أن اسامة بن لادن تحول الى بطل أسطوري، يحمل سيفه ويمتطي صهوة جواده ،فارسا نقيا يحارب من اجل المسلمين، وأنه الامل المرتجى، والفارس المنتظر، في صورة جديدة للابطال العظام الذي يحتلون مكانة عليا في الوجدان التاريخي والديني لدى المسلمين امثال : صلاح الدين الايوبي، وعقبة بن نافع، وخالد بن الوليد.
&هذا ما يلاحظه الباحث عن صورة بن لادن في اذهان الناس، ومع أن مسببات تصعيد بن لادن الى هذا المعراج الوجداني العظيم ،متفاوتة لدى محبيه ومناصريه، الا ان هذه " الأسطرة " لبن لادن تحتاج الى تأمل وكشف.
&فأسامة ليس محصورا في صورة واحدة، صورة المجاهد الثائر ضد أمريكا (بوش ورامسفيلد ) فقط، بل هناك صورة بن لادن الايدلوجي، وبن لادن المتطرف ضد المسلمين الاخرين(اعتباره الانخراط في الامم المتحدة سببا للكفر والردة عن الاسلام، نموذجا) وبن لادن المسوغ للعنف الداخلي في بلاد المسلمين، كل هذه الصور "البن لادنية" يتم استبعادها من الذهن ويقتصر على استحضار صورة بن لادن المحارب لامريكا "الصليبية" !
&لاشك أنها اندفاعة مشبوبة خلف صوت " الشيخ " اسامة بن لادن الذي كان خطيرا جدا وهو يستخدم المفردات الدينية (جهاد، كفار، صليبين، بلاد الحرمين، أي السعودية !، مرتدين..) هذه المفردات التي فعلت فعلها في جمهور لازال أميا لايفهم الاشياء ولا المعاني إلا عبر هذه اللغة، حتى ولو كانت مستخدمة بشكل خاطىء وخادع لاينسجم مع واقع الحال.
فنحن لانتفاعل الا مع من يعزف على الاوتار ذات " النغمة " الدينية . ولانستطيع تصور أن يوجد صاحب قضية او مبدأ لديه الاستعداد للتضحية من اجله بنفسه، مالم يكن مؤمنا، وفق مواصفات معينة للايمان!
&ربما تفسر هذه البدائية الذهنية، الشعبية الجارفة التي يتمتع بها "الشيخ المجاهد الامام" اسامة بن لادن، كما يصفه محبوه.
إن التهاون بأثر وخطب اسامة بن لادن على الناس، عبثي ولا مسؤول، فليس صحيحا أن "كل" الناس يملكون حصانة عقلية، وقدر نقدية تفرز الخيوط وتضع الامور في نصابها، ولاينساقون خلف العواطف المتوترة، التي تجد في خطب بن لادن التي يبثها من كهوف تورا بورا ملاذا لنفوسها القلقة والخائفة.
&إن تأييد الناس لابن لادن هو وجه اخرللخوف والتوجس الذي يشعرون به، بل إنه مظهر جلي على العجز الذي عطل قدرتهم على التبصر ، والعجز قد يكون شعورا خطرا يدفع صاحبه الى مالايتوقع ابدا !
&فلو أننا سألنا مناصري بن لادن : هل ترغبون أن يكون "نموذج" بن لادن الفكري هو السائد بينكم، والمتحكم في حياتكم، نموذج بن لادن الذي ظهر في حركة "طالبان" وكيفية ادارتها لحياة الناس؟ هل سيكون هناك حراك اقتصادي وثقافي في ظل نموذج " بن لادني " كهذا؟ هل تريدون ان تزداد حياتكم محافظة وقيودا أكثر مما هي عليه؟
لأن فكر بن لادن يرى انكم تعيشون في مجتمع "جاهلي" غير اسلامي كما هو معروف في ادبيات جماعة "الجهاد الاسلامي" التي يتزعمها ايمن الظواهري، المنظر الفكري لاسامة بن لادن؟
فنحن - وفقا لتنظيرات الظواهري - نعيش في مجتمعات جاهلية لاتحكم بشرع الله، وشرع الله كما يفهمه الظواهري هو ماطبقته حركة طالبان التي كانت تقيس لحى الناس بالسنتيمترات ! وتلزم الناس بمسائل خلافية من صغائر الامور.
&يجب ايقاظ عقول الناس من التنويم المغناطيسي الذي يمارسه بن لادن معهم، يجب اشعارهم بتخلف وتعصب المضمون الفكري لخطاب بن لادن، كما يجب أن يتعرفوا على الصور الاخرى لبن لادن غير صورة البطل الثوري الذي يدغدغ مشاعرهم المكلومة من امريكا.
&يجب تذكير محبي "القاعدة " وزعمائها بن لادن والظواهري، أن لدى "القاعدة" المسوغات الفقهية والنظرية، لتفجير الاوضاع الداخلية في بلادهم نفسها ! أوليست جماعة الجهاد المصرية والجماعة الاسلامية المصرية هما اللتان أرعبتا المجتمع المصري من أواخر الثمانينات الى أواخر التسعينات الميلادية ، عبر أعمال القتل والاغتيال والتفجيرات التي لم تقتصر على عسكر الحكومة ورموزها بل طالت عامة الشعب المصري والسياح الاجانب.
&من سوغ وأجاز هذا الرعب والدمار هو نفسه الحليف الأوفى لزعيم القاعد اسامة بن لادن، وهو ساعده الايمن في ادارة منظمة القاعدة، الدكتور أيمن الظواهري، ونفسه اسامة بن لادن هو من اثنى على تفجيرات "العليا" التي وقعت في شوارع الرياض، وشجع على المزيد منها !!
&السؤال : هل يعرف محبو بن لادن هذه الصور الاخرى عنه؟ واذا كانوا يعرفونها فهل يسرهم أن تتحول بلادهم الى "جزائر" اخرى، او تمر بها موجة الرعب والقبح التي مرت بمصر خلال العقد المنصرم؟ هل شاخت ذاكرة الناس؟!
قد يثمن المرأ عواطف الناس المتهيجة ويتفهمها، خصوصا وهم يرون امريكا مصممة على حرب العراق بغير حق، للناس أن يعارضوا أمريكا ويعلنوا رفضهم لسياستها، بل ولهم الحق في أن يبلغوا حكوماتهم بموقفهم ويطلبوا منها عدم التعاون مع امريكا في هذا المسعى الحربي ، كل هذا مشروع وقد فعله مواطنو اوروبا وامريكا والعالم كله، إنما مالاحق للناس لدينا فيه، أن يجعلوا من معارضتهم لامريكا سببا "اوتوماتيكيا" لتمجيد زعيم القاعدة اسامة بن لادن، والسعي وراءه بلا هدى !
&قد تكون قضيتك عادلة،وبسبب خطوة خاطئة، تخسر كل شيء.. هذا هو الدرس!