خلات أحمد
&
&
1
.."كن أقرب إلى عفاف ملكي أرستقراطي، يقرنَّ الأنفة، الى الانطلاق والتحرر إلى المحافظة، رغم انتمائهن إلى بيئة دينية؛ لم يكنَّ حريماً، كنَّ شقائق الرجال، بزهوهن.. بأنوثتهن، وشخصياتهن الممزوجة من الرقة والحزم، كنَّ جنساً آخر - الجنس الرهواني ـ كن باختصار نساء كرديات بامتياز، بجوهرهن الغامض، الشفافية الطبع الحرون الشائك الندي اللماح الودود النفور،& قامة رقيقة، وجبهة حرة، وصدر عامر يعلن عن وجوده، لأن الحياة من وجوده..".&
بهذه الكلمات يعرف لنا الشاعر محمد نور الحسيني المرأة الكردية في مقدمة دراسته عن الشاعرات الكرديات، وهكذا تبدو لنا حجلنامه في عددها المزدوج (7 ـ 8)، الصادر حديثاً في السويد: أنثى كردية تحتفي بشقيقاتها الأديبات، الشاعرات، الناقدات، المغنيات، المؤرخات، القاصات، ترافقهن تخطيطات الفنان الكردي المخضرم بشار العيسى الرقيقة، على مدى ثلاثة عشر لوحة تليق بالأردلانية "مستورة"، شمس الحسن والدلال، كما يقول عنها الشاعر الكبير "مولوي"، سليلة "هورامان"؛ هذه البقعة الجغرافية التي وصلنا منها أقدم الشعر الكردي من منظومات شعبية وأناشيد دينية، وقد برعت هذه الشاعرة في قصائد الغزل والمراثي وخلفت 20 ألف بيت شعر بالفارسية والكردية، وألفت "تاريخ أردلان"، لتروي فيه 600 عام من حكم هذه العائلة، ابتداء من جدهم الأكبر "بابا أردلان "حاكم شهرزور"، زمن حكم "جنكيز خان"، وتعتبر هذه الشاعرة، واحدة من النساء القليلات اللواتي كتبن في الدين والشريعة حيث كتبت في ذلك "عقائد وشرعيات"، وتركت لنا قصائد تتقطع عباراتها كاللهاث، محدثة موجات متكررة من المناجاة والتأمل والمونولوج الداخلي، قبل أن تغيب في الموت، وتنتظر قرابة مئتي عام، حتى تنهض من نفس البقعة الشاعرة "زيلا حسيني"، لتمسح غبار السنوات& الغابرة عن نوافذ قصرها وتحمل سراجها، وتبدع مدرستها الشعرية الخاصة، ويكون شعرها النداء المكبوت للمرأة، وتكون هي نفسها ضحية حادث سير مأساوي، آثرت حجلنامه، إلا أن تخصها بملف خاص بها في عددها هذا، لما لشعرها من خاصية متميزة، وبين هذه وتلك، يعرض لنا دلاور ميقري بعضاً من الخواتين الكرديات في العصر العباسي ابتداء من "بوران" ابنة "الحسن بن سهيل" وزير "المأمون" من عائلة أشراف زردشتين صح اسلامهم، "وبوران" موهبة خارقة في فنون الشعر والغناء والبيان؛ ثم الأيوبيات ومنهن "زمرد" خاتون التي ترجم لها في "طبقات الفقهاء"، وهي الشقيقة الصغرى لصلاح الدين، وكذلك "شمس الملوك"، ابنة شقيقه الملك العادل، التي تجلت كأديبة ومحدثة، ويتابع دلاور ميقري، ليصل بنا إلى أولى العائشات الكرديات الثلاث، وهي "عائشة الحرانية"، التي لم يجد الرحالة الشهير "ابن بطوطة" حرجاً من تلقي دروس الحديث على يديها، حين مر بدمشق، ثم لتكون العائشة الثانية، وهي "عائشة بنت يوسف ناصر الدين الباعونية"، المولودة في الشام، والمتفردة بالشعر في طيات زمن مكفهر داج أفقه كما لو أنه آخر الزمان: أوبئة، مجاعات، فتن، اضطرابات. خلل ذلك الليل المقيم، اتخذت شاعرتنا الكلمة نبراساً مضمخاً بعبق القديم المعتق برفيف الملائكة المسومة، والأرواح الهائمة والأناشيد الصوفية الغائمة، لتكون "ربة الفضل والأدب، وصاحبة الشرف والنسب" على حد تعبير& شيخ الشام "عبد الغني النابلسي"، بعد قرابة أربعة قرون من بزوغ نجمها وفي "البلد الأمين"، مصر المحروسة، كانت سماء القاهرة آهلة، لإطلالة ثالثة العائشات الكرديات: "عائشة التيمورية" ابنة "إسماعيل باشا" رئيس ديوان الخديوي المتميز عن أعيان عصره، بحلول الذائقة الرهيفة في أعماقه، وهو الذي لاحظ تميز ابنته "عصمت"، وميلها إلى العزلة والتأمل، لتكون الأثيرة لديه، وتنال حصتها من التعليم، وتمسك بمفاتيح اللغة العربية من نحو وصرف وفقه وخط، إلى مبادئ اللغات الأجنبية كالفارسية والتركية، اللتين أتقنتهما، وأصدرت ديوانيها الأولين بهما، وليتصدر الغلاف اسم "عائشة"، الذي قدمت به نفسها إلى القراء، كانت بواكير قصائدها ذات مشام غزلي غامر، بَيْد أن الأناشيد الرومانسية الحالمة،& أفاقت، لما تعين عليها مرافقة زوجها إلى "الآستانة"، لتكون في إقامة مضجرة في دياجير حريم تلك الأصقاع، ليكون قبسها الوحيد رفد لغتها التركية من منبعها، لتبثَّ فيها من ثَمّ قصائد ديوانها "وردة".& بموت الأب، ثم الزوج، تنفض شاعرتنا إرادتها من أية سلطة ذكورية، وإذ هي في الذروة المنيفة لعطائها، طائر طليق يدوم بأجنحة من ريش الشعر الأخضر، روعت بموت ابنتها مهوى فؤادها، والصورة المؤطرة لشخصيتها برهافتها ورقتها وميلها لقرض الشعر، لتخسف شمس شعرها& في الأفق المكفهر لأيامها، وتعمد إلى إحراق الكثير من قصائدها، وخاصة الغزلية بصرخة احتجاج في وجه القدر، حتى كَفّ ابنها البار يدها عن إتلاف ما تبقى منه، ثم يستعرض دلاور تتبع أديبة الشرق "مي زيادة"، لسيرة التيمورية، عبر كتابها "عائشة التيمورية شاعرة الطليعة"، ويأخذ على أدونيس اغفاله اسمها في كتابه الضخم "ديوان الشعر العربي"، كما ويأخذ على الباحث الكردي "روهات آلاكوم"، أنه لم يأتِ على ذكرها في مجلده الموسوعي "نساء الكرد"، ويشفع له بأنه لا يعرف اللغة العربية. ومن الشعر تنتقل "حجلنامه" إلى من تغنينه، مستعرضة سيرة "مريم خان" بأصالتها ورصانتها وتعلقها بمظاهر الحياة الاجتماعية الكردية، والموروث الشعبي، ويتدفق صوتها السحري بأداء الحكايات الشعبية المغناة في مرحلة، كان صوت المرأة فيه نادر السماع، هذا الموروث الذي جسدته البدرخانية الأميرة "ليلى" في ارتعاشات جسدها الرشيق، وحركات يديها الخبيرتين في حضور ملوك وملكات أوربا، وهي تؤدي دور الملكة "بلقيس" لتقلب باريس رأساً على عقب بفنها الرفيع، حسب تعبير إحدى الصحف التركية آنذاك، ومن ثم تروي الشقيقة "حجلنامه"،& رحلة "عيشي شان"، من ديار بكر، إلى هولندا وألمانيا وبغداد، ورحلتها من الموشحات الدينية، إلى تسجيل الأغاني للإذاعة والتلفزيون الكردي. وتمر بنا هذه الأخت الدؤوبة على منتزه ناء منعزل، تتمشى فيه "هيفاء زنكنه" بهدوء، وتتساءل معنا بعيون مضببة عن معنى الحرية في مجموعتها الجديدة "حياة معلبة"؛ ثم لتختصر "نجيبة أحمد" العالم في حمحمة لحظات قليلة؛ فيما "سوزان سامانجي"، تسترق النظر إلى غرفة الضيوف، لتستمدَّ من أحاديث والدها أولى خطواتها في عالم القص، وتكتب& "ديار بكر" الكردية بلغة تركية، وتعيد حجلنامه سردها بلغة عربية، لغات ثلاث تتآلف، لتتألق فيها حياة الكرد اليومية بكل بساطتها وابداع تفاصيلها البيضاء كالياسمين الذي تخرج منه "سحر سليمان"، وتبعثر التراب لتنبثق الينابيع من بين أصابعها وتخلق قصصها المتمردة على دونية المرأة في مجتمع شرقي، تقف فيه على حافة الغياب، وتلون كلماتها بالنار، وتحمل في عنقها سلسلة فيها قلب سيظل فارغاً أبداً، وتمزج حجلنامه بقلبها الرهيف بين ابداعات اخواتها وآلام ذكريات "مينا خانم" أرملة "القاضي محمد"، الذي عاد إلى البيت مغتبطاً سعيداً يوم اعلان الجمهورية الكردية في مهاباد، التي بقيت أبداً في طفولتها، ليقول: "مثل غلام سأظل دائماً في خدمة مصالح شعبي"، وبكثير من الفخر، تروي "مينا خانم" صداقتها مع "كلزار خانم" ذات القامة المهيبة والقوية النشيطة الذكية المثقفة والرامية الماهرة ابنة "جعفر آغا" الشكاكي، من أكراد كردستان إيران، هؤلاء الأكراد الذين كتبت عنهم الدكتورة "مارغريت كان" كتابها "أبناء الجن"، وتتحدث في جزء منه عن عشقها لأصوات هؤلاء النسوة الكرديات، وامتلاكه الخاصية المثالية للصوت الأنثوي المنبثق بكامل قوامه من الحنجرة، أصوات نساء عرفن القساوة، أصوات تنطق عن الخبرة. وتروي لنا الدكتورة طقوس زواج الكرديات ومراسيم حفل زفافهن، وقدرتهن على نسيان السلبيات، والطاقة المستمرة على عشق الحياة، مع استعراض لقواعد التشريفات وآداب المعاشرة بين الضيف والمضيف في كردستان، والآداب العامة والسلوك الاجتماعي في المجتمع الكردي.&&&&& واستكمالا لرسم صورة المرأة في المجتمع الكردي يرصد "جان دوست" شذرات أنثى من خلال ترجمة مختارات من كتاب "عادات الأكراد وتقاليدهم" للملا "محمود البايزيدي"، في القرن التاسع عشر الميلادي، ويزيد بذكر شاعرة كردية اسمها "آمنة"، عاشت في منتصف القرن التاسع عشر، تبوح بحبها وتجاهر به للشاعر "حسن"، ويدلل بذلك على رقي المجتمع الذي نشأت فيه هذه الشاعرة، وتبوأت المرأة فيه مكانة راقية، وهو رأي يؤيده الباحث الكردي "روهات آلاكوم"، في بحثه عن الإيروسية في التراث الكردي الشفاهي، وفي الأغنية خصوصاً، ليرصد من خلالها أوجهاً عديدة للتطور الاجتماعي الكردي، ويتابع مكانة المرأة في النسيج الاجتماعي، وجرأتها في الدفاع عن نفسها ضد الحصار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الذي يضيق من حولها، ويرى بأن الجميلة "زين" ومن خلال الملحمة الخالدة "مم وزين"، تضاهي الآلهة اليونانية "آروسا"، والرومانية "آمورا"، ثم يبحث عن كلمة النهد ودلالاتها الإيروتيكية بأجزائه وتفاصيله، ويتناول الأشكال الفنية التي يتم استخدامها بها في الأغنية الشعبية، ويلفت الانتباه إلى أن أغلب هذه الأغاني في وصف النهدين قد غنيت من قبل النساء، وهذا أمر قلما حدث في المجتمعات الإسلامية، ويؤكد أهمية& هذا العضو الأنثوي في عملية الارضاع، ثم مهمته الثانية في الإيروتيك، واسراف النساء في الفانتازيا لاستخدامه كأغلى وانجع دواء لمعالجة جروح الحبيب، وكغطاء ثمين يتدفأ بهما، وكتسلية في ليالي الشتاء، ويضئ النهدان ليبددا الظلام الذي يلف المغني والحبيب، كما ويذكر النهد في أغانٍ كثيرة كأنواع متعددة من الطعام والفاكهة ولونهما ونضوجهما وشبههما بأشياء معينة على أسس منطقية، وفي نفس الوقت ثمة الكثير من الأغاني التي غناها الرجال، يظهرون فيها عدم رضاهم عن تغير شكل النهدين وفقدانهما لمظهرهما اليانع، ويؤكد الباحث أن المرأة الكردية ترى في نهديها تميزاً لها عن الرجال، الذين ضمرت نهودهم، ولذا فان حمايتها لنهديها، ثم هبتهما لحبيبها في هذه الأغاني، يأخذ أهمية خاصة، وهي عندما ترفض أن يلمسهما أحد، فإن كل الأبواب تقفل، وهي عنيدة جداً في هذه الناحية، ولا تتراجع عن تمنعها، على أن الامر، ليس الرجل هو من يسعى دائماً إلى المرأة ويطلب ودها، بل أحياناً تسعى هي إليه، وترمي بالأعراف والتقاليد جانباً، كما في ملحمة (زمبيل فروش/ بائع السلال)، ولا يفوت الباحث رصد التأثيرات الدينية التي تظهر في عدة أغانٍ، وتستخدم تشبيهات مثل (الفطر،الزكاة، الصوم،الإسحار)، ويختتم الباحث بحثه في تجلي لوعة العاشق ورغبته الشديدة في وصال حبيبته، والاستحواذ على نهديها، وتتبعه إياها على طريق السوق ليسألها: "ألا تبيعين النهود الشقراء؟".
&وبالرغم من& هذا البحث القيم والغني، ولأن حجلنامة قد رصدت عدديها بالكامل للأنثى، فقد آثرت أن تنشر أكثر من بحث عن& صورة المرأة في التراث الشفاهي الكردي، وهذه المرة بقلم ف.كريستين آليسون من معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، وهي ترى أن الفلكلور، أو الفن الشعبي، له دور أساسي في الثقافة الكردية التقليدية، فهو يعتبر بمثابة مخزون للمعرفة والحكمة وجزء متكامل من الحياة اليومية، ورابطاً مهماً لمجتمع بدون إرث كتابي منقول،& بسبب أن القليل فقط من الكرد يستطيعون القراءة والكتابة بلغتهم الأم؛ والفلكلور في الموروث الكردي يستخدم بمعنى واسع، ليشمل تنوعاً من العادات والتقاليد والشعائر التي لا زالت تمارس حتى اليوم وبعناية فائقة، وفي عملية تحاور ثقافية واسعة مع جيرانهم، سواء في كردستان نفسها مع التجمعات المسيحية والتركمانية، أو في المحيط مع العرب والترك والفرس. والباحثة ومن خلال دراستها& تطرح التساؤل عن امكانية اعتبار وجود شخصيات نسائية كثيرة في هذا الفلكلور، هو الدليل على سيطرة العنصر النسائي، أم أنه أحاديث صاغها الرجال ووسموها بطابعهم، فالشعر الشعبي يستطيع وصف مجتمع حقيقي بعينه، ويستطيع كذلك أن يصور وضعاً اجتماعياً مثالياً، وهي ترى أن الحكايات الشعبية الكردية تحتوي على شخصيات نسائية نمطية تقليدية، كما تحتوي على أشباح وجنيات وحوريات، وهي تخيلية& وفانتازية، أكثر منها واقعية، ثم تتدخل في دراسة مستفيضة عن الأغنية الشعرية التي ترافقها الموسيقا، وهي تعتمد غالباً على حوادث تاريخية وشخصيات حقيقة، على العكس من الحكايات الشعبية، لاتحتوي على عناصر غير طبيعية، لكنها تبقى، بالرغم من ذلك شكلاً فنياً، أقرب إلى الشعرية الوجدانية منه، إلى الأسلوب القصصي، وهي مفعمة بعواطف جياشة، وتملك في الغالب نبرة حزينة، وفيها وصف مشاعر الخوف والانكسار والفقدان، وهي مهمة المرأة التي تقوم بأداء أغاني الرثاء، لذلك فهي أرجح إلى النساء منها إلى الرجال، ثم هناك أغاني الحب التي تستمد قوتها من مشكلة واقعية، وتلعب فيها النساء دوراً رئيساً وهاماً، ويتم ذكر كلماتهن بالكامل، حيث لا يترددن في الافصاح عن مشاعرهن وأفكارهن، فليس من الغرابة بشيء، أن تظهر في هذه الأغنيات النظرة النسائية بشكل واقعي، وملامح لمشاكلها التقليدية، فهي لاتقص أو تروى فقط من أجل الحقائق الثابتة التي تحتويها، وإنما لغاية الوصول إلى الجمهور في المقام الأول، فالشعر الشعبي الكردي هو ملك للمجتمع كله، وليس لأشخاص، أومجموعات معينة، ومحتوى النصوص مرتبطة إلى درجة وثيقة بالحياة التقليدية، ويقدم عدد من أنواعه، بالاضافة إلى وظيفته الجمالية والترفيهية، إمكانية "آمنة"، ومسيطراً عليها لمناقشة مواضيع خطيرة،& والنساء تستخدمن أنواع الشعر الشعبي لغاياتهن الشخصية بذكاء، لمخالفة قيم اجتماعية محددة. وفي نهاية بحثها الشيق تفسر الباحثة& قوة الجاذبية التي تتمتع بها الأغنية الشعبية الكردية، على أنها جزء من حياة الريف الهادئة التي تطبع الوعي الكردي اليوم بشكل كبير، وتؤكد أن الشعر الشعبي هو الشكل الفعلي للفن الذي خلق من قبل الشعب الكردي.
&وبالرغم من& هذا البحث القيم والغني، ولأن حجلنامة قد رصدت عدديها بالكامل للأنثى، فقد آثرت أن تنشر أكثر من بحث عن& صورة المرأة في التراث الشفاهي الكردي، وهذه المرة بقلم ف.كريستين آليسون من معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، وهي ترى أن الفلكلور، أو الفن الشعبي، له دور أساسي في الثقافة الكردية التقليدية، فهو يعتبر بمثابة مخزون للمعرفة والحكمة وجزء متكامل من الحياة اليومية، ورابطاً مهماً لمجتمع بدون إرث كتابي منقول،& بسبب أن القليل فقط من الكرد يستطيعون القراءة والكتابة بلغتهم الأم؛ والفلكلور في الموروث الكردي يستخدم بمعنى واسع، ليشمل تنوعاً من العادات والتقاليد والشعائر التي لا زالت تمارس حتى اليوم وبعناية فائقة، وفي عملية تحاور ثقافية واسعة مع جيرانهم، سواء في كردستان نفسها مع التجمعات المسيحية والتركمانية، أو في المحيط مع العرب والترك والفرس. والباحثة ومن خلال دراستها& تطرح التساؤل عن امكانية اعتبار وجود شخصيات نسائية كثيرة في هذا الفلكلور، هو الدليل على سيطرة العنصر النسائي، أم أنه أحاديث صاغها الرجال ووسموها بطابعهم، فالشعر الشعبي يستطيع وصف مجتمع حقيقي بعينه، ويستطيع كذلك أن يصور وضعاً اجتماعياً مثالياً، وهي ترى أن الحكايات الشعبية الكردية تحتوي على شخصيات نسائية نمطية تقليدية، كما تحتوي على أشباح وجنيات وحوريات، وهي تخيلية& وفانتازية، أكثر منها واقعية، ثم تتدخل في دراسة مستفيضة عن الأغنية الشعرية التي ترافقها الموسيقا، وهي تعتمد غالباً على حوادث تاريخية وشخصيات حقيقة، على العكس من الحكايات الشعبية، لاتحتوي على عناصر غير طبيعية، لكنها تبقى، بالرغم من ذلك شكلاً فنياً، أقرب إلى الشعرية الوجدانية منه، إلى الأسلوب القصصي، وهي مفعمة بعواطف جياشة، وتملك في الغالب نبرة حزينة، وفيها وصف مشاعر الخوف والانكسار والفقدان، وهي مهمة المرأة التي تقوم بأداء أغاني الرثاء، لذلك فهي أرجح إلى النساء منها إلى الرجال، ثم هناك أغاني الحب التي تستمد قوتها من مشكلة واقعية، وتلعب فيها النساء دوراً رئيساً وهاماً، ويتم ذكر كلماتهن بالكامل، حيث لا يترددن في الافصاح عن مشاعرهن وأفكارهن، فليس من الغرابة بشيء، أن تظهر في هذه الأغنيات النظرة النسائية بشكل واقعي، وملامح لمشاكلها التقليدية، فهي لاتقص أو تروى فقط من أجل الحقائق الثابتة التي تحتويها، وإنما لغاية الوصول إلى الجمهور في المقام الأول، فالشعر الشعبي الكردي هو ملك للمجتمع كله، وليس لأشخاص، أومجموعات معينة، ومحتوى النصوص مرتبطة إلى درجة وثيقة بالحياة التقليدية، ويقدم عدد من أنواعه، بالاضافة إلى وظيفته الجمالية والترفيهية، إمكانية "آمنة"، ومسيطراً عليها لمناقشة مواضيع خطيرة،& والنساء تستخدمن أنواع الشعر الشعبي لغاياتهن الشخصية بذكاء، لمخالفة قيم اجتماعية محددة. وفي نهاية بحثها الشيق تفسر الباحثة& قوة الجاذبية التي تتمتع بها الأغنية الشعبية الكردية، على أنها جزء من حياة الريف الهادئة التي تطبع الوعي الكردي اليوم بشكل كبير، وتؤكد أن الشعر الشعبي هو الشكل الفعلي للفن الذي خلق من قبل الشعب الكردي.
&
2
"كانت القامشلي ساحرة ببيوتها الممتدة على ضفاف الجغجغ، وزنابق الماء تموج كأرجوحة حلم، بينما أسراب البط تواصل رقصها الإيمائي على الماء، وأنا أتماهى في المكان. لكن الذعر كان يتسرب إلى داخلي، حين ننقل الكتب الكردية إلى مخابئ سرية، ويطلب منا نحن الأطفال ضبط اللسان والنفس، فيزداد شعوري بالعجز، لكن رصيدي الروحي كان ثرياً، وراح ينبجس فيما بعد تلقائياً، على هامش نوتاتي الجامعية، لازلت أبحث عن كلمة خارقة، لمواجهة عالم باذخ بجبروته". تقول الشاعرة نسرين تيلو في تعريفها بتجربتها الابداعية. في حين تقول "نه زندبكي خاني": "أثناء المطالعة كنت أشعر أني أسمو إلى طبقات عليا،إلى الجمال غير الملموس، وإذا بي أحلق في الواقع كالمتصوف، حينذاك بدأت أتقلد بقلادة الكلمة وأتداعى مع ذاتي، تلك كانت بداياتي". أما بدايات "آخين ولات" فقد كانت مع والدها: يقضي ساعات وهو يقرأ لها عن حياة بيتهوفن، أو يضع أصبعه بين صفحة وصفحة، ويطبق جلدي الكتاب على بعضهما البعض، ليعيد على أسماع الأطفال وبينهم "آخين" ماقرأه، بالكردية ليشعل في طفولتها هسيس الأسئلة الغامضة، ويدفع بطفولتها للتمرد على الحدود الطبيعية للطفولة القروية، وتبدأ بكتابة هواجسها بلغتها الكردية التي هي لغة أحلامها، وهي لغة الشعر، وهي لم تبلغ فيها أولى درجات الإبداع كما تقول. في حين لاتوجد ثمة جريدة أو مجلة ثقافية لم تساهم "كزال أحمد" فيها، بنشر قصيدة من قصائدها، حيث حظيت نتاجاتها باعجاب المترجمين، مع أنها بدأت الكتابة عندما كان نظام الحكم في بغداد يقوم بعمليات الأنفال. ولـ"جانا سيدا" قصة أخرى، فهي من عائلة متصوفة كان لها الدور الكبير في دفعها للشعر والأدب والفن، على أنها ترى أنه كان ولايزال الأمر مغامرة، أن تكتب فتاة في مجتمع متخلف، فهمومها أكبر من قامات كتاباتها، وهي متهمة بكل حرف تخطه. ومن قراءة الشعر الجاهلي في سوق عكاظ، تبدأ التجربة الشعرية لـ "فينوس فائق"، لذا كانت بدايتها باللغة العربية التي لازالت تسيطر على تفكيرها، حتى وهي تكتب بلغتها الأم. وفقط في المنفى السويدي اقتربت "سارا" من لغتها الكردية، وتوجهت إليها بكل روحها، وصار هاجسها تحويل أحاسيسها الأكثر إنسانية إلى فعل الكتابة.
انها قبقبة الحجل إذاً ولغته الكسيرة تستعصي على الشاعرات، ولغات غريبة تتداخل في أصواتهن الرقيقة، يغالبن الهواء الغريب، ويستنطقنه بأناملهن الجسورة، ليتدفق الشعر على صفحات حجلنامه، في مروره تحت الأنامل الخبيرة والصارمة، لرئيس تحريرها، المصر على بلوغ مستوى يليق بالجنس "الرهواني". وفي الإجابة على أسئلة ثلاث وجهتها حجلنامه إلى شقيقاتها الشاعرات. تتقاطع اجاباتهن: (نه زند، جانا، آخين، فينوس، وكزال) في أن الفارق بين الشعر الكردي الرجالي والنسائي هو خصوصية الكاتب، أوالكاتبة كمبدع، وليس كجنس، مع الأخذ بعين الاعتبار أسبقية التجربة الرجالية، وبالتالي نضوجها أكثر، والحساسية التي يستقبل بها الشعر النسائي، وهن متفقات أيضاً على أن لكل عصر شعراءه، وشاعراته، لكن، ما لم يكن موجوداً هو (التدوين وحجلنامه)، وكانت الأمية متفشية بشكل كبير، وهن يستشهدن بالتراث الشفاهي الكردي على التواجد الدائم للمرأة الكردية الشاعرة، على أن المقارنة بين الشعر الكردي النسائي، ومثيله في الجوار العربي والتركي والفارسي، تختلف من شاعرة إلى أخرى: ترى "نه زند"، أنه امتداد للسؤال الأول، أي أن لكل انسان خصوصيته، و"أنا" المرأة الكردية، تختلف عن جاراتها، وبالتالي، تختلف تجربتها الشعرية؛ بينما ترى "جانا"، أن الشعر الكردي النسائي لم يأخذ لنفسه خصوصية إلى الآن، في حين أن الأدب العربي والفارسي أسست له مخضرمات على قلتهن؛ أما "آخين"، فهي تعتذر عن الإجابة على هذا السؤال، لأن القائمة الضئيلة من الأسماء التي سمعتها من هنا وهناك، لاتخولها اجراء المقارنة؛ وترى "فينوس" الفارق واضح تماماً في أسلوب الطرح، لأن القضايا والهموم والاهتمامات لدى المرأة الكردية، تختلف عنها عند الجارة العربية، وان الأدب العربي ينبع من واقع سياسي يمارس السلطة، أما الأدب الكردي، فقد نشأ وتطور بمثابة أدب شعب مسلوب.
&ومن ابداع نساء هذا الشعب المسلوب، تتالت سبعة وستون صفحة، من ديوان حجلنامه الأنثوي، بعواميد ثلاثة لكل شاعرة، مثقلة بالخوف والقلق أحياناً، ومحلقة بالعشق والتمرد والحلم أحياناً: قصائد شفافة، دافئة، جريئة، متوجسة، منورة، ومتوارية كما هي الأنثى، حيناً على حينٍ.
انها قبقبة الحجل إذاً ولغته الكسيرة تستعصي على الشاعرات، ولغات غريبة تتداخل في أصواتهن الرقيقة، يغالبن الهواء الغريب، ويستنطقنه بأناملهن الجسورة، ليتدفق الشعر على صفحات حجلنامه، في مروره تحت الأنامل الخبيرة والصارمة، لرئيس تحريرها، المصر على بلوغ مستوى يليق بالجنس "الرهواني". وفي الإجابة على أسئلة ثلاث وجهتها حجلنامه إلى شقيقاتها الشاعرات. تتقاطع اجاباتهن: (نه زند، جانا، آخين، فينوس، وكزال) في أن الفارق بين الشعر الكردي الرجالي والنسائي هو خصوصية الكاتب، أوالكاتبة كمبدع، وليس كجنس، مع الأخذ بعين الاعتبار أسبقية التجربة الرجالية، وبالتالي نضوجها أكثر، والحساسية التي يستقبل بها الشعر النسائي، وهن متفقات أيضاً على أن لكل عصر شعراءه، وشاعراته، لكن، ما لم يكن موجوداً هو (التدوين وحجلنامه)، وكانت الأمية متفشية بشكل كبير، وهن يستشهدن بالتراث الشفاهي الكردي على التواجد الدائم للمرأة الكردية الشاعرة، على أن المقارنة بين الشعر الكردي النسائي، ومثيله في الجوار العربي والتركي والفارسي، تختلف من شاعرة إلى أخرى: ترى "نه زند"، أنه امتداد للسؤال الأول، أي أن لكل انسان خصوصيته، و"أنا" المرأة الكردية، تختلف عن جاراتها، وبالتالي، تختلف تجربتها الشعرية؛ بينما ترى "جانا"، أن الشعر الكردي النسائي لم يأخذ لنفسه خصوصية إلى الآن، في حين أن الأدب العربي والفارسي أسست له مخضرمات على قلتهن؛ أما "آخين"، فهي تعتذر عن الإجابة على هذا السؤال، لأن القائمة الضئيلة من الأسماء التي سمعتها من هنا وهناك، لاتخولها اجراء المقارنة؛ وترى "فينوس" الفارق واضح تماماً في أسلوب الطرح، لأن القضايا والهموم والاهتمامات لدى المرأة الكردية، تختلف عنها عند الجارة العربية، وان الأدب العربي ينبع من واقع سياسي يمارس السلطة، أما الأدب الكردي، فقد نشأ وتطور بمثابة أدب شعب مسلوب.
&ومن ابداع نساء هذا الشعب المسلوب، تتالت سبعة وستون صفحة، من ديوان حجلنامه الأنثوي، بعواميد ثلاثة لكل شاعرة، مثقلة بالخوف والقلق أحياناً، ومحلقة بالعشق والتمرد والحلم أحياناً: قصائد شفافة، دافئة، جريئة، متوجسة، منورة، ومتوارية كما هي الأنثى، حيناً على حينٍ.
&
3
سبع وعشرون شاعرة من جهات كردستان الأربع، وامتداداتها في المنافي الباردة، تسبقهن& دراسة الشاعر "هندرين"، وأخرى للشاعر محمد نور الحسيني، هما الرحيق المقطر، بجهد ودأب من أزهار شتى، ألوانها وأشكالها وعبيرها: "هنّ الفضة والنرجس والحناء وبذرة رجل، هنّ التين المجفف، المشمش المجفف، تحت نسيج الشمس، في صيف عامودا دياربكر، هولير، ومهاباد، مشمش الأنثى الكردية بلسانها الأرقّ، وبرهط من البنفسج على أصابعهن الشاعريات، وفي البزوغ الحذر للترجمة، هي اللغة / الكائن، تتحول إلى برونز بقدمين جفلتين مزرقتين عجولتين من بحيرة "وان"، إلى تخوم "حجلنامه"، الجسد اللغوي الآخر في دورته الشقيقة، شقيقة الفاكهة المجففة على الوقت الحيران".
هكذا يمسد الشاعر محمد عفيف الحسيني، على أقلامهن بحنان، في افتتاحية العدد المزدوج، والذي يستحق بجدارة لقب "رهوانة".&
3
سبع وعشرون شاعرة من جهات كردستان الأربع، وامتداداتها في المنافي الباردة، تسبقهن& دراسة الشاعر "هندرين"، وأخرى للشاعر محمد نور الحسيني، هما الرحيق المقطر، بجهد ودأب من أزهار شتى، ألوانها وأشكالها وعبيرها: "هنّ الفضة والنرجس والحناء وبذرة رجل، هنّ التين المجفف، المشمش المجفف، تحت نسيج الشمس، في صيف عامودا دياربكر، هولير، ومهاباد، مشمش الأنثى الكردية بلسانها الأرقّ، وبرهط من البنفسج على أصابعهن الشاعريات، وفي البزوغ الحذر للترجمة، هي اللغة / الكائن، تتحول إلى برونز بقدمين جفلتين مزرقتين عجولتين من بحيرة "وان"، إلى تخوم "حجلنامه"، الجسد اللغوي الآخر في دورته الشقيقة، شقيقة الفاكهة المجففة على الوقت الحيران".
هكذا يمسد الشاعر محمد عفيف الحسيني، على أقلامهن بحنان، في افتتاحية العدد المزدوج، والذي يستحق بجدارة لقب "رهوانة".&
&
للاتصال بالمجلة:
[email protected]
المراسلات
Mohammad Hussaini
Chapmansg.& 4
414& 54 G?trborg / Sweden
Tel / Fax: 0046 (0) 31 249262&
[email protected]
المراسلات
Mohammad Hussaini
Chapmansg.& 4
414& 54 G?trborg / Sweden
Tel / Fax: 0046 (0) 31 249262&









التعليقات