كييف- ستيفان كورشاك:&العولمة، ببساطة، لم تعد كما كانت. فقبل ست سنوات دخلت شركة ماكدونالد العملاقة السوق الاوكرانية. وكان حجم نشاطها هناك واحدا من أكبر الانشطة الخارجية لتلك الشركة متعددة القوميات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، وحققت في البداية نجاحا ساحقا كانت أكبر نجاحاتها.
واستخدمت الشركة الاسلوب "نفسه" الذي جربته واختبرته في عشرات الاسواق في مختلف أنحاء العالم، وفي البداية حقق هذا الاسلوب نجاحا رائعا في أوكرانيا.
كانت الخدمة سريعة، وتصحبها ابتسامة. وأدرك الاوكرانيون أنه في ماكدونالد- وعلى خلاف المطاعم التقليدية- &لايتعين على المرء أن يشعر بالقلق من إمكانية تعرضه للغش على يد النادل. كان الطعام موضع ثقة، وكان من السهل تناوله وهو أمر غريب على الاوكرانيين. كما كانت المراحيض نظيفة على نحو يثير الاعجاب.
وفي أولى مطاعم السلسلة في أوكرانيا والذي افتتح في كييف عام 1997 بجوار محطة المترو التي بنيت بالرخام الابيض (والتي انفقت ماكدونالد بسخاء على تجديدها)، كانت الطوابير تصطف بطول نصف كيلومتر، وكان الاوكرانيون على استعداد للانتظار لمدة 90 دقيقة من أجل الحصول على ساندوتش. تشيز بيرجر اللحم مع شريحة جبن-. ولم تكن هناك ساعة ذروة فقد كان المطعم يكتظ بالزبائن طوال ساعات العمل.
وتحدث مسئولو الشركة عام 1998 عن الانفاق، فعلى مدى خمس سنوات، تم افتتاح 150 مطعما بكلفة بلغت نحو مئتي مليون دولار، كما أنشئت بنية أساسية توفر 90 في المئة من المواد الغذائية التي تدخل في تصنيع منتجاتها محليا. وصف ستين بوجارت وهو متحدث باسم الشركة في ذاك الوقت، سلسلة مطاعم ماكدونالد أوكرانيا بأنها "واحدة من أكبر قصص نجاح مشروعات الشركة على الساحة الدولية".
والان، صارت الشحوم تغطي حوائط محطة مترو لوكيانوفكا الرخامية في كييف التي استحال لونها إلى الرمادي. وعند مطعم ماكدونالد المجاور تجد أعدادا متناثرة من الشباب وموظفي المكاتب. لم يعد هناك زحام. واختفت الطوابير.
تقول الزبونة أولها كوزيل -17 عاما- ردا على سؤال عن السبب في أن المطعم صار نصفه خاليا "ماكدونالد لابأس به، فأنا أحب البطاطس المقلية. ولكن من يستطيع أن يأكل الهامبورجر فقط؟".
وهذا الوضع المثير للقلق سينسحب على باقي سلسلة المطاعم في معظم مدن أوكرانيا. أن اقتصاد البلد يسجل نموا والناس في يدها بالفعل نقود يمكن أن تنفقها على الوجبات السريعة، لكن طعام ماكدونالد، لم يعد الطعام الشهي الوحيد في المدينة. وهذا أمر غير طيب لفرع ماكدونالد.
وترد جوليا ميتروفانوفا المتحدثة الحالية باسم ماكدونالد أوكرانيا بأن نشاط الشركة في تحسن، مشيرة إلى زيادة المبيعات بنسبة 21 في المئة في الفترة 2001 -2002 وأن عدد الزبائن بلغ 54 مليون زبون.
ومع ذلك، فإن من الواضح أن خطة التوسع تشهد تراجعا، فالشركة لديها حاليا في أوكرانيا 52 مطعما وتخطط لافتتاح أربعة أخرى فقط عام ،2003 كما لاتزال تستورد نصف ما تحتاجه من المواد الخام. وثبتت حجم الاستثمار الكلي عند 94 مليون دولار.
ورفضت مترو فانوفا الافصاح عما إذا كانت مطاعم ماكدونالد في أوكرانيا تحقق أرباحا أم لا، متعللة باعتبارات أمنية. في كانون أول ديسمبر الماضي أصدر المقر الرئيسي لماكدونالد تحذيرات بشأن الارباح، بناء على التراجع الشديد في عائدات الارباح الخارجية. في نفس الليلة خسر سهم ماكدونالد 13 في المئة من قيمته.
وربما لا يتحسن الموقف قريبا. تبلغ كلفة المطعم الواحد في مطاعم ماكدونالد في أوكرانيا مليون دولار في المتوسط. في حين لا تتجاوز كلفة مطعم بنفس المساحة يقوم محليون بإنشائه، جزءا من هذا المبلغ فان متوسط اجر العامل في ماكدونالد يبلغ نحو مئة دولار. في حين يدفع المنافسون نصف هذا المبلغ.
وتعج صناعة المطاعم في أوكرانيا بالمسئولين الحكوميين الفاسدين. وإذا واجه صاحب مطعم في أوكرانيا مشكلة تتعلق بطعام فاسد أو مشكلة صحية أو مفتش غاضب، فإنه عادة ما يحل تلك المشكلة بدفع رشوة. ويتراوح مبلغ الرشوة عادة بين 100 و ألف دولار ولا يعاقب عليه أبدا من قبل الشرطة حسبما يقول صاحب مطعم.
وسياسة شركة ماكدونالد تأبى الرشاوى، لكن في أوكرانيا قد تكون كلفة هذه السياسة باهظة. في إحدى القضايا الشهيرة في كاركييف، حاول موظفون بإدارة حماية المستهلك الحصول على بضع مئات من الدولارات عن طريق الابتزاز فأعلنوا أن ماكدونالد "لا تتحكم بشكل كاف في وزن ما تقدمه من البطاطس المقلية". وردت ماكدونالد بحملة إعلانية في جميع أنحاء البلاد كلفتها 20،000 دولار تحت عنوان "جودة ماكدونالد" وذلك حسبما ذكر أحد العاملين المتخصصين في الصناعة.
وأصدرت الحكومة الاوكرانية قرارا عام 2001 بحظر استيراد لحوم البقر خوفا من مرض جنون البقر، مما أضطر الشركة لاقامة مصنع لانتاج الفطائر المحشوة باللحم البقري في أوكرانيا كلفها 2.2 مليون دولار.
كذلك فإن هذه المنشأة أمريكية الهوية تنال نصيبها من الاثار السلبية أيضا حيث يقوم المتظاهرون بتحطيم واجهات مطاعم ماكدونالد من وقت لاخر. فعقب اندلاع الحرب في العراق وقف محتجون مناهضون للولايات المتحدة أمام مطعم ماكدونالد بوسط كييف وقاموا بتوزيع الخبز ولحم الخنزير المملح على المارة، قائلين أن على القومين الاوكرانيين أن يأكلوا الطعام الوطني بدلا من البرجر والمقليات الامريكية المستوردة.
ولكن الامر الذي ربما يبعث على القلق أكثر بالنسبة لخطة ماكدونالد في أوكرانيا، يتمثل في حقيقة بسيطة وهي أنه في مختلف ربوع الجمهورية السوفيتية السابقة يستطيع الزبون أن يشتري بثمن ساندوتش بج ماك وشرائح البطاطس المقلية ومشروب، وجبة من ثلاثة أطباق مع كأس من البيرة أو مشروب أقوى ويقوم على خدمته نادل وذلك وهو جالس مستريحا في واحدة من المطاعم التي لا يحصى لها عددا.
أمام مطعم ماكدونالد المجاور لمحطة لوكيا نوفسكا، والذي كان المطعم العالمي الوحيد في بلد يبلغ عدد سكانه خمسين مليون نسمة، يبيع الباعة الجائلون سندوتشات الهوت ببرج -النقانق الساحنة- وفطائر اللحم. بضاعتهم أشد قتامة من مثيلها التي يعرضها دونالد ماكدوندلد، ونوعية المواد الداخلة في صناعتها أسوأ ولاشك. ولكنها أرخص.