&اندلعت الشرارة الاولي للمظاهرات الطلابية في ايران مساء يوم الثلاثاء 10/6 من الحي الجامعي التابع لجامعة طهران والواقع في شمال العاصمة وذلك لأسباب مهنية سرعان ماتحولت الي مظاهرات سياسية واستمرت لخمسة أيام، حيث هدأت الامور في طهران نسبيا لكنها تواصلت بشكل أو آخر في مدن ايرانية أخري كالاهواز وشيراز واصفهان ومشهد. وفي الحقيقة انها خفت في طهران دون ان تحسم نهائيا.
ويبدو ان هناك تعاطفاً بل ومشاركة في المظاهرات من قبل السكان القاطنين في الحارات المحيطة بالحي الجامعي. كما شهدت بعض احياء العاصمة احتجاجات شعبية تجلت بشكل اطلاق ابواق السيارات أو فتح أبواب البيوت للمتظاهرين الهاربين من بطش المليشيات المتشددة. وقد تطورت الهتافات المعادية لتصبح اكثر راديكالية يوما بعد يوم حيث استهدفت المسؤولين الكبار في السلطة الايرانية ومن كلا التيارين الاصلاحي والمتشدد. وقد رُددت شعارات متنوعة في هذه المظاهرات غير ان التأكيد كان علي ضرورة استقالة الرئيس الايراني محمد خاتمي واجراء استفتاء عام بشأن النظام السياسي في ايران واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع القيود عن الصحافة الايرانية.
&
جذور القلاقل
أوعز أكبر تنظيم طلابي يضم معظم الجامعات الايرانية والمعروف بمنظمة تعزيز الوحدة اوعز الاحداث الاخيرة الي (تراكم المطاليب والمستوي الواسع للاستياء العام في البلاد وخاصة بين الخريجين وطلبة الجامعات).
واتهم البيان الذي صدر يوم السبت، السلطة الايرانية باخماد جميع الاصوات المعارضة، بل والمنتفذة في المجتمع الايراني مدعيا بان المليشيات المتشددة المرتدية (للزي المدني) والمنتمية (لحزب الله) الايراني قامت بقمع المظاهرات الطلابية واصفا اياها ب(العصابات الاجرامية). وعلي عكس منظمة تعزيز الوحدة كان بيان الجمعية الاسلامية لطلبة جامعة طهران، اقل حدة حيث ادعا ان جذور بعض القلاقل الاخيرة تكمن في خارج البلاد مكتفيا بنقد المليشيات الدينية المتشددة في اعتداءها علي الطلبة. وهذا الراي ومن جمعية طلابية اصلاحية يساير ما يقوله مرشد الثورة الايرانية وسائر المسؤولين الحكوميين حول دور القوي الاجنبية في الاحداث الاخيرة.
وقد أفاد نواب البرلمان بتصريحات متباينة حيث ندد بعضهم كالنائب حسين لقمانيان بتدخل المليشيات المتشددة وقيامها بمهام الامن الداخلي وقال لقمانيان حول المظاهرات الطلابية بانها (في الظاهر ذات صبغة مهنية لكنها وفي الباطن تكشف عن وجود بركان كامن في الطبقات التحتية للمجتمع الايراني يثور عندما يجد الموقع المناسب)، واكد ان الطلبة يطالبون بالحرية والديمقراطية. فيما وصف النائب المحافظ محمد شاهي عربلو المظاهرات الاخيرة بانها (من صنع القوي المتطرفة في خارج الجامعات). ويعني عربلو بالقوي المتطرفة، الاصلاحيين الراديكاليين.
ويبدو ان للعامل الموضوعي المتمثل بتردي الاوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة بين الشباب وخريجي الجامعات دورا في اندلاع هذه المظاهرات. ضف علي ذلك بلوغ مسيرة الاصلاحات الخاتمية الي طريق مسدود حيث ادي ذلك الي فرض شتي التضييقات علي الحريات السياسية والصحافية والاجتماعية.
وقد لعبت وسائل الاعلام والفضائيات القومية والملكية المناوئة التي تبث من الولايات المتحدة الامريكية دورا في تأجيج الاحتجاجات دون ان يعني ذلك مسايرة جميع المتظاهرين مع تلك التيارات. وفي الحقيقة ان المتظاهرين كانوا ينتمون الي اتجاهات سياسية مختلفة بل ومتباينة ــ من قوميين وشيوعيين وملكيين واصلاحيين محبطين .. الخ ــ لكن الخيط الذي كان يربطهم هو سخطهم علي الاوضاع السياسية السائدة في البلاد. وهذا ما رأيناه في الشعارات والهتافات.
وقد شهد مسار الحركة الطلابية، تطورا في عهد الرئيس خاتمي خلال الاعوام الست الماضية من مناصرة العملية الاصلاحية (والتي تجلت في تأييد الحركة لخاتمي في انتخابات عامي 1997 و2001) الي الانفعال ومقاطعة انتخابات المجالس البلدية في شباط (فبراير) 2003 والي المرحلة الهجومية التي تتجسد هذه الايام بالمظاهرات والاحتجاجات. ويبدو ان انحسار المظاهرات في مطلع هذا الاسبوع يعود الي التباين في الاراء بين الطلبة وشرائح الشعب الايراني الاخري حول ماهية هذه المظاهرات والذين يقفون وراءها.
لكن يعتقد العديد من المراقبون بما انه لاتوجد ارادة او امكان لدي الحكومة الايرانية لحل الازمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة ستتكرر هذه الاحداث آجلا ام عاجلا. خاصة وان هناك اصوات تطالب باستمرارها حتي يوم التاسع من يوليو، ذكري الاضطرابات الطلابية التي وقعت قبل 4 سنوات.
&
ثورة البوق
فقد وصف أحد المحللين الايرانيين الاحداث الاخيرة بـ(ثورة البوق) نسبة الي اطلاق بعض المواطنين لابواق سياراتهم في شوارع طهران دعما لمظاهرات الطلبة.
وتساءل هذا المحلل: هل تحتل ثورة البوق في عصر الفضائيات والانترنت، ثورة الله اكبر وذلك بعد انتهاء عهد الثورات؟ ونحن نعلم ان الثورة الاسلامية في ايران قامت وقضت علي نظام الشاه بشعار اساسي هو (الله اكبر، خميني رهبر) اي الله اكبر، خميني قائد.
وقد اتخذت الادارة الامريكية ومنذ اليوم الاول لاندلاع المظاهرات في طهران وسائر المدن الايرانية اتخذت موقفا مؤيدا لها وعلي لسان العديد من المسؤولين الامريكيين، كان اخرها موقف الرئيس الامريكي جورج بوش.
وقد وصف بوش في تصريح له يوم الاحد، وصف المظاهرات الاخيرة في ايران بالايجابية وقال (انها مقدمة ليعبر الناس عن نيتهم من اجل الوصول الي ايران حرة وبتصوري انها خطوة ايجابية). ويبدو ان الادارة الامريكية وبدعمها الصريح والجلي للمظاهرات الطلابية تعلق آمالا علي هذه الاحداث السياسية. وقد وصف مرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي في كلمة له يوم الخميس، وصف المحتجين بعملاء العدو الاجنبي مهددا بسحقهم دون شفقة وذلك مثلما حدث في اليوم الاخير من الاضطرابات الطلابية فـي عام 1999.
كما وصف رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، المتظاهرين بـ(المخنثين وابناء رجال امن الشاه والعاملين في بلاطه والهاربين الي الخارج).
وقد رد وزير خارجية ايران كمال خرازي علي تصريحات الرئيس الامريكي واصفا اياها بالتدخل السافر في شؤون ايران الداخلية. تلي ذلك احتجاج رسمي ايراني في هذا المجال. ويعتقد بعض المحللين ان هناك جذور داخلية للمشاكل السياسية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الايراني، حيث ياتي رد الفعل علي هذه المشاكل من قبل الطلبة الجامعيين وكطليعة لهذا المجتمع. وقد عودنا الطلبة في ايران دوما كي نشاهد مثل هذه الاحتجاجات في الماضي. ومن الممكن ان تستغل القوي الاجنبية هذا الاحتجاجات لكنها في الواقع ليست من صنعها. ويبدو ان بعض الفئات المعارضة للسلطة الاسلامية في ايران تشجعت في تحديها لهذه السلطة عقب سقوط النظامين الافغاني والعراقي. وقد اتسع عدد الذين يؤمنون بالاصلاح من خارج النظام بعد ان خابت آمالهم بتحقيق مطاليبهم عن طريق اصلاح النظام من الداخل.
ويري المحللون بان النظام الاسلامي نجح في العقدين الماضيين من حياته السياسية في القضاء علي العديد من الازمات ويمكن ان يقضي ايضا علي الازمة الراهنة غيران الفرق هو انه وفي هذا الحالة توجد قوة داعمة للمعارضة لم توجد من قبل وهي قوة الولايات المتحدة الامريكية، اكبر دولة في عالمنا اليوم.
&
كاتب من ايران