كتب ـ نبيل شـرف الدين: بانت سعاد .. عامان بلاها.. اكتملا الشهر الفائت، لتحسم بعدهما جدلاً واسعاً حول سبب وفاتها في لندن، محكمة الأدلة الجنائية البريطانية (كورنور كورت) إذ أكدت اليوم أن التحقيقات خلصت إلى نتيجة مفادها أن "الوفاة حدثت بسبب حادث انتحار". وكان قد عثر على جثة السندريللا مساء يوم الخميس الموافق 21 حزيران (يونيو) من العام 2001، مسجاة أسفل مجمع عمارات (ستيوارت تاور) وسط العاصمة البريطانية
لندن، واتضح حينئذ انها سقطت من شرفة شقة بالطابق السادس كانت تقيم فيها قبل أيام من مصرعها لدى صديقتها البريطانية من أصل مصري& نادية يسري.
وسعاد حسني التي كانت سيدة التناقضات في حياتها، أسعدت ورفهت عن جيل النكسة العربية بأسره، لهذا أصيبت بالكآبة واختفت عن الأضواء بعد ان قدمت أكثر من ثمانين فيلما، كانت عشرة منها على الأقل من أهم الأفلام العربية قاطبة.
وعقب موتها المفاجئ ثارت على مدى عامين آلاف الحكايات التي راح عشاق سندريللا الشاشة العربية في كل مكان ينسجونها حول كيفية موت محبوبتهم فذهب بعضهم للتأكيد على فرضية الانتحار، وراحوا ينسجون أدق التفاصيل حول هذا السيناريو مؤكدين أن حالة سعاد النفسية ساءت كثيرا في الآونة الأخيرة وانها ابتعدت عن الجميع بعد ان تصورت ان شكلها الجميل قد تبدل، لهذا خافت من مواجهة جمهورها، بالاضافة إلى آلام المرض المبرحة التي لم تحتملها، فقررت ان تضع بيدها النهاية، وألقت بنفسها من الطابق السادس صوب الأرض.
آخرون رأوا ان سعاد حسني لم تنتحر، انما اختل توازنها نتيجة العقاقير الطبية التي تتناولها، وسقطت من شرفة المنزل دون قصد.. ودللوا علي ذلك بكلام كثير، أبرز ما فيه أنها كانت تتأهب للعودة إلى مصر حينئذ.
بينما ذهب فريق ثالث ـ كالعادة ـ إلى التفسيرات التآمرية من نوع أن هناك قصة أخرى لانعرفها وراء موتها، وراحوا يدللون على ذلك بأن سندريللا الشاشة العربية كانت لها علاقات متعددة مع اناس كثيرين من أصحاب النفوذ والسطوة.
وقال مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية في لندن اليوم إن جلسة المحكمة البريطانية استغرقت نحو ساعتين استمع خلالها القاضي& بول نابمان الى أقوال الشهود حيث أكدت نادية يسري أنها حين عادت إلى شقتها حيث كانت تستضيف الفنانة، وجدت تمزقا في شبكة كانت تضعها على الشرفة لصد العصافير، وحين نظرت أسفل العمارة شاهدت سعاد أسفل العمارة ممددة على الأرض، فهرعت إليها وحين وصلت كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة.

سيرة تليق بالسرد
وفي السيرة الذاتية فقد ولدت سعاد حسني بمنطقة الفوالة في حي العتبة (الواقع في قلب القاهرة) عام 1944، لأسرة فنية مارست الفن هواية واحترافا في عدة صور وأشكال، فوالدها محمد حسني البابا الذي اشتهر بلقب حسني الخطاط لكونه خطاطا شهيرا في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي.
وكانت سعاد حسني واحدة بين سبعة عشر أخا وأختا معظمهم غير أشقاء، وانتقلت للحياة مع أمها في حي شبرا بعد انفصال والدها عن أمها، وتنوعت مواهب أخوتها بين الغناء والتلحين والعزف والرسم والنحت، ومن بين هؤلاء جميعا اشتهرت نجاة الصغيرة كمطربة وعز الدين حسني كملحن، ولم تساعد الظروف بقية الأخوة والاخوات على النجاح والشهرة رغم مواهبهم التي شهد لهم بعا أساطين من ذلك الزمان.
وكان الظهور الأول للسندريلا من خلال الفيلم الشهير "حسن ونعيمة" 1959 الذي تقاسمت بطولته مع الوجه الجديد - حينئذ - محرم فؤاد في مغامرة تحسب لصناع هذا الفيلم الذي حقق دويا كبيرا وقتها ودفع بسعاد حسني ومحرم فؤاد إلى صدارة نجوم السينما المصرية في ذلك الحين وبينما لم يستمر محرم فؤاد طويلا على القمة تشبثت بها سعاد حسني من خلال عدد من الأعمال الرائعة التي كرستها فتاة
لأحلام الشباب في مصر و الوطن العربي وأصبحت هي النموذج الذي تسعى كل فتاة في مثل عمرها للاقتراب من ملامحه وأقبلت سعاد حسني على الشاشة البيضاء بحب غير مسبوق حتى قامت في عقد الستينيات فقط بالمشاركة فيما يقرب من 54 فيلم سينمائي من أصل 83 فيلما شاركت فيها طيلة مسيرتها الفنية الحافلة وكان من أبرز أفلام نجمتنا خلال هذه الفترة فيلمها الأشهر " الزوجة الثانية " 1967 الذي قامت فيه بدور من أشهر أدوارها على الإطلاق بجانب نخبة من عمالقة السينما المصرية في ذلك الوقت كان في مقدمتهم الراحل صلاح منصور، وبين هذين الفيلمين, عُرفت سعاد حسني في بداياتها بدور الفتاة الشقية المرحة التي يسعى خلفها الخُطَاب وذلك من خلال أفلام مثل " إشاعة حب" 1960 مع عمر الشريف و يوسف وهبي و" السبع بنات" 1961 مع حسين رياض و أحمد رمزي و"غصن الزيتون" 1962 مع أحمد مظهر وعمر الحريري و"عائلة زيزي" 1963 مع فؤاد المهندس و إيهاب نافع، و"للرجال فقط " مع نادية لطفي و حسن يوسف و" الثلاثة يحبونها " 1965مع حسن يوسف و يوسف فخر الدين و"صغيرة على الحب" 1966 مع رشدي أباظة و"الزواج على الطريقة الحديثة" 1967 مع حسن يوسف وثلاثي أضواء المسرح، لكن هذه المرحلة التي كانت بداية شهرتها على نطاق واسع لم تستمر طويلا بعد أن أدركت السندريلا أن مكانتها الفنية باتت تحتم عليها القيام بأدوار أكثر جدية وتميزاً، رغم أنها شاركت خلال الستينيات في أفلام هامة كان من بينها " القاهرة 30" 1966 فبدأت سعاد تشارك في أفلام ذات طبيعة اجتماعية وسياسية كان من أبرزها " غروب وشروق" 1970 مع رشدي أباظة ومحمود المليجي و" الحب الضائع " 1970 مع رشدي أباظة وزبيدة ثروت " الاختيار " 1971 مع عزت العلايلي ومحمود المليجي " الكرنك " 1975 مع كمال الشناوي ونور الشريف و"على من نطلق الرصاص" 1975 مع محمود ياسين ومجدي وهبه.
وبهذه الأعمال التي شكلت نقلة نوعية في مسيرتها الفنية تربعت سندريلا الشاشة على قمة نجمات السينما العربية وسط نجمات لامعات كانت في مقدمتهن حينئذ فاتن حمامه ونادية لطفي ومريم فخرالدين، إلا أن سعاد حسني تميزت بينهن بقدرتها الفريدة على تنويع أدوارها فلم تحصر أعمالها في قالب واحد كما حدث للأخريات مما منحها جماهيرية واسعة بين مختلف الفئات ولا يمكن لنا أن نتجاهل فيلمها الأكثر شهرة في عقد السبعينيات " خلـي
بالك من زوزو" 1972 الذي حطم كل الأرقام القياسية في دور العرض، ولا يزال يعتبره النقاد من أبرز الأفلام الاستعراضية في تاريخ السينما العربية، إذ ظل يعرض في صالات الدرجة الأولى بالقاهرة ثلاثة وخمسين أسبوعاً متصلة.

وأخيراً
بقي القول أن سعاد وحدها من استطاعت أن تجمع بين الفتنة والموهبة الكبيرة، وأن موهبتها الفطرية تكاد لا تضاهي ابدا في تاريخ السينما العربية، وأن فتنتها لم تكن يوماً موضع خلاف بين كل من سنحت له الأقدار أن يقترب منها. مثلت وغنت ورقصت، وأمسكت بيديها لعبة الحياة والموت، فعاشت حياتها حتى أقصى حدودها وجنونها، ومزقت حجب الموت حين عرفت كيف تعيش أيامها بكل دقائقها، ولسبب ما أو آخر .. قررت أن تموت، وماتت.