جولة اجرتها صحيفة "النهضة" البغدادية في المنطقة الغربية من العراق، ابتداء من الحدود السورية في القائم، حتى بغداد، اشبه ما تكون برحلة "لتقصي الحقائق" ننقل فيها بامانة مشاهداتنا، واجابات المواطنين والمسؤولين في المنطقة حول اسئلة عديدة تدور في المنطقة التي تنقل اخبارها بأستمرار، الفضائيات العربية وبتركزي ملفت للنظر، مثيرة حولها دخانا كثيفا، في غياب جهاز اعلامي عراقي، بعيون عراقية منصفة تخترق هذا الدخان، وتنقل الحقيقة كما هي.
على الحدود السورية مع الخطوات الاولى على شاطئ الفرات في الاراضي العراقية، تنهض الاسلاك الشائكة على جوانب مدينة "حصيبة الغربية" او القائم، مؤشرة خط الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا، والاجزاء المقتطعة من هذه الاسلاك، تخبرك بالكثير مما يمكن ان يدور في ذهنك عن المدن الحدودية والدوريات الاميركية تجوب الطرق، حتى الزراعية منها بكثافة غير اعتيادية، تسأل عن السبب، يجيب جمال عائد الكبيسي صاحب محل لبيع الاقمشة في المدينة "الاميركان يشنون منذ ايام حملة مداهمات، ويقال انهم يبحثون عن المتسللين في القرى والقصبات التابعة لقضاء القائم، وكأن المنطقة بؤرة للمجرمين، نعم هناك بعض المتسللين والدخلاء والمهربين، لكن عموم سكان المنطقة من الفلاحين البسطاء، وهذا السلوك يدفعهم الى الانحياز الى من يستغلهم، ثم ان هناك عددا كبيرا من العوائل المرتبطة بعلاقات زواج وقربى على جانبي الحدود، يتبادلون الزيارات والمصالح من قديم الزمان، وهذا يتطلب فهما دقيقا لتمييز بينهم وبين الدخلاء، وهذا ما يعجز عنه الاميركان ويسبب لنا الكثير من المتاعب". تترك منطقة القائم التي لم يعد يمكن التجول بحرية فيها في مثل هذه الظروف، وتنحدر مع الفرات الى المدن السفلى، عنه وراوه وحديثه، وتشعرك المدن الهادئة الخالية الوجود العسكري الاميركي المؤثر، بالامن، وانشغال السكان بحياتهم اليومية، يقول محمد كمال الحديثي سائق السيارة التي استخدمناها في جولتنا، وهو من سكان مدينة حديثه. وسط السكان هنا لم يتمكن احد من اختراقه، فهم عائلة واحدة ويؤثرون الانصراف لبناء البلد من جديد . في ناحية البغدادي، على الطريق بين القائم والرمادي، اكتظت المطاعم السياحية بروادها من المسافرين وسواق الشحانات، وبغدادي وهيت من المناطق السياحية المعروفة على شاطئ الفرات، وبساتينها عامرة بأشجار النخيل والفواكه، ويرى سكانها ان الامن المتوفر، انما تحقق بجهود "الاهلي" ويرون ان استمراره، هو استمرار لحياتهم القائمة على الخطوط المفتوحة مع بقية المدن، ولهذا يقولون انهم لن يتركوا لاي كان.. السبيل لجعل مدنهم ساحة مضطربة يحرق فيها كل شيء، ذلك ما قاله عماد عبد الكريم بغدادي، صاحب مطعم بغدادي السياح، جميل محسن الهيتي الذي دعانا الى تناول طعام الغداء في بستانه العامر في مدينة هيت، وتحدث طويلا عن تاريخها ومنتجاتها ورجالاتها ونواعيرها الشهيرة، والوضع الامني المستتب والآمال الكبيرة في المستقبل العراقي، وتساءل لماذا لاتظهر الفضائيات العربية الجانب الايجابي في حياة ونظرة ابناء المنطقة الى مالستقبل. الرمادي في الرمادي، مركز محافظة الانبار، ثمة شبه اجماع على ان الوضع الامني في المدينة لايرقى اليه وضع في عموم المحافظات العراقية، هذا ما يؤكده المواطنون والمسؤولون، الا ان الوجود الاميركي المباشر داخل المدينة، كما يرون، هو الذي يسبب المشاكل، فالاميركان لايفهمون خصوصية المدينة، ولايعيرون اهتماما، لعادات وتقاليد اهلها.

&احمد حمزة الفاضل، صاحب ستوديو تصوير في المدينة، شاركنا في التقاط بعض المشاهد للجنود الاميركان وهم يحاولون ترميم الجسور بينهم وبين ابناء المدينة، يقول: بتاريخ 12/5/2003 قامت القوات الاميركية بمداهمات عشوائية في المدينة، ولتوثيق هذه الحالة، قمت بتصويرها، فأعتقلوني، واستولوا على الكاميرا، والحقوا بها اضرارا بالغة، واتلفوا الفيلم، فكيف يكون شعوري تجاههم. شوارع المدينة، بدت نظيفة، والمرور فيها منظم، والاسواق تشهد حركة دائبة، وبعض الباعة المتجولين قالوا انهم من محافظة الناصرية، وهم يأتون من بغداد يعودون اليها، ويبيعون شتى انواع البضائع سهلة الحمل وسريعة الحركة، وسكان المدينة يعاملونهم بروح اخوية وقلب مفتوح. بعض المواطنين الذين تجمعوا حولنا قرب بناية المحافظة، استنكروا جرائم التفجير في بغداد في مبنى الامم المتحدة، والنجف واعتبروها جرائم لاتمت بصلة الى الاخلاق والمبادئ العربية الاسلامية، بينما توزعت الشوارع مكاتب الحركات السياسية لمختلف الجهات.
&
مع المحافظ&
وفي لقاء لـ النهضة قال محافظ الانبار عبد الكريم برجس: بعد سقوط النظام ف 9/4 وحصول الفراغ الاداري في المحافظة، استلمت ادارة المدينة مباشرة بعد يومين من انسحاب المحافظ السابق، وبعد اسبوع واحد تقريبا، عادت جميع دوائر المحافظة الى العمل، وتمكنا من حفظ الامن وتمشية الامور بطريقة طبيعية، وتم طرد المتسلطين على المراكز الحساسة من ازلام النظام والحزب البائد، واجراء انتخابات ديمقراطية لاشغال هذه المراكز من قبل الكفوئين، من ابناء المحافظة وانتخاب المجلس البلدي فيها وتم توزيع جميع المواد الغذائية التي كانت محبوسة في المخازن وعندما هددتنا زمرة من بقايا النظام البائد، تجمع حولنا ابناء المدينة، ورافقونا لحمايتنا وبعضهم بات في دارنا حتى استتبت الامور.
&
- تركز بعض الفضائيات العربية على الوضع في الانبار بشكل خاص ما هو السر برأيكم؟
محافظة الانبار: حالها حال كل مناطق العراق، لكن هذا التركيز متعمد، حتى الاخبار التي ينقلونها غير دقيقة، او انهم يقومون بصياغتها بطريقة غير صحيحة، المحافظة، واسعة الرقعة وتحدها ثلاث دول عربية، وفيها عدد كبير من اعوان النظام البائد، خاصة الاجهزة الامنية والحزبية، كما ان هناك التسلل عبر الحدود من الدول المجاورة، من قبل المتشددين الاسلاميين، وغيرهم، والاعمال الاجرامية التي يركز عليها هذا الاعلام في الحقيقة، هي فقاعات على السطح لاقيمة لها. وعلق المحافظ على مقتل عدد من عناصر الشرطة في الفلوجة قائلا: انه حادث مؤلم، آلمنا جميعا، لكنه حادث غير متعمد، حصل خطأ في وقت متاخر من الليل، والاميركان متحسبون، وعلى هذا الاساس لم يكونوا يعلمون انهم شرطة، وظنوهم من المخربين، بينما كانوا يطاردون اشخاصا خارجين على القانون، وقد اعتذر الاميركان عن ذلك. وحول برامج الادارة لخدمة المدينة قال: منطقتنا كبقية مناطق العراق تشكو الكثير من النواقص، فما تزال الكهرباء تشكو عجزا، وما تزال البطالة قائمة، والمحافظة عانت ما عانت ايام النظام البائد، وقد قمنا بالذي تمكنا منه، فأوصلنا الماء الى القرى لم يصلبها منذ 15 عاما، وبعيدا عن المزايدات والادعاء، محافظتنا تشهد وضعا امنيا وخدميا تحسد عليه فعلا، قياسا الى الظروف الحالية، ونطمح الى تغيير الظروف وتشكل الدولة وتوفر الموارد، للمضي قدما بالمحافظة واعمارها. وعن سؤال حول كون الانبار منفذا للتهريب قال: التهريب ليس جديدا، ونحن نحادد ثلاث دول، ولكننا نبذل قصارى جهدنا بأمكانياتنا البسيطة، وقد سيطرنا على المنافذ الحدودية، طريبيل والوليد والقائم، والقينا القبض على عدد من عصابات التهريب، والمواد المهربة، والسيارات، ومن جملتها السيارة التي استخدمها الان والعائدة لوزارة التجارة، اخبرناهم اننا استعدناها واننا نستخدمها الان لحاجتنا اليها، واعدنا تعيين موظفي الكمارك التابعين لوزارة المالية، وهم اكفاء ومشهود لهم، ومنعنا دخول ساحات الكمرك من سواهم، ولكن.. يبقى عدم وجود حرس حدود، يجعل الامر صعبا علينا، ويسهل التهريب والتسلل لارتكاب الاعمال التي تمس بالامن، وهي المشكلة التي تقلقنا كثيرا ونسعى الى حلها. نترك مكتب المحافظ وتوصل رحلتنا بأتجاه القرى على طريق الرمادي فلوجة وفي قرية الخالدية.

قام باعداد التحقيق: كتابة: صافي الياسري/& تصوير: احمد حمزة الفاضل/ عدنان سطاي المحمدي/& تصوير فيديو: قاسم الطيار ـــ مصور قناة ابو ظبي.
تنشر بالاتفاق مع "النهضة" البغدادية