&
رولا نصر من بيروت: ما أصعب الحديث عن موت فنان، وعن ذكرى إنسان عرفناه وأحببناه، بعد أن اعتدنا الحديث عن نجاحه وتألقّه. هذا هو حال الإعلاميين والفنانين اليوم،
بعد مقتل المطربة التونسية ذكرى، التي تركت فراغاً كبيراً على خارطة الغناء العربي، برحيلها المبكّر والفاجئ، وبطريقة مأساوية ودراماتيكية. قامت ذكرى بزيارات كثيرة إلى العاصمة اللبنانية ـ بيروت، كان آخرها نهاية موسم الصيف 2003،&وتعاونت المصور اللبناني الشاب ميكي، في جلسة تصوير خاصة بصدور الألبوم الغنائي "يوم عليك"، كانت الأخيرة لها (التقطت في مصر) قبل رحيل ذكرى، عن لبنان، وتونس والمغرب العربي، ومصر وعن الحياة بأكملها. وذكرت مصادر أن ذكرى قبل وفاتها، صورت أغنية ثانية من الألبوم، قد تعرض خلال أيام قليلة عى شاشة روتانا، لكن المعلومة ليست مؤكدة بعد، ولم نعرف ما هي الأغنية التي تم تصويرها، في الوقت الذي يحقق فيه ألبومها الغنائي الأخير مبيعات خيالية.&"إيلاف" قصدت&شخصيات إعلامية وفنية عرفت الفنانة ذكرى، وتحدثت إليهم في محاولة للتعرّف أكثرعلى شخصية ذكرى، والتي أجمع الكلّ أنها كانت عنواناً للتواضع، والبساطة، والحب.
زاهي وهبي: بدا الإعلامي زاهي وهبي شديد التأثر خلال اتصالنا به، وهو يتحدث عن الرالحة ذكرى، التي استضافها زاهي خلال برنامج "خليك بالبيت"، بعد أعلان إهدار دمها إثر التصريح المحوّر الذي اتهمت من خلاله بتشبيه
نفسها للرسول. وقال زاهي: تعرّفت إلى ذكرى خلال استضافتها في برنامج "خليك بالبيت"، وجدت فيها فنانة بكل ما للكلمة من معنى، ليس فقط بجمال صوتها، بل في كل شيئ، في حياتها، وفي انغماسها المطلق في الفنّ، في شخصيتها وسلوكها... يشعر المرء أن كل هذه الأشياء سخرّتها ذكرى لأجل الفنّ. وهذا أبرز ما ميّزها عن كل الفنانين. لدى محاورتها، وجدت فيها الإنسانة المثقفة،
&والواعية على أهمية دورها كمطربة وصاحبة رسالة. لن أتحدث كثيراً عن صوتها، لأنها ليست بحاجة إلى شهادة مني رحمها الله، لكنه دون شك كان صوتاً نادراً. وبعد تلك الإستضافة، إستمرّ التواصل بيننا، والتقيتها أكثر من مرة، وكان يلفتني أنها كانت تتابع الأمسيات الشعرية. صدمت عندما تلقيت خبر وفاتها، فقدانها خسارة، وما يحزّ في قلبي أكثر، الطريقة التي قتلت بها، مجزرة لا يتصوّرها عقل ولا يقبلها منطق. حزنت عليها تماماً كما أحزن على صديق مقرّب، رغم أن
علاقتي بها لم تكن عميقة جداً. لكن مع هؤلاء الأشخاص، نشعر أننا نعرفهم جيداً من خلال أصواتهم وأعمالهم.&وحتى الآن، لا زلت غير مصدق لما جرى، ربما لأنها قتلت لست أدري، أو ربما تكون وطأة الحزن أشد قساوة&من الموت بطرق طبيعية. لكن طبعاً لا اعتراض على حكم ومشيئة الله. وأذكر أنني خلال استضافتها في البرنامج، وجدت فيها إنسانة طيبة القلب، محبة، واكتشفت بأن التصريح الذي اتهمت من خلاله بتشبيه نفسها بالرسول، كان نابعاً فقط من صدقها وعفويتها، ولم تكن أبداً تقصد ذلك، بل قالت ما قالت ببساطة شديدة". يذكر&أن حلقة الرالحة ذكرى في برنامج "خليك بالبيت" تعاد يوم السبت غداً على القناة الأرضية لتلفزيون المستقبل. &
القمر عالباب
يمنى شري: يمنى التي ارتطبت بعلاقة صداقة وأخوة مع الراحلة ذكرى، قالت إنها واحدة من المعجبين بفنّ ذكرى، أو واحدة من جمهورها، قبل
أن تكون إعلامية. تقول يمنى: إلتقيت بذكرى أول مرة، خلال مهرجان "هلا فبراير"، وأردت أن أسجل معها حواراً، غير أن ذلك كان مستحيلاً، خصوصاً وأنني طلبت اللقاء بعد حفلها مباشرة على المسرح، وقيل لي إنها متعبة جداً ولا يمكن التحدث إليها. بعد ذلك، أدركت فعلاً أن ذكرى، تذوب كلياً على المسرح، وهذه حال الفنانين الحقيقيين، لهذا لا يستطيعون الكلام مباشرة بعد الحفل، أو
& بمعنى آخر يمرّون بحالة غريبة يصعب وصفها. ومرّت الأيام، وكنت دائمة الحديث عنها في لقاءاتي الصحافية وعن إعجابي بصوتها وفنّها. إلى أن اتصلت بها بعد محاولات
تغنيان معاً
عديدة، واستضفتها في برنامجي. وأذكر أنها قبل موعد التصوير، إتصلت بي من روما، وأخبرتني أنها ابتاعت بنطال "جينز" لترتديه خلال الحلقة، تماشياً مع جوّ البرنامج. وأتت إلى بيروت، إلتقيتها هي وشقيقتها وداد. كنت أعشق كل شيء فيها، صوتها، حزنها، رحلاتها بين تونس وليبيا ومصر، تواضعها، أخلاقها... كانت تشعرني بالخجل من نفسي، لشدّة تواضعها وبساطتها. حتى أن عطرها
لفتني، وأذكر أنني بدّلت عطري الخاص ورحت أستعمل عطرها. ومنذ أن تعرّفت عليها، اعتبرت أن لي شقيقتين جديدتين، هما ذكرى ووداد. أذكر أنها أحبّت كثيراً وسط مدينة بيروت، ومكثت فيها مدة أربع أيام في ذلك الوقت. وخلال الحلقة&من برنامج "القمر عالباب"، تحدث عن عشقها للسيدة فيروز، وحبها الكبير لوردة الجزائرية. أعتبر أن ذكرى، كانت تدرك أنها نجمة، لكنها لم ترد العيش في هذه الهالة، بل لطالما أرادت أن تعيش حياتها ببساطة وطبيعية كأي شخص
آخر، ولم تقبل أن يحرمها الفن من أن تعيش حياتها، أو أن يسيطر على سلوكيات يومها العادي. كانت متواضعة، محبّة للحياة، متصالحة مع نفسها، كريمة، مساندة، مرحة، وكلمة "يا حبيب قلبي" لا تفارق شفتيها. كانت تتألم باستمرار، لكنها رفضت أن يشاركها&أحد آلامها أو أحزانها. وبعد الحلقة، كنت أتحدث إليها باستمرار، والتقيتها في الكثير من المناسبات الفنية، منها&مهرجان الفيديو كليب في بيروت، هلال فبراير، ومرتين في مهرجان الدوحة الغنائي. وقبل وفاتها بأربعة أيام، إتصلت بها كي أبارك لها صدور العمل الغنائي الجديد، ولا زلت حتى الآن غير مصدقة، أنها ببساطة، رحلت...."
نادين فلاح: "عشقت صوتها منذ&أن سمعتها في أغنية "وحياتي عندك". ورغم&أنها كانت شديدة التواضع والبساطة،&لطالما اعتبرت،&أنها لو كانت مغرورة، "بيلبقلها". لأن مطربة تمتلك صوتاً بحجم صوت ذكرى، يليق بها أن تتعالى... أصدقائي والمقربون، يعرفون أنني أحب الغناء في جلساتنا، وأعشق أن اغني لها "وحياتي عندك" فهي من أجمل الأغنيات التي سمعتها. أما التعاطي مع ذكرى على الصعيد الشخصي، فكان سهلاً جداً، لأن المرء يشعر معها أنه يتحدث إلى شخص
&عادي جداً، قريبة من القلب، بسيطة، متواضعة، لكن للأسف، رحلت في وقت مبكر، رحلت وهي في عزّ تألقها. كانت تمتلك صوتاً، من أجمل
&الأصوات التي خلقها الله، وكانت سعيدة بذلك، غير أنها في الوقت ذاته كانت تخجل، لهذا هي متواضعة. ورفضت أن تعيش في حجم هالة صوتها، بل أرادت ان يكون الفن المتغلغل في دمها، مجرد هواية لا أكثر. وكم يحزنني أن أقدم لها جائزة البرنامج بعد رحيلها. فقد اعتدنا في برنامج top 20 على تقديم جائزة لصاحب الأغنية التي تحتلّ المرتبة الأولى في سباق الأغنيات، وهذا هو حال أغنية ذكرى "يوم عليك" هذا الأسبوع في البرنامج، لكن للأسف، لن تستلمها هي، غير أنني سأقدمها
ذكرى مع المصور ميكي
إلى كل من أحبها، سواء من الجمهور أو من أهلها وأصدقائها... كنت ألتقيها من وقت لآخر، لكن رغم ذلك، كانت تشعرني بأنني صديقتها، لشدة تواضعها وقربها من الناس، وكانت تردد باستمرار "حبيتي يعيشك". كسرت كل الحواجز التي يضعها الفنانون عادة بينهم وبين الناس، ذكرى الفنانة، وذكرى الإنسانة، ظاهرة فريدة لن تتكرر برأيي. وعندما أشاهد الفديو كليب الأخير الذي صورته، أشعر بمرارة، ولا أجد نفسي سوى مضطرة لمراقبة نظراتها وحركاتها، وكأنها كانت تدرك قدرها... سبحان الله. وكم أشعر بالأسى تجاه ما حصل، خصوصاً في كيفية إستغلال حادثة مقتلها لتلفيق الأخبار وترويج الشائعات، هذا عيب، أناس بكت بدل الدموع دماً على ذكرى وآخرون يشمتون بالموت".
فرح
فرح بن رجب: أما فرح بن رجب، المذيعة التونسية، فكانت تتحدث بصوت يختنق بين الحين والآخر، وبدت وكأنها تجبر نفسها على الكلام. وقالت فرح: إن من يراني في حالة الحزن هذه، يعتقد أن ذكرى رحمها الله كانت صديقتي الحميمة. لكنني صراحة لم أعرفها عن كثب، ولم ألتقي بها سوى مرات قليلة، منها في روما عندما كنا نمارس عملنا في "اي ار تي" من إيطاليا، لكنني كنت أحدثها من وقت لآخر عبر الهاتف. ولا أدري لماذا أشعر أنها مرتبطة بي ارتباطاً وثيقاً. ربما
لأنها مثلي اضطرت لأن تغادر وطنها تونس للبحث عن فرصة انطلاقتها الفنية. سبحان الله، عندما
&كنت أجلس لوحدي، كنت أفكر في ذكرى دون تردد وأقول "هناك شخص آخر مثلي يجلس وحيداً الآن في مصر". عاشت وحيدة، غريبة في وطن ليس وطنها، ولست أدري حقيقة ماذا أقول، ولا يمكن أن
مع ميكي وفريق التصوير
أصف مدى حزني على ذكرى. قد يعتقد البعض أنني أبالغ، لكن بصدق، كنت أشعر أنها لن تعيش طويلاً، وهذا ما رددته أكثر من مرة على مسمع زوجي سامي. كنت أرى الموت في عينيها
&وأحزن، لكثرة ما كانت مسالمة ومستسلمة. طبعاً لا أحد يعرف ما في الغيب، لكن صدقاً هذا ما كنت أشعر به. قبل أن أسمع عن حادثة موتها، إتصلت بي شقيقتي من تونس لتخبرني عن الحادثة، وقالت: هل عرفتي عن ذكرى؟... وقبل أن تقول أي شيء سألتها: هل ماتت؟ وكان فعلاً خبر موتها الذي صدمني وهزّني من الأعماق. أشعر بالأسى الشديد لأنني لم أعبّر لها كم كانت تعني لي. وما يحزنني أكثر، أن ذكرى كانت لتحقق قيمة فنية أكبر بكثير مما كانت عليه، نظراً لأهمية صوتها،
لكن قيمتها عرفت بعد وفاتها. كانت بعيدة عن الأضواء، وعن الزيف والمراوغة، ولا مرة سمعنا عن "لوك جديد" لذكرى، بل إن كل اهتمامها، كانت تنصبّ على الفن والغناء فقط، كانت فنانة بحق.
&عاشت بهدوء، ولم تؤذي أحداً، وكم تمنيت لو ماتت أيضاً بهدوء. حتى الآن لم أقم بواجب العزاء، بل إنني أتقبل العزاء بذكرى رحمها الله، حتى أنني لست قادرة على الإتصال بأحد من أهلها. موت ذكرى خسارة كبيرة، على الصعيدين الإنساني والفني، ألا تكفي ندرة الفنانين الحقيقين اليوم، لتقتل ذكرى ويضيع صوت هو أجمل ما خلقه الله؟ للأسف رحلت ذكرى، وتركت وراءها هذا الفراغ الكبير، والحسرة والحزن في قلب كل شخص أحبها. ورغم حزني الكبير عليها، إلا أنني "زعلانة منها"
أيضاً، كونها لم تنتبه إلى نفسها كما يجب، لأن طيبة قلبها وصدقها وإنسانيتها، هي العانصر التي تسببت بمقتلها، وجعلتها غير مدركة لحقيقة من هم حولها. رحمك الله يا ذكرى".
&