سلام دواي من أديلايد: العودة الى الينابيع، وصولا الى رعشة الفنان الرافديني الأول وهو يخط طلاسمه على جدران الكهوف.... هذا هو مايسعى اليه الفنان (صدر الدين امين) مدفوعا ببراعة فياضة، وبثقافة فنية تسعى الى تهميش القوالب الأكاديمية، لصالح العفوية الواعية، المتدفقة من حس فني مرهف، بقيمة الفن كصلة فكرية عاطفية، وليست ميكانيكية، هندسية صماء، بين الفنان وبين وموروثه الحضاري.
مرة قال الفنان الكبير(جواد سليم) حين سأله احدهم عن القديم والحديث (لكي يرسم الرسام لوحة حديثة عليه ان يتمثل القديم كله.... . وما ذلك القديم الا دنيا قائمة).. . ولكن جواد سليم كان ابن مرحلة اخرى مختلفة.. فكان فهمه وتمثله للقديم يصب في الواقع السائد الذي كان في بداية انفتاحه على الغرب، وعلى الأفكار الثورية الجديدة في الرسم.
اما زمن صدر الدين امين، فهو زمن الفن غير المؤدلج.. فنا لايضع او يضيع نفسه في اية قوالب، فهو يدرك بأن القوالب توابيت التجربة.. تلك التجربة التي يجب ان تبقى متمردة، على كل ما من شأنه ان يجعل الفن محددا بأسس اكاديمية صارمة، تجعل الفن لايشي بتلك العاطفة الجمالية والتي تعتبر الصلة الرئيسية بينه وبين المتلقي.. وبهذا المعنى فأن الفنان صدر الدين امين دائب البحث عن هذه الصلة وذلك من خلاال اصراره على توفير مناخ حميمي، من اكثر مفرداته هيمنة على الملمس هي تلك الآواصر المتماهية بين فن وادي الرافدين، وبين المثيولوجيا الشعبية باعتبارها الأمتداد الطبيعي لذلك الفن.. والهوية الحقيقية للفن العراقي الأصيل والتي يراهن عليها الفنان امام المقاييس النقدية الجاهزة.
ترى الى اي مدى نجح صدر الدين في منحاه الفني؟.
ان المتتبع لتجارب هذا الفنان يستطيع ان يتلمس قدرته على انشاء سطوح حملت على متون حكائية اسطورية، لاتتوانى عن الأقصاح الممتع عن مكنوناتها القادمة من عمق الأزمنة، والمتزامنة في الوقت نفسه مع ما انتجته الثقافة الشعبية من فنون اعتمدت على تراث الرافدين الهائل وتفرعت منه عبر مسيرتها الطويلة متمثلة لكل ما رافق هذه المسير من من تغيرات، وانعطافات، وتأثيرات بيئية.... هذا اضافة الى قدرته على علة صنع ملمسا مباغتا، من خلاال اعتنائه باللون الى حد جعله- اللون- طرفا اساسيا في التكوين.
وهذا اعطى لأعماله خصيصتين مهمتين، خصيصة المضمون الذي يحمل كما اسلفنا متنا حكائيا، اسطوريا مكتنزا بالشفرات والدلالات، والعلامات الضاربة في حضارة وادي الرافدين.. وخصيصة الملمس الذي يشي بعاطفة جمالية لايمكن تجاوزها، او اعفالها، وهاتين الخصيصتين اعطيتا لأعماله هوية فنية مميزة.
وهذا برأيي، ورأي الكثيرين نجاحا مهما اخذ يعطي ثماره على شكل معروضات في معارض ومتاحف مهمه في اوربا، وامريكا، وانكلترا. اضافة الى فوزه بالعديد من الجوائز، ونها الجائزة التقديريه لمتحف(لانكستر)للفنون بمشاركة اكثر من مئتي فنان امريكي.