عمان: د. حسين محادين: الكبار هذا هم اعداد من البالغين الذين يشغلون مواقع وظيفية عامة ويتوقع منهم اداء ادوار تعليمية وتنويرية (المدرسون، الدكاترة في الجامعات...) وسياسية (الوزراء والامناء العامون، المحافظون ومدراء الدوائر المختلفة).. واقتصادية (عاملون وصناع قرار في الشركات المختلفة) وثقافية (أدباء ومبدعون وكتاب..الخ) وجميع الذين ذكروا يؤدون ادوارا ويسهمون في صناعة وصياغة الوجدان والقرارات العامة بصورة اكبر من حدودهم الفردية كأشخاص اي انهم اشخاص عامون في مجتمعنا الاردني المتعلم والناهض نحو ثورة المعلومات وكونية المعرفة.
أما المقصود بالصحف فهي الاردنية والعربية والاجنبية التي توزع يوميا او اسبوعيا وتحمل بداخلها عادة مستويات مختلفة من الاهمية والعمق من الاخبار السياسية والاقتصادية اضافة للمعلومات التي ترتبط بالشؤون الطلبية والابداعية والتحليلية المتخصصة على حد سواء خصوصا وان هذه الصحف تخاطب شرائح وأذواقاً مختلفة من ابناء المجتمع الذي توزع فيه.
وفي ضوء ما سبق واستنادا الى طريقة الملاحظة القصدية والمعايشة الهادفة من خلال الحوارات والعمل الميداني كما يرى العاملون بالبحث العلمي فان هذه الوسائل يمكن ان تخول المتابع امكانية الاستنتاج والتشخيص للواقع المدروس دون ان يحق له التعميم على الملاحظات التالية:
1) لا بد من الاعتراف المحزن ان عادة القراءة رغم محدوديتها بالاصل في مجتمعنا الاردني قد تقلصت مقابل تغول المتابعات البصرية لشاشات التلفاز او الانترنت خصوصا وان الأسرة الأردنية ونتيجة للظروف الاقتصادية ابتداء تفتقر الى دور القدوة من خلال الوالدين في موضوعات المطالعة عموما وهذه نتيجة منطقية باعتقادي لانماط التنشئة الاجتماعية التي سبق وان تلقاها الابوان بهذا الخصوص مما انعكس على أولادهما خصوصا في عملية قراءة او جلب الصحف للمنزل يوميا.
2) ان معظم القراء الذين يشغلون مواقع ادارية يعتمدون على قيام دوائرهم او وزاراتهم بتوفير الصحف اليومية او بعضها لهم وغالبا لا يتم هذا ايام العطل المعلنة (الجمعة والسبت) وبالتالي نادرا ما يقوم هؤلاء بشرائها او حتى الاطلاع عليها في نفس اليوم او خلال اليوم الاول من الدوام وهو الاحد خصوصا وان الشراء لهذه الصحف يساوي مبلغا من المال عموما الامر الذي لا يقوم به اغلبهم في الواقع.
3) المسؤولون ومساعدوهم ورجال الاعمال والحكام الاداريون والمدراء العامون غالبا ما يعتمدون على الملخصات الصغيرة جدا والتي توضع لهم من قبل اخرين وغالبا ما يتم اقتصارها على مجالهم المتخصص او بعض النقد الموجه لاداء دوائرهم مع الاشارة النادرة لاسماء بعض موظفيهم الذين يتعاطون الكتابة او على اسماء الاموات الذين يجب ارسال برقيات العزاء لذويهم كجزء من مظهر المتابعة الاجتماعية عموماً.
4) اما بعض السياسيين والحزبيين فهم (مختاضون) عن قراءة الصحف منذ النهايات المأساوية لكل حروبنا العربية مع انفسنا ومع اعداء امتنا الملونين ولكن بتحديد اكثر منذ النهاية المتجددة والمأساوية لمسلسل حروب الخليج المترابطة مع الواقع الفلسطيني المعلقم تحت الاحتلالات المختلفة وهذه بحد ذاتها مشاريع دائمة للزعل ولهجر عادة قراءة الصحف المحدودة الانتشار اصلا لدى بعض هؤلاء.. كيف لا؟ وبعض هذه الصحف - كما يرى بعضهم - تصر على نشر قراءات تحليلية فكرية او سياسية وحتى اقتصادية احيانا مغايرة لما يؤمن به هؤلاء ولما هو سائد في واقعنا الحياتي منذ مدة طويلة:(انا بدك مني اقرأ صحيفة بيكتب فيها فلان(...) وتبشرنا بان العالم تغير وان العراق محتل ومرشح للاستمرار بهذه الحالة.. او بتفلسف علان فيها بان لا نحمل الانتفاضة اكثر مما تحتمل في هذه الظروف.. الخ وان العالم في تحول ويؤمن نوعا ما بالديمقراطية رغم الذي ذكر...الخ.
5) اما بعض المثقفين او المبدعين فقد يحتلك الوجع فجأة عندما يعترفون من افواههم بانهم لم يقرأوا الصحف منذ مدة.. او عندما يستعرض بعضهم انه لم يفتح الانترنت بسبب انشغاله منذ مدة.. رغم معرفتك المسبقة بان خدمات الانترنت تتوفر لما نسبته 6ر1% من سكان الوطن العربي وان خطوط الهاتف وخدماتها بالكاد تصل الى خمس سكان العالم العربي في حين ان اقل من 53 صحيفة لكل الف مواطن عربي مقارنة مع 285 صحيفة لكل الف مواطن في العالم المتقدم حسب نتائج تقرير التنمية البشرية لعام 2003.
فالعالم العربي مفقود بين حدين جبريين هما لعنة النفط ولعنة الاميّة قراءة وكتابة واستجابة مسؤولين لما يكتب عنهم او عن واقعنا كمواطنين لذا هم كبار بالمعنى الدارج لكنهم موصومون بقلة قراءة الصحف او ما يكتب عموما وهل السبب الكامن وراء عدم قراءة هؤلاء او غيرهم هو الرقابة القبلية على الاصدارات.
أليست الحقيقة ضالة المؤمن اينما وجدها التقطها، وإلا لماذا يستمر حالنا هكذا للآن...؟
دعونا نفكر ومن ثم نتساءل عما أثير....؟
*قسم علم الاجتماع
جامعة مؤتة
الرأي الأردنية