"إيلاف" من برلين: يبدو أن معركة غطاء الرأس بدأت تشتد في أوروبا الآن على أعلى المستويات السياسية. فبعد معارضة رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك لكل مظاهر الدين والتدين للديانات الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، ساند المستشار الألماني غيرهارد شرودر فكرة حظر الحجاب في مؤسسات القطاع العام خاصة في المدارس، لكنه لا يمانع من احتفاظ الطالبات بأغطية رؤوسهن حتى أثناء الدراسة.
وبرر شرودر موقفه هذا بأن ألمانيا دولة علمانية تتأثر بثلاثة تقاليد وهي الفلسفة اليونانية- الرومانية والديانتين المسيحية واليهودية وتراث عصر التنوير. ويأمل أن تثبت تقاليد من هذا النوع في دستور الاتحاد الأوروبي وهو قيد الوضع.
رغم ذلك أكد المستشار أن أمر منع الحجاب أو السماح به عائد إلى حكومة كل ولاية من الولايات الـ16.
ومن المعروف أن الجدل حول الحجاب يدور في ألمانيا منذ سنوات قليلة بعد أن منعت وزيرة التعليم في ولاية بادن فورتنبيرغ معلمة مسلمة من الاحتفاظ بغطاء رأسها أثناء تأديتها لواجباتها الوظيفية. ورفضت هذه المعلمة الانصياع لتعليمات الوزيرة ورفعت القضية إلى المحكمة الدستورية العليا في كارلسروه التي أصدرت في شهر أكتوبر الماضي حكما يقضي باحتفاظها بالغطاء أيضا أثناء التدريس، تاركة للسلطات المحلية في كل ولاية حرية التعامل مع الحجاب.
وفي الوقت الذي تسعى فيه ولاية كل من السار وهسن وبرلين إلى منع غطاء الرأس في المؤسسات الحكومية خاصة المدارس، تريد ولايات بادن فورتنبيرغ وبافاريا وسكسونيا السفلى حصر الحظر على القطاع العام دون الخاص بينما قررت الولايات العشر الأخرى عدم سنّ قوانين في هذا الشأن.
وأعلنت شخصيات نسائية ألمانية من مختلف الاتجاهات السياسية عن تضامنها مع المسلمات اللواتي يردن الاحتفاظ بغطاء الرأس خاصة في المدارس وحذرن من عواقب الحظر لأنها قد تؤدي إلى تعميق الفجوة بين المهاجرين المسلمين وبين عامة الشعب الألماني، وقد يصبح الحظر أيضا من الأدوات الخطيرة التي ستلجأ إليها المجموعات العنصرية والمتطرفة لتبرير مواقفها المعادية للأجانب.
وتشكلت قبل فترة حركة نسائية لمناهضة حظر غطاء الرأس من بين عضواتها رئيسة مجلس النواب سابقا ريتا سوسموت من الحزب المسيحي الديمقراطي والوزيرة الألمانية لحماية المستهلكين رناته كوناست من حزب الخضر ووزيرة العدل السابقة سابينه لوتيهوزير- شنارينبيرغر من الحزب الليبرالي المعارض ومندوبة الحكومة الألمانية لشؤون المهاجرين ماري لويز بيك . كما وقعت على النداء الذي وجهته الحركة حتى الان 70 شخصية نسائية من بينهن فنانات مشهورات وصحافيات.
وفي هذا الصدد قالت ماري لويز بيك إن المبادرة جاءت عقب إصدار المحكمة الدستورية العليا قرارها والشعور بأن العاطفة بدأت تغلب المواقف الموضوعية والتعليقات العقلانية، إضافة إلى غياب الدقة في النقاشات حول غطاء الرأس، وما يهمنا كما قال هو ما في الرأس وليس ما هو عليه.
وفي رأيها أنه يجب التفريق بين النساء المحجبات بدوافع سياسية أو أصولية واللواتي حجابهن طبيعي وعادي ولا يخفي تعصبا دينيا بل تعبيرا عن إيمانهن بمعتقداتهن الدينية . وحذرت من خطورة الحملات العشوائية ضد الحجاب لأنها ستؤدي إلى عزل النساء المسلمات عامة مما يصعّب بالتالي عملية الاندماج في المجتمع الواحد.
وانقسم الشارع الألماني على نفسه بين مؤيدا لمنع الحجاب ومساند له. فهناك من يبرر رفضه له بالقول أن المعلمة لها تأثير كبير على تكوين شخصية التلميذ خاصة في المراحل الأولى من عمره فيقتدي بها وبمسلكها خاصة إذا أحبها، وهنا يكمن الخطر في المعلمة المحجبة. بينما لا يعير المعارضون لفكرة الحظر أي اهتمام لذلك لأن التأثيرات البيتية هي التي لها التأثير الأكبر في تربية الطفل وليس المعلمة مباشرة.
وهناك فريق ثالث يؤيد فكرة منع كل المظاهر الدينية في المدارس طالما أن الدولة الألمانية دولة علمانية وكانوا وراء فكرة انتزاع الصليب من جدران قاعات التدريس قبل حوالي سبعة أعوام.